"وداهمتني الناعوسة، فهرعتُ إلى سريري مسروراً، وكيف لا أكون مسروراً، فأنا سأنام الآن، سوف أرتاح وأريِّح، على اعتبار أن نوم الظالم عبادة، لكن حسابات البيدر لم تنطبق على حسابات السوق، ففي تلك اللحظات كانت هناك ناموسة تحلِّق في أجواء غرفتي، وما أن حطّ جسدي على مدرج السرير كي ينام حتى حطت الناموسة المحلّقة في الأجواء على مدارج جسدي، ومع الوخزة الأولى طارت الناعوسة من مدارجنا،
وبدأنا بتعقيم مكان الوخزة بواسطة الفعل الحراري اللاإرادي والذي نسميه الحك، وبدأنا نحك، وبعد أن انتهينا من تعقيم مكان الوخزة بالحك حتى كانت الناموسة تحط في قرنة أخرى من جسدنا الحبيب وتضرب بقوة فيه لنعود ونحك على أساس أنها مجرد ضربة ضربتين وانتهت الأفلام لتبدأ بعدها الأحلام، لكن الناموسة أبت أن تحل عن جسدنا وضربتنا ضربة ثالثة موجعة في مكان صعب ومؤثر انشغلت يدنا فيه لدقيقة كاملة كي تصل إليه، وبدأ الفيلم يا شباب، الناموسة تضرب ونحن نحك، ثم بدأنا نضرب بدورنا على الناموسة كي نسحقها، لكن هيهات، فالضربات كانت تنزل على جسدنا كالمهدّات، وتحت رأسنا قلقت المخدّات، ومن رأسنا وجسمنا طارت الناعوسة، واحتلت مكانها الناموسة، وجلستُ أترقب العدو الغاشم، ودهنتُ جسمي بكل أنواع المراهم، السامة منها والمخدرة، القاتلة والمدمرة، المطفِّشة والمُدهورة، لكن هيهات يا فلان، فالناموسة لم تمت، ولم تطفش، ولم تتدهور، ولم تتدمر، فجلستُ بكامل حواسي ساهراً على أحوال الأمة أكثر من كاظم، وأنا أحك وأحك حتى ظننتُ نفسي جرباناً، بعد أن كنت أعتقدني فهماناً، وما بين الفهمان والجربان فرق شاسع، بل إنني ظللتُ أحك وأحك حتى جاءني دور في مسلسل بدوي، ولكنني رفضتُ الدور وتابعت الخور، وأشعلتُ الأنوار، وبحثتُ عن الناموسة في الأجواء، ولكن هيهات يا صاح، فالناموسة صغيرة، ومموهة، ومن الصعب أن تراها، لكن ليس من الصعب أن تتكيف معها، كأنك تقرصك وتنام، أن توخزك وتشخر، يعني أن تتمتع بقلة الإحساس، وتستيقظ في الصباح لتجد جسمك وقد صار أحمر، ومخك صار أحمرين، وتاكل وتنعس وتعود إلى النوم، وتهش بذيلك الناعم على الناموس المهاجم، وتنام نوم الحمير، وترى في أحلامك أنك أمير، ويا سمو الأمير هات سمّعنا هالأشعار، ويا حضرة الساهرين قولوا يا عين، على هذا الشعر الزين.
ثم اخترعوا لك قاتلات الناموس، من لمبات زرقاء، وبخاخات باف باف باف، ووضعوا على سريرك حصناً منيعاً سموه بالناموسية كي يطردوا الناموس من حياتك، فنمتَ قرير الذيل، وأغمضتَ العينتين، وريَّحتَ وارتحت، على اعتبار أنو نوم الحمير يسعد الشعير، ونوم البعير يسعد النوق العصافير، وأنو أهم شي أنو الكونديشن شغال، والعباد عم تنشوى شوي تحت شمس آب اللهّاب، ودهنوك بالدراهم، لأنك بتحبها أكثر من المراهم، وهاهو الناموس قادم، كي يوقظك، ومن غرقك ينقذك، لكن هيهات يا صاح، راحت علينا وراحت عليك، والناموس ما عاد ألو خبزة بمخدعك، حتى أنو مل منك وطار، وحط بغير مطار، فالزمن زمن النوم، ولو .. ما النوم سلطان، شنو رأيك بهالقصيد، زين .. ما قصرت.. انفحوه مئة ألف دينار .. انفحوه!!."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق