١٨‏/٠٨‏/٢٠٠٨

غرفة للأطفال المزنوقين

في قطارنا السريع الجديد هناك غرفة بجانب كلِّ عربة للأطفال الرضَّع اللي بدهم تبديل قطع غيار، وهالغرفة يا بعدي مو بعيدة كتير، بلزق التواليت، وأكبر مشوار ممكن تتحمَّله السيدة الوالدة ما بيتجاوز عشرين متراً، فيا للرفاهية، ويا للحضارة، يعني ما عادت ست الستات وأم الأولاد تعاني من فكِّ وتبديل وتنزيل موتور للزغير في التواليت،

وعالمغسلة تحديداً، وساعتها ممكن الحنفية تدق بجسم الببو وتوجعه، أو ممكن الببو ما يقبل تغيِّرله أمه وهو نص تسطيحة، وبالتأكيد فهذه الغرفة المستقلة تجعل الست الوالدة تغيِّر للببو الأكابر براحتها من دون ما تستعجل بسبب نظرات الاستهجان التي سيرمقها بها الركاب الجالسون المشاهدون الشامّون إذا ما فعلت ذلك في العربة، لا .. لم يعد هناك من كلِّ هذا شيء في زمن القطار السريع الجميل المريح الحضاري على قولة وجيه شويكي. لكن.. أقولها وأنا أعرف أنكم تمتعضون من لكن هذه، فهي تعني لكم بالتأكيد مزيداً من العتت واللت والعي، لكن ما باليد حيلة، فما يحدث معي يحدث معكم دائماً، بسبب تشاركنا وتقاسمنا لكلِّ الظروف، وبسبب أننا نعيش في بلد يمرق فيه على رأس البني آدم مليون فيلم وفيلم بيوم واحد، وما مرق على رأسي مارق على رأسكم بالتأكيد، إلا إذا كنتم مستشرقين مارقين مروق الكرام في بلاد الشام، المهم ما لكم بالطويلة فلقد جلست في القطار مسروراً، فالمكيف شغّال، وفيلم فان دام شغال، وما حدا شلح من رجله قبل ما ينام، وكلكم تعرفون أنو أهم شيء الأخلاق وريحة الجرابات، ولحسن الحظ فالأخلاق كانت عالية، وريحة الجرابات كان صوتها واطي، لم يصرخ أيُّ جراب صرخته المعهودة في الباصات عندما يتمُّ الإفراج عنه بخلع الحذاء، تلك الصرخة الحرَّة التي يطلقها في فضاء الباص أو القطار فتزكم لها الأنوف احتراماً، فإذا لم تزكم بادر صاحب الأنف إلى سدِّه بيديه، كل شي تمام، وهالضيافة والترحيب والسماعات لمتابعة الفيلم وإلى آخره من آيات حسن الاستقبال، وفوق اللي منها جيراني اللي عالكراسي اللي بجنبي لطفاء وفي بيناتهم حبايب قلبي من الأطفال، وبعد أن رأينا أحد الببويات الصغار من الجماعة المدرعين بحفاضات واللي متعلمين المشي مبارح يبتسم لنا فابتسمنا، وناولناه تحبباً بونبونة، ولحمسنا على رأسه استلطافاً له لا لأمه كما قد يخطر على بالكم، وداعبناه لإسعاده لا للتقرب من الوالدة اللطيفة الله وكيلكم، وفجأة وكما قد يخطر على بالكم فلقد انبثقت تلك الرائحة العصية على الشرح من دروع الطفل، ابتسمنا لأمه لا تحبُّباً وإنما توسلاً كي تغيِّر له في غرفة الأطفال المزنوقين فابتسمت لنا، فقط ابتسمت، يبدو أنها لم تشعر بشيء، فعاودنا الابتسام ونحن ننظر إلى الطفل الهمام فابتسمتْ، وقليلاً من البزر فصفصتْ، نكشناها قائلين أنو الولد صار بده فك وتنظيف وتبديل، فاختفت الابتسامة، وبشكل أوتوماتيكي سلخت صديقي الببو كف متل فراق الوالدين، ثم سحبته، وعلى الطاولة التي أمامها حطته، وفكته، فشاهدنا فرفورته، وشممنا رائحته بشكل صريح أكثر، وبدلت له عالسريع، على أنغام بكائه المرير بسبب الكف اللي أكله غدر، وقلتُ في نفسي إننا استعملنا حواسنا كلها مع الطفل تقريباً، فلقد لمسناه وقلنا له كوجوكوجوكوجو، وسمعناه وهو يجعر، وشممنا أقوى ما عنده، بل وشاهدنا أيضاً أفضل ما عنده، بقي أن نستخدم حاسة الذوق وبنطلع تمام مع الحواس الخمسة، شو رأيك مدام؟!!.. ليكها الغرفة .. قدَّامْ."

ليست هناك تعليقات: