"لطالما كنتُ اسأل نفسي عندما أشاهد صور القتلى والجرحى على شاشات الأخبار ألن ياتي يوم ويكون بين القتلى هناك شخص أعرفه؟!
هؤلاء الذين كان يشتاق إليهم عندما تأتيه فرصة من الفرص النادرة ليغادر غزة لأيام، وكان أن التقيته عام 2006 في ملتقى صنعاء الشعري، جاء متأخراً إلى الملتقى بسبب الإجراءت الإسرائيلية الفظيعة على المعابر، وهو أمر يحدث كل يوم، وكنتُ قد اطَّلعتُ على صور للباصات التي تعبر وكيف أنها تحمل الركاب في داخلها وعلى سطحها جلوساً ووقوفاً في مشهد من مشاهد سقوط الإنسانية إلى دركها الأسفل المظلم الحامل في ثناياه كتلة هائلة من الحقد والتلذذ بالتعذيب وتوجيه الإهانة، وكان يوسف في إطلالته الأولى علينا يحمل وجه الشاعر، وجه الحياة، لم يكن بحامل لوجه الحرب والقتال والمعارك، حتى إن ديوانه الأخير كان مجرد قصائد حب، وهو الشاب الذي بلغ السادسة والعشرين لتوه، يا إلهي، أنظر إلى المشهد فأتعرف على القتيل، يا إلهي .. هذا القتيل أعرفه!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!.
لكنني لا أعرفه وحسب، إنه صديقي، فالشعراء يتصادقون بسرعة، بل هم أقرباء، وكم من المرات يتعانق الشعراء من اللقاء الأول لمجرد معرفتهم بالأسماء، فهم يتواصلون بالشعر، مهما كانوا بعيدين، ومهما فصلت بينهم المسافات، بقيتُ أتحادث مع يوسف عبر الرسائل لفترة طويلة، ودائماً ما كان يحدث تماس بيننا هنا وهناك على أراضي جمهورية الأنترنت الفضائية الأكثر عدالة من جمهوريات البشر، حيث يُسمح بالتواصل والتقارب واللقاء، حيث لا حدود ولا جوازات سفر، حيث لا معابر، حيث لا رصاص سوى رصاص افتراضي، لكنه رصاص بالنهاية يصيب، وهاهو رصاص طائش يصيبه، كان يستحق رصاصة موجهة إليه على الأقل، كان يستحق تنهيدة من القاتل دلالة الرضا على إنجاز المهمة، كان يستحق أن يفرح شخص ما على الأقل على الشاعر كي يموت، لا لم يكن صديقي ينتظر صرخات الأسف، لم يكن صديقي ينتظر أن يموت بالخطأ، فهو لم يولد بالخطأ، ولم يكتب الشعر بالخطأ، ولم يكن خارج الولاءات بالخطأ، ولم يكن حراً حرية الشعراء بالخطأ، كان يستحق كل ما كان عليه، يستحق الحياة، ويستحق الشعر، ويستحق كأي إنسان الموت، لكنه لم يكن يستحق أن يموت بالخطأ، والله هذا أكبر خطأ، أن يموت الشعراء في فلسطين بالخطأ.
يا إلهي...هذا القتيل صديقي!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق