٢٨‏/٠٨‏/٢٠٠٨

ورقة نعي على جدار يتهدم


"سقوطي المفاجئ أمامكِ لم يمنحني ما أتماسك به، لم يكن لي سوى رؤيتكِ بذهول الذي لم يرَ سواكِ، غير أني رأيتُ أبعد مما أبحتُ لنفسي، رأيتكِ كلكِ، شعرك، فمك، جسدكِ، الخواتم، ثم سقطتُ إلى أعمق، هاوياً في قاع لا قرار له،.. في فورة البياض
***
لا تقل للحي عذوبة الميت
قل خرابه والأسى
لا تقل للحي شجر الميت وثمره
قل آسه وقطن أذنيه
لا تقل للحي ضحكة الميت
قل قعقعة العظام
***
أخافُ من جسدكِ وأنا أشم رائحة الغريب فيه، أخافُ من رعشتكِ وهي تحنُّ إلى سواي.
معكِ كم أنا موحشٌ
وكم أنا موحش دونكِ
***
كان الصوت بهيجاً، نظرتُ فإذا بي أمام لوحي المغطى بستار الآن، ولكن ما من أحد، اختفى حارسي والطواويس الصغيرة أيضاً، لكن الصوت جاءني كما لو أنه يصدر من أعمق أعماقي.
***
لا مجد لنا بموتكم
ولكننا ننتظر
كي نستمتع بسردكم لحياتكم البائسة بعدنا
وأنينكم علينا
كي نكتم ضحكنا عندما تصلون إلى فصل رمي الزهور على قبورنا
وكان عليّ أن أخطئ في التلاوة أن أقول:
الموتى موتى
والحيّ حي
والمجيء إلينا صعب
وهناك من لا يصل

***
ما أنا إلا ورقة بيضاء تركها الجميع بيضاء ومضوا، آخر شخص وصل ولم يجد سواه في العراء،
ورقة
نعي
على
جدار
يتهدم
***
موتي اقترب جداً
وأنت تبتعد
ألن تنتظر قليلاً
لتحضر وحيداً جنازتي مع بعض الزهور
***
بدأت رائحتكِ بالتلاشي وبدا أنَّ هناكَ من يشدّني إلى قاع سحيق، توسَّلتُ ذكرياتي الأرضية، توسَّلتُ وجهكِ، غصتُ في كتلة هلام، غصتُ حتى الوسط ثم غاص صدري وتلاه عنقي، بقي رأسي للحظات ثم غاص بعد أن رأيتُ وجهكِ فجأة على كل الجدران ولكن بعد فوات الأ...
***
كأنني استوفيتُ أنفاسي
ثم انقلبتُ كلي عيناً ورأيتكِ
أحببتُكِ كما لم يحدث أبداً
تذكرتُ جسدكِ وهو يُعرض عني
وتذكرتُ أني عتقتُ لأجلكِ من عزلتي
قلقتُ عليكِ
خفتُ من كلامكِ لأنكِ لم تكوني أنتِ
لم تكوني ملاك الرسائل ومنتظر كلامٍ بعيدٍ
لم تكوني الواقفة في المحطات
ولا المتأخرة عن موعد في شارع أو أمام بريد
ما أجملكِ
ما أحلاكِ
ما أحلى الشوارع التي منها تمرِّينْ
ما أبهج البيت الذي فيه تنامينْ
ما أحلى الورد في يدكِ
ما أسعد من تصافحينْ
ما أبهج الأبواب التي تطرقينْ
وما أتعسني.
وردٌ عليكِ وشوارع وشبابيك مضاءة وشجر شتاء وعصافير ومطرْ
وردٌ ورسائل وتنهداتْ
وردٌ كي تشمي
وردٌ كي تُدمي أصابعكِ
وردٌ كي تضعيه في كأسِ ماءْ
وردٌ لأعيادكِ ومآتمكِ
وردٌ أيها الوردْ
وردٌ كي تنسيه طيلة العمر يجفُّ في كتابْ."

ليست هناك تعليقات: