"فتِّتْ لعبِتْ.. مصطلح يستخدمه أشاوس ورق اللعب أو الشدِّة كما يقولون لها في دمشق، أو السكنبيل والسكنجفة في حلب، أو القلاماجا في الجزيرة، وهو مصطلح يعني أنَّ اللعبة بلا شروط إضافية أو ضمانات خاصة بعد انطلاقها، لكن هذا المصطلح لا يسري على حياة لاعبي الشدة في بلادنا فقط، بل ويسري على كلِّ العباد، وذلك لأنو كل الشعب عنَّا حرِّيف شدَّة منذ نعومة الأظفار، فإذا تفحَّص فاحص من الغرب الغريب عقودنا التي نبني عليها أعمالنا المشتركة لوجد أنها تمشي تحت نظام فتتْ لعبتْ كمان،
فالموظف في أيِّ شركة عندنا لا يعرف إذا ما كان سينبلج الصباح ـ حلوة ينبلج ما هيك ـ وهو ما زال على رأس عمله، في أيِّ لحظة ممكن تطير، قطاع خاص قطاع عام نو بروبليم، ما في فرق، المبدأ واحد طار يطير طيراناً، لكن طيران عن طيران بيفرق، فالطائر من القطاع الخاص ينكفئ في منزله ويختفي كي يلعق جراحه، فلقد كان البارحة مديراً على شركة ومتحكماً بشؤون العباد، البارحة كان المتملقون والمنافقون ملتفين حوله، البارحة كانت التليفونات عم بترن، والحسناوات عم يلتمنَّ حواليه على مبدأ والتمنّْ الحلوات من كل بيت حلوة التمنّْ كما يقول المطرب العراقي الدكتور فاضل عواد، والبارحة كان في عشاء مع فلان، وعشاء تاني بعد العشاء مع بطيحان، واليوم هو في البيت سهران، وأمام زوجته اللي ما كان عم يشوف خلقتها هديان، والتليفون لا يرن إلا للعزاء، أو للاستفسار، أو للتأكد، أو للشماتة المبطَّنة، اليوم هو وحيد، وما فيه يطلع لبرة ليشوف الناس لأنو ما لو وش يشوف الناس، على اعتبار أنو عمايله أيام ما كان سيد الأسياد مو كتير بترفع الراس، واليوم سيبدأ رحلة جديدة من الانكفاء والترميم بمساعدة زوجته التي تذكَّرها الآن، بينما سيجلس طائر القطاع العام في بيته اللي مو لابق له بكل الأحوال، ذلك البيت الذي تراه مبهبطاً وواسعاً على صاحبه، وبرعاية زوجته التي سمنت قليلاً منذ أن استلم منصبه، وبرفقة الخادمات السريلانكيات الأندونيسيات الفليبينيات لا فرق، وذلك الشخص الرائع صاحب الشعبية عند المدام.. الشوفير، والذي كان يقوم بكل المهام الاجتماعية للسيد الطائر، من زيارات خيرية، واجتماعات عائلية، وحل مشاكل فورية، وإلخ مما يقوم به عوضاً عن السيد من مهام، وينتظر الطائر الحبيب، الذي صار الآن طائراً حبيساً، بدَّلوا له حرفاً في الكلمة فطار، وينتظر إلى أن يأتي فرزه الجديد .
فإذا ما وقَّعت عقداً على طريقة فتتْ لعبتْ فاعمل بما يرضي ضميرك ويرضي الناس، واعمل كأنك وصي على الخلاص، وابذل الجهد واتبع طريق القلب ولا تنس الراسْ، فإذا طرتَ، فلن تصب سوى بالإقياء، وتمشي بين الجموع مرفوع الراس، فيسألونك لماذا طرتَ وهم يعرفون، وتجيبهم إذا اضطرَّك الأمر بأنك طرتَ لأنكَ كلمتكَ قلتَ."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق