١٠‏/٠٨‏/٢٠٠٨

رسالة بالحبر الصيني


"هنا بكين.. هنا سور الصين العظيم، هنا العملاق الصيني، هنا الإمبراطورية الاشتراكية التي لم تسقط أمام الكوكا كولا والجينز والجاز وهوليوود وماكدونالدز وغيره وغيره وغيره من أمريكا وما أدراك ما أمريكا، ففي الوقت الذي اعتقد فيه العالم أجمع أن لا قوة في العالم إلا أمريكا جاء افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين ليقول غير هذا. حفل الافتتاح الذي لم يكن مجرد حفل افتتاح، كان فكرة، كان رسالة للعالم أجمع كتبها الصينيون، وبالحبر الصيني (نحن هنا)، ومن هنا استعرض الصينيون رسالتهم التي قرأها العالم أجمع، لكن أكثر من تمعن في قراءتها بالتأكيد كانت أمريكا،

ففي الوقت الذي دندن بوش بنغمة حقوق الإنسان وما حقوق الإنسان على الأراضي التايلاندية قبل يوم من الافتتاح كان همُّ الصينيين أن يطلقوا نيران الاحتفال ويضيئوا شعلة الأولمبياد والسلام، ليكون حفل الافتتاح رسالة لا تتضمن ردوداً فحسب فللإنسان حقّ بالعيش الكريم والحرّ حتى لو في الصين، وإنما تضمّنت إثباتات للعالم أن الصين عملاق موجود حقاً، أنه التنين الواقعي رغم أسطوريته، وأنهم شعب عملي ولو حملتهم أجنحة مخيلتهم، لقد طار الصينيون بالعالم كله إلى ملعب(عش الطير) الأخاذ، وقدموا من الفنون الحركية والبصرية ما يشبه الإعجاز، وقالوا لهوليوود إنهم أبرع، وانطقوا كونفوشيوس بالحكمة من جديد، وقالوا إنهم بجبروتهم وإبداعهم ودأبهم وحضارتهم الموغلة في التاريخ يأتون تحت شعار (عالم واحد حلم واحد)، وكأن في هذا دعوة للأمريكان كي يجلسوا إلى موائد السلام، وكأن للدعوة توجهات إلى العالم أجمع كي يلتف حول هذا المارد الصامت المتواضع والمحب، فالأوربيون سيجدون في التواصل مع الصين الكثير الكثير من الفوائد، والأستراليون سيجدون هذا أيضاً، أما الأمريكيون اللاتينيون فلا شك في أنهم سيسحرون بهذا الأمبراطور الجدي والطيب والساحر، وسيجد الأفارقة ملاذاً لهم في الشرق الآسيوي العظيم، أما جماعتنا فهم يعرفون منذ زمن أن الصين كانت وما زالت صديقاً جيداً للشعوب المقهورة، وكلنا نعرف مواقف الصين في العراق وفي فلسطين. لكنّ الغريب أنَّ كلّ هذه الإنجازات التي تمت في يوم واحد هو حفل الافتتاح، عندما فغر جورج بوش فاه وهو على المدرجات محيياً وفد الأمريكان المرح واللطيف، وكيف لا يكونون كذلك فهم من أبناء الشعب الأمريكي الذي يقولون إنه من أطيب الشعوب على وجه الأرض وألطفها، كل الوفود كانت مبتهجة فالحفل كان دعوة للبهجة، تلك الألوان والرسوم التي استعرضتها خيالات الصينيين البصرية المجنحة وحولتها إلى واقع ملموس، لقد لامس الصينيون كل إنسان في العالم عبر هذا العرض الفاتن، فأدهشوا أطفال العالم أمام الشاشات وأدهشوا العجائز، وأدهشوا النساء المندهشات بنور ويحيى ومهند ولميس وأدهشوا مهند شخصياً كما قالت لي زميلتي آلاء عامر التي شاهدته في حفلة عمرو دياب، لكن لم يكن إدهاشاً فحسب، كان أكبر من ذلك بكثير، كانت مفاجأة الإنسان، أن يقول كل هذه الأشياء وأن يفرض كل هذا الاحترام عبر الفن، بالفن يستطيع الإنسان أن يفرض وجوده بين الأمم، وبالفن يستطيع الإنسان أن يكون لامعاً بين الأنام، وبالفن أيضاً يستطيع الإنسان أن يقول لأخيه الإنسان إنه يحبه، وبالفن أيضاً يستطيع أن يقول للأشرار أنه قوي، فليس بالدبابات والمدافع والطائرات يسمو الإنسان"

ليست هناك تعليقات: