٢٤‏/٠٨‏/٢٠٠٨

وليد معماري


"عندما بدأتُ بوضعِ عنوان الزاوية هذه ابتسمتُ ابتسامةً من ألطف ابتساماتي السورية التي تأتي عادة مبهمة وغامضة وكئيبة ومغبرة وملوَّثة، لكن ابتسامتي هذه كانت أقرب ما تكون إلى الابتسام، كانت صافية إلى حدٍّ ما، ولمَ لا أبتسم؟، فأنا أخطُّ الآن اسم كاتب ارتبطت قراءتي له بالابتسام، وارتبط اسمه بالبسمة، وأحياناً الضحكة، وأحياناً إذا ما كان مسلطناً فالضحكة المجلجلة قادمة لا محالة،

فأنتَ في رحاب مقال ساخر يكتبه لك يوم أي ويوم.. لأ.. في جريدة تشرين فترة الثمانينات كاتب خبير وموهوب ولطيف ومتواضع ولا يعاني من مرض جنون العظمة، لكنه يعاني من صداع نصفي، ومن يعيش في أجوائنا من دون أن يكون مع هذا ضدَّ ذاك ومع ذاك ضدَّ هذا.. لا أبالكَ يصابُ بصداع نصفي، وقد تقول لي إنَّ الصداع النصفي قليل بحقنا، يعني نحن جماعة كوووول وبنوجِّع الراس عالخالص ومو حلوة بحقنا والله مو حلوة.. سأقول إنو يا حبيبي الصداع النصفي لا يعني أنو نصف عم يتوجَّع ونصف لأ، لا .. كان صداع وليد معماري النصفي هو نصف يتوجَّع ونصف يعالج، مع أنو فالج لا تعالج، كان وليد يعالج، يعالج بجرأته فيفشُّ قلبك ويعيد إليك غريزة التنفس بعدما كنت مخنوقاً، يعالج بالبسمة التي يرسمها على شفتيك المقهورتين رغماً عنك، يعالج بالضحكة التي ينتزعها من أعماقك المكبوتة الخائفة، يعالج بأقوال وأمثال وأفكار وحبوب وجع راس وشرابات ضدَّ السعلة والحشرجة والتأتأة والتكركب والفوتان بالحيطان والفالج، لكن فالج لا تعالج، هكذا يقولون للكاتب كلَّ يوم، كل لحظة وهو يخطُّ بقلمه البيك الأزرق على ورقة الجريدة السمراء، لكنه يعالج، ولا أسباب لديه سوى التفاؤل، لم يكن كاتباً متشائماً، كان وجهه أصلاً مبتسماً طيلة الوقت، رُسمَ هكذا، حتى في لحظات غضبه تراه مبتسماً، فتقرأ مقالته وكأنك تقرأ وجهه الطفولي البريء، البراءة.. البراءة.. سمة أساسية فيه، كانت الفكرة تمضي إلى مكانها ببراءة، ليست من تلك الأفكار الخبيثة التي تصيد ما تصيد لأجل فلان، وتطلق ما تطلق لعيون فليتان، أفكار بريئة تمضي إلى مكانها الذي يجب أن تُنفَّذ فيه لا أكثر ولا أقل، لكن فالج لا تعالج، ومع ذلك يعالج، يأتي إلينا إلى حلب، نتحدَّث معه، نجده وهو النجم متواضعاً ولطيفاً فنتعلَّم أن نكون كذلك، تنظر إلى سيارته الفولكسفاغن الزلحوفة العجيبة وتبتسم، كم أنها تشبهه، وبعدها تنظر إلى سيارته الجيب المفتوحة للفضاء والهواء والأمطار فتجدها تشبهه أيضاً، تبحث في حياته يميناً شمالاً فتجدها تشبهه، منسجم مع ذاته إلى أبعد الحدود، وصادق، وكنا نمضي نحن القراء إلى جريدة تشرين يوم إي ويوم لأ بحثاً عنه في زاويته الشهيرة قوس قزح، بحثاً عن الصدق، بحثاً عن الضحك، بحثاً عن فشة الخلق، بحثاً عن العلاج، مع أنو فالج لا تعالج يا أستاذ وليد."

ليست هناك تعليقات: