٣١‏/٠٨‏/٢٠٠٨

دخيل ربِّكْ


"وين كنا؟!.. إي تذكرت.. ما بدي شي غير أنِّكْ تضحكي، دخيل رب ضحكتك ما أحلاها، على فكرة عم أتخيلك وأنت وعم تضحكي، وكمان وأنتِ وعم تبتسمي وتقولي بصوت واطي مشان ما حدا يسمعِكْ (يحرق حريشَكْ)، لأ مو هون كنا، مو هون كان الحديث حبيبي، تقبر قلبي أنت واللي آخدة عقلَكْ، في شي أهم هلأ من ملذاتك العاطفية الشخصية، آه.. تذكَّرتْ، هي زعلانة شوي ما بعرف من شو بس زعلانة..

يمكن ما بتعرف أنو عندي مواضيع مهمة معَك ولازم فهّمها.. مو هيك؟!.. شو قصتك أنت؟! ما كنت تفهم علي.. عم قلك مو هون كنا، اتركنا منها لست الحسن وخليك بشغلك، اتركها تنقبر هي وظنونها وشكوكها وطلباتها وصدماتها العاطفية فيك.. فيكْ، ليش عم تسب يا زلمة.. ليش عم تسبها؟!.. هي حبيبة قلبي وما بسمح لك لا ألك ولا لأمثالك بالتفوه بأي حرف ضدها.. ضد ضحكتها.. ضد ابتسامتها تقبر قلبي.. ضد لمعة عينها.. ضد ملعنتها اللذيذة.. ضد أكابريتها.. ضد طلتها.. لأ لأ ما بسمح لَكْ، شو تسمح ما تسمح.. شو نسيت أنو نحنا جماعة ألنا شغل معك؟!.. بقى شو بدك نحنا جاهزين.. ولك بدك نروح نحكي معها ونحنن قلبها عليك مشان تبلِّش تشتغل وتزت لنا وتكت لنا بهالشغل.. العمى.. صار لنا شهر شارين لك الكرستا وما كنت تمد إيدَكْ عليها.. شو نروح لعندها.. نشكِّل وفد من قبلَكْ ونروح نترجاها ترجع لَكْ؟!... إي والله جبتها يا معلم.. شكلوا وفد شو عليه.. وخلو الموفد الاجتماعي يقل لها أنو الظروف الاجتماعية حالياً ما بتسمح بأكتر مما هو موجود.. يعني حب وعواطف وأشواق ولواعج وآلام روحية وجسدية.. قولوا لها إني بحبها.. بس لساتني مو جاهز لتحقيق أحلامها فيني.. يعني القصة بدها شوية لحلحة مالية.. وهي بتعرف أنو المال عصب الحياة الكذابية.. لذلك ما عم أركض وراه.. بس الموفد المالي قال لي موضحاً أنو لازم أركض ورا المصاري مشانها.. مشان الحب والوصال مو مشان المال، لأ .. لا تحط هالنظرية براسي.. لازم المخلوقة تتحملني لأني خايف تكون حابة الركضة ورا المصاري بحد ذاتها.. مو مشان الوصال، يا حبيبي أنت بدك العنب ولا الناطور؟!.
بدي العنب، وبدي الناطور، وبدي الحرامي، وبدي الشرطي، وبدي المختار، وبدي اياكِ، عفواً.. أنا ما بدي شي غيرِكْ، لا بدي العنب، ولا بدي الناطور، ولا بدي البوليس، ولا المخترة، بدي إياكي، بدي سلتي بلا عنب، بس على شرط تكوني عم تحمليها معي من الطرف التاني، بعدين فاضية السلة، خفيفة، مافيها شي غير الأحلام والضحكات والدمعات واللواعج والأشواق والفراشات والأولاد والزهور.. ما فيها غير أخف وألذ شي بهالحياة، بقى شيليها معي وبلا فذلكة ودلال ومياعة ودلع وتدلّع وغنج .. مع أنو بيلبقلِك وحياة ألله، بس أنا تعبان، وماني حابب أدخل بمستنقع الاسترضاء، لأنو اللي بيحب بيكون رضيان، وعلى رسول الله السلام، وكل عام وأنتم بألف خير بمناسبة قدوم رمضان."

٢٩‏/٠٨‏/٢٠٠٨

مع مين رح يطلع؟


"ببساطة ما عندي سيارة، وكل ما بدهم رفقاتي يعملوا مشروع سيران أو طلعة لقرنة بعيدة بينطرح السؤال التالي: ولقمان.. مع مين رح يطلع؟!
طبعاً أنا ما لي علاقة، هم سيقرِّرون السيارة التي سآتي بها، وعادة ما تكون جلسة انتقاء الصديق الذي سيقلّني معه سرية، نظراً لأنو ما حدا قاتل .

حاله لتطليعي معه، صاحبي الأوروبي الطباع سيكون أول المنسحبين من السباق بسبب سيجارتي، فالرجل لا يحبُّ التدخين تحت أي سقف حتى سقف السيارة، وهو يرفض تحت ضغوطي أن يشتري سيارة كشف، وبالتالي يا أنا بلا سيجارة، يا بلاها هالطلعة من أساسها لأنو صاحبي الأوروبي متعنِّت ومستحيل يسمح لي بالتدخين، والتاني أعصابه مو قوية لحتى يفوت على نص البلد مشان يسحبني من شارع 29 أيار اللي مضى، والتالت بيفوت عالشارع الرئيسي بس مستحيل يفوت على حارات عين كرش مشان يشحطني من بيتي، قال ما في محل للصفة، وأنا مستحيل أطلع لراس الشارع لأنو ما بحب وقِّّف وأنتظر، والرابع مرته ما بتخليه يطلعني معه لا بحلال ولا بحرام لأنو حضرتي رح أتسلبط على مقعدها القدمَّاني، هيك شروطي، بتاخدني السيارة من قدام البيت، وبدخن، وبقعد قدام، وأحياناً بنزِّل قهوتي معي، وهادا رفيقي مرته بتحب تقعد قدام، وأنا ما بحب أقعد ورا وأفتح حديث معهم، رفيقي بيحاكيني وهو وعم يتطلع فيني بالمراية، ومرته بتندار كل شوي وبتقل لي (ليكها النفاضة قدامك)، بس من بعد ما اخترعوا حزام الأمان يا قلبي أمان في بلادنا حتى بتُّ أحب المقعد الخلفي، بل وصرتُ أصعد في التكسي خلفاً إذا كان معي صديق، كله مشان ما أحط الحزام، ومرة جربت أقعد ورا وأنا لوحدي قام الشوفير قال لي: شرِّف لقدام معلم، قام شرّفت، ما بعرف ليش الشوفيرية ما بيحبوا قعدة الرجال ورا، بيحسوا بإهانة، قلناله والله مو مشان شي يا معلم بس مشان الحزام، وبصراحة الحزام معت، سحبه معت، والبحث عن الأنتاية الحمراء معت، خاصة إذا كان في طرَّاحة، وخاصة إذا كان في كاسة شاي خاصة الشوفير وملكه، ويقول لي الشوفير أنو ما في داعي تحط الحزام، امسكه بإيدك، طيب هيك أصعب، يعني بحطه نظامي وخلص، لأ .. مافي داعي..

امسكه بإيدك، هيك قال الشوفير وتابع: أنا عندي عشر بلوزات سود، عالأسود ما رح يعرف الشرطي إذا كنت حاطط حزام ولا لأ، وضحك، وضحكتُ معه مجاملاً، لكنه كان طيباً، لم يخورفني، كما أنني كنت لطيفاً فلم أبخسه حقه، ونزلت، وتعاهدنا أنا والسائق على محاربة الحزام باللون الأسود، وبحثتُ في خزانتي، وفردتُ تيشيرتاتي أمامي، في شي خمس قطع سوداء، ولكنني ارتديت واحداً أخضر لأنَّ زوجة صديقي راكبة في المقعد الأمامي، وزمَّر صديقي، فقلت له أن لا يزمّر لأنَّ الغرب اخترع الموبايل، ونزلتُ، فوجدتُ رتلاً من السيارات يزمّر خلف سيارة صديقي التي أغلقت الطريق.

حيَّيتُ الجماهير التي تنتظرني، وكانوا يبتسمون لي وفي قلوبهم يشتمونني، جئتُ لأصعد في الخلف كي أرتاح من الحزام، لكن زوجة صديقي اللي لابسة أسود بأسود نزلت وقالت: لا والله ما بتقعد إلا قدام، وكانت السيارات تزمِّر، وكنتُ أحييهم معتذراً، وكانوا يبتسمون لي وفي قلوبهم يشتمونني بأقذع الشتائم، يا عيب الشوم"

٢٨‏/٠٨‏/٢٠٠٨

أكذب كاتب في العالم


"قدر صديقي الشاعر يوسف القدرة أن يحقق حلماً راودني ذات يوم، فلقد كتب لنا نافياً خبر موته الذي نشرته جريدة السفير للشاعر الفلسطيني راسم المدهون، وكنتُ قد تلقيتُ اتصالات من أصدقاء يبدو أنهم قرؤوا الخبر في السفير وأبلغوني فتأسفتُ ودمعت عيني على صديقي اللي طلع مو ميِّت والحمد لله الحمد لله ورحت سالخه هداك المقال اللي بيبكي الحجر وبيمقت البشر على صفحات بلدنا مبارح، والعزاء لأهل القتيل الآخر والعزاء ليوسف نفسه، لأنه كان عمه وهو يحمل اسمه ذاته فكان سوء التفاهم، وأقول: حقق يوسف حلماً قديماً راودني،

وهو أن أموت لمدة أسبوع ومن ثم أعود في مفاجأة قدرية وأجلس في منزلي -من ضمن الحلم أنو يكون عندي منزل- وأتصفح الجرائد وشرائط الفيديو المسجلة لأرى ماذا قالوا عني في غيابي الله يرحمني ويرحم أمواتكم أجمعين، وسأتلذذ أولاً بقراءة قصائد الرثاء عني والتي ستبدأ بـ'أبا حسين غادرتنا باكراً.. وكان الصباحُ ماكراً'.. وتنتهي بـ'تركتنا يتامى دونكَ.... فأضحى الثابتُ عابراً' را....' ربيعٌ ولى عن ديارنا.. وصيفٌ حام حول مطارنا' نا......'نحن أبناء القصيدة نرثيك...... ونحمل على أكتافنا مراميكَ' كا.....كلنا على هالطريق لك أبني، ولولا الحياة لما كان الموت، وإنا على الدرب لسائرون، ميتون ميتون ميتون، مقاتلون مقتولون وطاحشون مفرومون، ومرضى ميئوسون ورباب، شو جاب سيرة رباب هلأ؟!.. إي تذكرت.. كتبت المقالة الرثائية في صاحبي وطلعت عالتصوير مع الأستاذ الرهيب هشام شربتجي حاكم نسيت قلكم أني أحيانا بمثِّل من أجل حفنة من الدولارات، أو الليرات، وكانت الفنانة رباب كنعان.. وأنتم بخير إن شاء الله.. زميلتي في المشهد، وكان المشهد كوميدياً، ولي..أكلناها، من وين لي الكوميديا بهاللحظة، فتت عاللوكيشن يعني الموقع يا حبيبي وكان بمطعم صيني بالشام، وقلت لحالي والله الصينيين وصلوا عالشام والحلبية جماعة المحاشي والكببِ والشقفِ والتوشكا والماريّا وأقراصُ النعناعِ والكبابِ.. ما عرفوا يوصلوا، يمكن ضاعوا عند فتحة حمص، المهم مالكم بالطويلة قلنالها لرباب القصة مشان تتحمل سوء أداءنا لا سمح الله، وفتنا بالمشهد وفتنا بالتاني وكلو تمام ولا كأنو رفيقي مات ولا كأني كنت من شوي بأجواء مقال حزين، حتى شكِّت راب بأني زعلان، ولكنني وما إن قرأتُ إيميلي ووجدت رسالة حديثة وصلتني للتو من المرحوم فيه، قلتُ لنفسي يا حرام باعتلي رسالة قبل ما يموت ولهلأ ما وصلت عبر الإيميل لأنو طلع أنو العدو اللي ما بيتسماش عامل معابر عالهوتميل والياهوو كمان، وقلت لحالي أنو يا حبيبي يا يوسف كان عرفان وباعت رسالة ليودع صديقه لقمان، تماماً متل ما قلت لرفقاتي إني كنت حاسس لأنو صار لي يومين حزين وتعبان، وكمان حبيت أعمل أكشن بالمقال فقلتُ 'هذا القتيل صديقي' بما معناه أنني شاهدتُ الخبر على التلفاز، وهون بصراحة كنت أكبر كذاب، لأني ما شفت شي عالتلفزيون، بس مشان ضرورة المقال، يحق للمقالجي مالا يحق لغيره، والكذبة التانية أني قلت أنو رفيقي كان عم يشتري فواكه وأنا متأكد أن هذا الشاعر التنبل كباقي الشعراء مستحيل ينزل عالسوق مشان يشتري فواكه، ما بينزل إلا مشان يشتري قهوة وسكر وشاي ودخان وباقي عدة الشعراء الغذائية البريئة، بس لما كتبت المقال كنت صادق، ويمكن دمّعت عيني مشان ما يصير كذب، خلوها يمكن مشان الحلال والحرام، بس اللي كنت متأكد منه أني كنت مقهوووووووووور مشان يوسف.. وتساءلت كذا مرة ليش يا ربي.. قام يوسف بعت لي جواب وطمّني ترلالم ترلالم.. ما زال يوسف على قيد الحياة، ما زال الشعراء على قيد الحياة، شكراً لله إذن، شكراً لله.. لأنني طلعت أكبر كذاب. بس اللي زعلان منه أنو حبيبة قلبي مبارح ما قدَّرت كتير أني على رفيقي زعلان!!!!!!!!!!!."

ورقة نعي على جدار يتهدم


"سقوطي المفاجئ أمامكِ لم يمنحني ما أتماسك به، لم يكن لي سوى رؤيتكِ بذهول الذي لم يرَ سواكِ، غير أني رأيتُ أبعد مما أبحتُ لنفسي، رأيتكِ كلكِ، شعرك، فمك، جسدكِ، الخواتم، ثم سقطتُ إلى أعمق، هاوياً في قاع لا قرار له،.. في فورة البياض
***
لا تقل للحي عذوبة الميت
قل خرابه والأسى
لا تقل للحي شجر الميت وثمره
قل آسه وقطن أذنيه
لا تقل للحي ضحكة الميت
قل قعقعة العظام
***
أخافُ من جسدكِ وأنا أشم رائحة الغريب فيه، أخافُ من رعشتكِ وهي تحنُّ إلى سواي.
معكِ كم أنا موحشٌ
وكم أنا موحش دونكِ
***
كان الصوت بهيجاً، نظرتُ فإذا بي أمام لوحي المغطى بستار الآن، ولكن ما من أحد، اختفى حارسي والطواويس الصغيرة أيضاً، لكن الصوت جاءني كما لو أنه يصدر من أعمق أعماقي.
***
لا مجد لنا بموتكم
ولكننا ننتظر
كي نستمتع بسردكم لحياتكم البائسة بعدنا
وأنينكم علينا
كي نكتم ضحكنا عندما تصلون إلى فصل رمي الزهور على قبورنا
وكان عليّ أن أخطئ في التلاوة أن أقول:
الموتى موتى
والحيّ حي
والمجيء إلينا صعب
وهناك من لا يصل

***
ما أنا إلا ورقة بيضاء تركها الجميع بيضاء ومضوا، آخر شخص وصل ولم يجد سواه في العراء،
ورقة
نعي
على
جدار
يتهدم
***
موتي اقترب جداً
وأنت تبتعد
ألن تنتظر قليلاً
لتحضر وحيداً جنازتي مع بعض الزهور
***
بدأت رائحتكِ بالتلاشي وبدا أنَّ هناكَ من يشدّني إلى قاع سحيق، توسَّلتُ ذكرياتي الأرضية، توسَّلتُ وجهكِ، غصتُ في كتلة هلام، غصتُ حتى الوسط ثم غاص صدري وتلاه عنقي، بقي رأسي للحظات ثم غاص بعد أن رأيتُ وجهكِ فجأة على كل الجدران ولكن بعد فوات الأ...
***
كأنني استوفيتُ أنفاسي
ثم انقلبتُ كلي عيناً ورأيتكِ
أحببتُكِ كما لم يحدث أبداً
تذكرتُ جسدكِ وهو يُعرض عني
وتذكرتُ أني عتقتُ لأجلكِ من عزلتي
قلقتُ عليكِ
خفتُ من كلامكِ لأنكِ لم تكوني أنتِ
لم تكوني ملاك الرسائل ومنتظر كلامٍ بعيدٍ
لم تكوني الواقفة في المحطات
ولا المتأخرة عن موعد في شارع أو أمام بريد
ما أجملكِ
ما أحلاكِ
ما أحلى الشوارع التي منها تمرِّينْ
ما أبهج البيت الذي فيه تنامينْ
ما أحلى الورد في يدكِ
ما أسعد من تصافحينْ
ما أبهج الأبواب التي تطرقينْ
وما أتعسني.
وردٌ عليكِ وشوارع وشبابيك مضاءة وشجر شتاء وعصافير ومطرْ
وردٌ ورسائل وتنهداتْ
وردٌ كي تشمي
وردٌ كي تُدمي أصابعكِ
وردٌ كي تضعيه في كأسِ ماءْ
وردٌ لأعيادكِ ومآتمكِ
وردٌ أيها الوردْ
وردٌ كي تنسيه طيلة العمر يجفُّ في كتابْ."

٢٧‏/٠٨‏/٢٠٠٨

هذا القتيل صديقي


"لطالما كنتُ اسأل نفسي عندما أشاهد صور القتلى والجرحى على شاشات الأخبار ألن ياتي يوم ويكون بين القتلى هناك شخص أعرفه؟!
على الأقل أرتبط بصداقات مع بشر يعيشون تحت خطوط النار، سواء في العراق أم في فلسطين، ثم يأتيني الخبر اليقين، فلقد قُتل صديقي الشاعر الفلسطيني يوسف القدرة في مدينته غزة وبأيدٍ وطنية خالصة لا تشوبها شائبة من الشوائب، وبرصاصة طائشة لمسلح يتدرب على البندقية، يعني أن يوسف لم يُقتل بيد الأعداء، قُتل بالخطأ على أيدي الأهل بينما كان يشتري الفواكه في السوق وسط الزحام،

هؤلاء الذين كان يشتاق إليهم عندما تأتيه فرصة من الفرص النادرة ليغادر غزة لأيام، وكان أن التقيته عام 2006 في ملتقى صنعاء الشعري، جاء متأخراً إلى الملتقى بسبب الإجراءت الإسرائيلية الفظيعة على المعابر، وهو أمر يحدث كل يوم، وكنتُ قد اطَّلعتُ على صور للباصات التي تعبر وكيف أنها تحمل الركاب في داخلها وعلى سطحها جلوساً ووقوفاً في مشهد من مشاهد سقوط الإنسانية إلى دركها الأسفل المظلم الحامل في ثناياه كتلة هائلة من الحقد والتلذذ بالتعذيب وتوجيه الإهانة، وكان يوسف في إطلالته الأولى علينا يحمل وجه الشاعر، وجه الحياة، لم يكن بحامل لوجه الحرب والقتال والمعارك، حتى إن ديوانه الأخير كان مجرد قصائد حب، وهو الشاب الذي بلغ السادسة والعشرين لتوه، يا إلهي، أنظر إلى المشهد فأتعرف على القتيل، يا إلهي .. هذا القتيل أعرفه!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!.
لكنني لا أعرفه وحسب، إنه صديقي، فالشعراء يتصادقون بسرعة، بل هم أقرباء، وكم من المرات يتعانق الشعراء من اللقاء الأول لمجرد معرفتهم بالأسماء، فهم يتواصلون بالشعر، مهما كانوا بعيدين، ومهما فصلت بينهم المسافات، بقيتُ أتحادث مع يوسف عبر الرسائل لفترة طويلة، ودائماً ما كان يحدث تماس بيننا هنا وهناك على أراضي جمهورية الأنترنت الفضائية الأكثر عدالة من جمهوريات البشر، حيث يُسمح بالتواصل والتقارب واللقاء، حيث لا حدود ولا جوازات سفر، حيث لا معابر، حيث لا رصاص سوى رصاص افتراضي، لكنه رصاص بالنهاية يصيب، وهاهو رصاص طائش يصيبه، كان يستحق رصاصة موجهة إليه على الأقل، كان يستحق تنهيدة من القاتل دلالة الرضا على إنجاز المهمة، كان يستحق أن يفرح شخص ما على الأقل على الشاعر كي يموت، لا لم يكن صديقي ينتظر صرخات الأسف، لم يكن صديقي ينتظر أن يموت بالخطأ، فهو لم يولد بالخطأ، ولم يكتب الشعر بالخطأ، ولم يكن خارج الولاءات بالخطأ، ولم يكن حراً حرية الشعراء بالخطأ، كان يستحق كل ما كان عليه، يستحق الحياة، ويستحق الشعر، ويستحق كأي إنسان الموت، لكنه لم يكن يستحق أن يموت بالخطأ، والله هذا أكبر خطأ، أن يموت الشعراء في فلسطين بالخطأ.
يا إلهي...هذا القتيل صديقي!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!."

٢٥‏/٠٨‏/٢٠٠٨

سينما على حب النبي


"أُعلن عن عرضه.. تأجل عرضه.. ألغي عرضه.. سينما الشام مو فاضية.. عم تعرض فيلم شغال وأسم ألله عليه، هنا صفن هيثم حقي هديك الصفنة العجيبة، العمى.. شلون ما خطرت على بالي.. أنا جايي بدي أعمل سينما ببلد ما فيها غير دار سينما واحدة عليها ضو؟!!!.. وفكَّر الرجل المخلص كيف أنه سها عن فكرة كانت سبباً في !!!.

ابتعاده عن السينما ومضيه قدماً نحو التلفزيون، وهو الذي لم يمضِ إلى هناك إلا مشمولاً بالرعاية السورية الكريمة.. من استنكار جماعة السينما أن يمضي أحد أبنائها إلى الفن الأدنى أو التلفزيون.. إلى عتاولة التلفزيون الذين استبسلوا كي لا يدخل هذا السينمائي إلى حقول استديوهاتهم، واستعان الرجل على الشقاء بالله، وفات.
ولم يطل الأمر بهيثم حقي ليجد مؤازرة من وزير الإعلام وقتها الدكتور محمد سلمان للقطاع الخاص، فكان ما كان من أمر نجاح القطاع الخاص في الوصول بالدراما السورية إلى العربية وتربعها على عرش الدراما العربية من دون منازع، ومين كان يصدق أنو رح يجي يوم تصير فيه الدراما السورية أحسن من الدراما المصرية؟!.. وصار، وبعدين حلوة المنافسة، يعني ما في داعي للحكي تبع أنو كلنا عرب وما حدا أحسن من حدا، لأ سيدي خلينا شي مرة نكون أحسن من حدا، وما في داعي ننظر إلى أنفسنا وإلى من حولنا ونقول بأسى واستسلام أنو كل القطط أحسن من حمّور، لأ يا سيدي ما بدي أكون حمور الدراما العربية، وكان ما كان، وصرنا أحسن الشي، وهني بال هيثم، وعرف أنو الشباب تعلموا وكبروا وصاروا قادرين على خوض التجربة إلى أبعد، قام قرّر الرجل يفوت فوتته بالسينما بعد ما شاف أنو الغرفة اللي حطوا فيها خريجي السينما ما بتكفي لصناعة سينما، وأنو فيلم لكل واحد وبالدور ما بيجيب نتيجة.. وبالتالي هج عالتلفزيون.. ويا محلا هالهجة.. فلقد فعلها مستنداً إلى تاريخ جيد في الدراما السورية كتبه دريد ونهاد وخلدون المالح وغسان جبري وعلاء الدين كوكش والقبلاوي والماغوط وغيرهم، ومستنداً إلى ما تعلمه في معهد السينما في موسكو، ومستنداً إلى فكر عميق يحمله ويبرر وجوده كإنسان، ومستنداً إلى حبه للسينما، وفات.. في طريق مخالف، حارة ضيقة، اتجاه واحد، ومسكَّر.. فلم يطحش.. نظر وفكَّر أنو الوضع هون كمان مو بالسليم ماشي.. لكن هون ممكن.. على الأقل في طريق.. هونيك ما في بنوب.. وكان أن فتح الطريق.. وقال الكريم للدراما السورية خذي، وكما اعتمد على الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في دعمها للقطاع الخاص فلم يطل الأمر بالمؤسسة العامة للسينما في دعم عرض فيلم (التجلي الأخير لغيلان الدمشقي) على شاشة سينما الكندي النظيفة، وعلى فكرة الصالة ظريفة.. ومقاعدها مريحة.. وسمعتها زي المسك.. وهي جاهزة لدعم خطوة الألف ميل تبع السينما، وعُرض الفيلم، وفيه تحدث هيثم حقي عن المثقف المهزوم الخائف غير المبادر، المتخاذل المنعزل القابع في ذاته المريضة نفسياً، المنكفئ والمنحسر عن الناس وحياة الناس، المتلصص عليهم من ثقوب الجدران ومن خلف الستائر، المكبوت.. اللاجئ إلى الماضي وشخوص الماضي لمقاومة خيبته وهزيمته، الذي أصبح عبئاً على الجيل الجديد الطامح لفعل شيء، فهل تنجح دماء هيثم حقي الجديدة في فتح قناة السينما السورية الخاصة.. المغلقة.. من جديد؟"

أولمبياد الشاورما


"رح يخلص الأولمبياد الصيني ولسه ما عرفنا شي من أخبار بعثتنا إلى هناك، وهي مكونة حسب معلوماتنا التي حصلنا عليها من قرنة كتير منزوية في جريدة رياضية وبدون صور وكأنها إعلان مبوب، لكن أحداً لم يبوِّب أحوال هذه البعثة، وسمعنا بشي ستين سبعين دولة وما سمعنا باسم بعثتنا الحبيبة، برافو عليهم، يعني كانوا مؤدبين ومهذبين وبالتالي ما حدا جاب سيرتهم لا بخير ولا بشرّ،

وبيستحقوا والله ننتظرهم بالمطار ونرش عليهم رز ونتوجهم بأكاليل الغار، يعني الجماعة بيّضوا الوش، وإذا عرفنا أنو في بالبعثة اللي عددها تسطعشر نسمة سبع لاعبين، فسيكون السؤال المهم هو: شو أخبارهم؟!..
ـ أخبارهم!!.. مناح .. كويسين الحمد لله.. ما صار معهم ولا مشكلة.. ولا إصابة.. ولا حتى حالة وجع راس.. لأ الحمد لله .. كل شي تمام.
ـ أنت ما عم تفهم علي يا ابن الحلال.. عم أسألك إذا فازوا بشي كم ميدالية.. شو بدي بصحتهم ومزاجهم ما أنا عم أسألك عن أخبار الأبطال؟!..
ـ ها.. الأبطال.. إيوه.. بس أنت حبيبي ما سألتني عن الميداليات.. أنت سألتني عن أخبارهم.
ـ العمى شو بتلعي القلب أنت.. يعني ضمن أخبارهم في شي ميداليات ذهبية فضية برونزية ؟!...
ـ لأ هي مو موجودة ضمن أخبارهم.. هي موجودة بأخبار ناس تانيين بعتقد أنو ما بيهمك أمرهم.
ـ فهمت عليك.. قيمنا من الميداليات وخلينا نحكي باليوميات.. دخلك من شو مكونين التنعشر نسمة الباقية من عدد بعثتنا؟!
ـ هلأ عالأكيد ما بعرف، بس حدا قاللي أنو في زعيم للبعثة.. وفي تلاتة أعضاء مجلس الزعماء.. وفي دكتور بيعالج اللاعبين ومجلس الزعماء سوا.. على اعتبار أنو كل أعضاء هالمجلس الإداري ختايرى ومعهم هديك الأمراض البايخة تبع الضغط والسكري والديسك والميسك وهلم جراً.. وفي صحفي مشان يسجل شو صار مع أعضاء البعثة من أخبار.. بس الحمد لله ما تعذب بنوب.. لأنو ما كان في أخبار.. مشان هيك ما كان متضايق من حدا وما انتقد حدا وقال أنو كل شي تمام...
ـ صفي واحد .. مين هو؟! ليش ما ذكرته؟!.. شي واحد بالواسطة مو هيك.. قرايب شي حدا؟!
ـ لا لا يروح مخك لبعيد.. بس على اعتبار أنو زعماء البعثة كلهم من النوع المتوعك.. وبالتالي ما بيواتيهم الأكل الصيني.. فلقد درسوها وبحثوها وفي بند قانوني حطوها وأخدوا معهم معلم شاورما.
ـ شاورما؟!!!!!
ـ إي شوبك.. هاد معلم الشاورما اللي مو عاجبك جاب معه ميدالية ذهبية
ـ ليش الشاورما داخلة بالألعاب الأولمبية؟!!
ـ لأ مو داخلة.. بس أعضاء وفدنا رفعوا كتاب للمجلس الأولمبي الأعلى مشان يدخلوها.. وبس يدخلوها رح نفوز بكل ذهبياتها.. ذهبية سقسقة الصندويشة وحرقها بالسيخ... وذهبية أسرع تركيب للسيخ وهو ني.. وذهبية قص المستوي بأسرع وقت.. وذهبية الشاورما الحرة.. يعني العربي.
ـ لأ يا سيدي ما حزرت... رح يفوزوا فيها الأتراك."

٢٤‏/٠٨‏/٢٠٠٨

وليد معماري


"عندما بدأتُ بوضعِ عنوان الزاوية هذه ابتسمتُ ابتسامةً من ألطف ابتساماتي السورية التي تأتي عادة مبهمة وغامضة وكئيبة ومغبرة وملوَّثة، لكن ابتسامتي هذه كانت أقرب ما تكون إلى الابتسام، كانت صافية إلى حدٍّ ما، ولمَ لا أبتسم؟، فأنا أخطُّ الآن اسم كاتب ارتبطت قراءتي له بالابتسام، وارتبط اسمه بالبسمة، وأحياناً الضحكة، وأحياناً إذا ما كان مسلطناً فالضحكة المجلجلة قادمة لا محالة،

فأنتَ في رحاب مقال ساخر يكتبه لك يوم أي ويوم.. لأ.. في جريدة تشرين فترة الثمانينات كاتب خبير وموهوب ولطيف ومتواضع ولا يعاني من مرض جنون العظمة، لكنه يعاني من صداع نصفي، ومن يعيش في أجوائنا من دون أن يكون مع هذا ضدَّ ذاك ومع ذاك ضدَّ هذا.. لا أبالكَ يصابُ بصداع نصفي، وقد تقول لي إنَّ الصداع النصفي قليل بحقنا، يعني نحن جماعة كوووول وبنوجِّع الراس عالخالص ومو حلوة بحقنا والله مو حلوة.. سأقول إنو يا حبيبي الصداع النصفي لا يعني أنو نصف عم يتوجَّع ونصف لأ، لا .. كان صداع وليد معماري النصفي هو نصف يتوجَّع ونصف يعالج، مع أنو فالج لا تعالج، كان وليد يعالج، يعالج بجرأته فيفشُّ قلبك ويعيد إليك غريزة التنفس بعدما كنت مخنوقاً، يعالج بالبسمة التي يرسمها على شفتيك المقهورتين رغماً عنك، يعالج بالضحكة التي ينتزعها من أعماقك المكبوتة الخائفة، يعالج بأقوال وأمثال وأفكار وحبوب وجع راس وشرابات ضدَّ السعلة والحشرجة والتأتأة والتكركب والفوتان بالحيطان والفالج، لكن فالج لا تعالج، هكذا يقولون للكاتب كلَّ يوم، كل لحظة وهو يخطُّ بقلمه البيك الأزرق على ورقة الجريدة السمراء، لكنه يعالج، ولا أسباب لديه سوى التفاؤل، لم يكن كاتباً متشائماً، كان وجهه أصلاً مبتسماً طيلة الوقت، رُسمَ هكذا، حتى في لحظات غضبه تراه مبتسماً، فتقرأ مقالته وكأنك تقرأ وجهه الطفولي البريء، البراءة.. البراءة.. سمة أساسية فيه، كانت الفكرة تمضي إلى مكانها ببراءة، ليست من تلك الأفكار الخبيثة التي تصيد ما تصيد لأجل فلان، وتطلق ما تطلق لعيون فليتان، أفكار بريئة تمضي إلى مكانها الذي يجب أن تُنفَّذ فيه لا أكثر ولا أقل، لكن فالج لا تعالج، ومع ذلك يعالج، يأتي إلينا إلى حلب، نتحدَّث معه، نجده وهو النجم متواضعاً ولطيفاً فنتعلَّم أن نكون كذلك، تنظر إلى سيارته الفولكسفاغن الزلحوفة العجيبة وتبتسم، كم أنها تشبهه، وبعدها تنظر إلى سيارته الجيب المفتوحة للفضاء والهواء والأمطار فتجدها تشبهه أيضاً، تبحث في حياته يميناً شمالاً فتجدها تشبهه، منسجم مع ذاته إلى أبعد الحدود، وصادق، وكنا نمضي نحن القراء إلى جريدة تشرين يوم إي ويوم لأ بحثاً عنه في زاويته الشهيرة قوس قزح، بحثاً عن الصدق، بحثاً عن الضحك، بحثاً عن فشة الخلق، بحثاً عن العلاج، مع أنو فالج لا تعالج يا أستاذ وليد."

٢٢‏/٠٨‏/٢٠٠٨

ليش مكلفين حالكم؟


"ـ ليش مكلفة حالِكْ جارتنا، والله ما كان بده كل هالعذاب، قولي لي كنت جيت ساعدتك بالطبخ، الله يسامحك، الجار قبل الدار، همممم شي طيب هاليالنجي جارتنا بيمزع ضبانات العقل، ما قلتي لي على اعتبارك جارتنا خبيرة لغات ليش اسمه يالنجي؟!..


ـ شوفي يا جارتنا طالما أنك سألتِ فاليالنجي متل ما بتعرفي ورق عنب محشي بالرز والبقدونس والفليفلة والبندورة وأشياء أخرى مثل البهارات ودبس الرمان وكل شي من عدا اللحمة مشان هيك سموه يالنجي.. واليالنجي بالتركي يا حبيبتي يعني الكذاب.. وهذا يعني أنو هو يبرق كذاب.
ـ يلعن قطاطِك شو بتفهمي باللغات وبالفتَّات .. دخلِك وهاد اليبرق شو وضعه.. يبرق وإلا يالنجي ؟!

ـ لأ هادا يبرق حبيبتي .. هادا بقى بيجي على رز ولحمة وتحته عضام تقبري عضامي أو شرحات بتتنهنه نهنهة تحت اليبرق ومع شوية حوامض .. دوقي شوي من هالصوس.. هممممممممممم.

ـ واللاهي شي طيب، همممم صوس بيفلج..بيطير ضبانات العقل.. ودخلك هالسلطة شو ؟!

سلطه هليون مع الذرة .. هي بتفيد الدماغ كتير وبتعوض عن الفوسفور في الاسم المفرد.

ـ أتاريكِ شاطرة بالعربي والإعراب كمان.. مو بس ضليعة باللغات.. يلعن قطاطِكْ..

ـ شو بدنا نعمل نذرنا نفسنا للعلم منذ الصغر كالنقش في الحجر.
ـ آي.. العمى .. كأنو فيها حجرة هالمجدرة.. شو مانك منقية العدس؟!
ـ لأ تقبريني هي مو حجرة.. هي عدسة ما استوت .. بس ترى ألها فوائد كتير.. بتقوي الأسنان..و السن اللي ما بتكسره بتقويه..

ـ يلعن قطاطِك شو بتفهمي.. حتى بطب الأسنان بتعرفي.. دخلِك شوفي لي هالضرس شو مشكلته ما عم أقدر آكل عليه..
ـ اسمحي لي هلأ ماني فاضية للضرس تبعك عندي معازيم ليوم المعازيم.

ـ دخلِكْ ومن وين هدول المعازيم؟!

ـ مشكَّل ملوَّن .. من كل البلاد.
ـ قصدِكْ شرَوي غرَوي!!

ـ لأ .. هدول مشكل ملون.. بس كنت نازلة عالسوق قام طلع بوجهي كم واحد ووحدة من بلدياتي فخجلت وعزمتهم.. هدول هنن الشروي الغروي.. يعني كلمة وبتنقال(تفضل تغدى عنا) حاكم كل العالم دريانة أنو عندي عزيمة. إن شاء الله ما يجوا يا رب.

ـ والله طبخاتك بيفلجوا.. ما قلتي لي مين ساعدك فيهم؟!
ـ والله ما حدا.. بس الشوفير.

ـ شوفيرك بيفهم بالطبخ كمان؟!!!!!
ـ لأ.. شو فهّمه بالطبخ...
ـ له كان كيف ساعدك؟!

ـ هو اللي راح جابهم من المطعم....إي من المطعم شو صارلك انبهتي!!.. شو مجنونة أنا أشتغل كل هالشغل والمطاعم بجنبي على قفا مين يشيل؟!..آه !!."

٢١‏/٠٨‏/٢٠٠٨

لا غبارَ عليكِ


"الموسيقا هي الأعظم
الموسيقا هي الأروع
الموسيقا تحرِّكُ أجسادنا الساكنة


الموسيقا تُخرج الدموع الحبيسة
..والموسيقا تعطينا المرح
لكن للموسيقا عيبا وحيدا؛
لا صورة مجسدة لها
لا جسد لها
إذاً أنتِ
جسدُ الموسيقا

****************



أحبكِ يا جسد الموسيقا
لكنني لا أريدكِ
فأنتِ له..
تحبينني
وتريدينه
له الجسد
ولي الموسيقا

*********************************************************************************************

لكن جسد الموسيقا لا يموت
ربما دخلتِ
فلم أنتبه
وربما تمرين بجانبي
فلا ألتفتُ
أو تلمسينني فلا أشتعلُ
ربما يحدث هذا.
فإذا استطعتُ تدوينه
كنتُ شاهداً على موتكِ
وإذا لم أكتبه كنتِ أنتِ
الشاهدة الوحيدة على موتي

*******************************************************************************************

تدخلين..
فيهلعُ المكان
يهلعُ الرجال
وتهلعُ النسوة على الرجال
أنتِ لست امرأة
أنتِ جيشٌ من النساء

***********************************************************************************************

أجلسُ معكِ
وأكتفي

****************************************************************************************

صديقي طارق الشيخ
صغير الجسم
لكنه استطاع أن يحجبَكِ عني

***************************************************************************************

لا .. لم يكن القمر هو الذي يجري
كانت الغيومُ تفعل ذلك
************************************
يكفي أن تنظري إليَّ
مجرد نظرة
فيكون لي أن آخذها كاملة
أن أتمتع بها
أن أعود إلى البيت
سعيداً.. وفخوراً

*****************************************************************************************


دونكِ.. البيرة غير لذيذة
الفوتبول غير جذاب
والكتب مملة
الطعام بائت
النوم اعتيادي ودون أحلام
والاستيقاظ بلا هواجس وآمال
الصباح بلا ألوان
المساء ساكن
والليل دون ظلام
دونكِ.. لا طعم لكل هذه الأشياء
ومعكِ.. لا قيمة لها أصلاً

***********************************

لا أريد أن أكون معكِ
ولا أريد أن أبقى دونكِ
أنا لا أريدكِ تماماً
كما يريدُكِ الآخرون
فقط أريدُ
أن أعيشَ حياتي كلها بوجودكِ."

٢٠‏/٠٨‏/٢٠٠٨

ربحنا الثقافة وخسرنا دمشق

أسوأ ما يمكن أن يتعرض له بلد يتصدى لتنظيم حدث ما، هو أن لا يكون لديها ما تقدمه لهذا الحدث، لكن هذا الأمر يمكن تجاوزه بحسن التنظيم وجودة الوافدين القادمين من بلاد أخرى لتقديم فنونهم وإبداعاتهم، إلا أنَّ غياب البلد المنظم عن الفعالية يبقي في الحلق غصة وفي القلب حسرة وفي المعدة حرقة لا يمكن إطفاؤها بكم حبة مالوكس أو كم خيارة وخسة وغيرها من مضادات الحرقة الطبيعية والكيميائية.


فإذا كانت الصين التي أبهرت العالم بحسن تنظيمها لأولمبياد بكين بعدما أبهرتنا بحفل الافتتاح الأسطوري، ستكتفي بما قدمته، فلن يكون هناك من لائم لها، فلقد قدمت ما عليها، لكن يبقى أن الشعب الصيني سيغص كلما رأى فتيان وفتيات البلدان الأخرى يحصدون الميداليات بينما يكتفي شبانهم بالتصفيق والترحيب بالضيوف وصب القهوة يا حمود ويا هلا بالظيف وما يصير لا والله إلا تبتغدى معنا، لكن الصين ليست من ذلك النوع من العقليات، الصين تحصد الميداليات، بل وتنافس على الصدارة، وهي تتصدرالقائمة الآن لأول مرة في تاريخها الأولمبي، هذا يجعلك ترفع القبعة أو العكَال احتراماً وتقديراً.

ونحن في دمشق عاصمة ثقافية، جبنا بيتر بروك وخلينا المهتمين يشوفوا مسرح هالأسطورة شخصي بعد ما كنا نسمع عنه سمع وكتَّر خيرنا، جبنا كم عرض مسرحي حلوين وكتَّر خيرنا، جبنا الجعايبي من تونس وكتَّر خيرنا، جبنا فيروز وكتَّر خيرنا، وجبنا زياد رحباني وكتَّر خيرنا، بس شو جبنا نحنا من عنَّا، شو قدمنا لجمهورنا من عنَّا، شو عملنا مشان الثقافة ببنطها العريض، شو هي المواهب السورية اللي نكوشناها وقدمناها لناسنا، شو هي المناخات اللي أمنَّاها للشباب السوري مشان يبدعوا، شو هي الميداليات اللي حصلنا عليها في أولمبياد الثقافة العربية.

هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أننا بلد مزدحم بالمواهب، بالإضافة إلى أننا لسنا بلداً غنياً يرمم نواقصه بالمال على طريقة ما في شي ما بتحله المصاري، لأنو إذا كانت القصة بمين جبنا وشو عرضوا لنا لكانت دبي عاصمة ثقافية كل سنة، حلو نعمل متل دبي، بس الأحلى نعمل متل ما نحنا بنعمل.

حلو نشوف شخصيتنا بالفعالية، حلو حتى للضيوف اللي جايين يشوفوا شي نحنا عاملينه، وعنا كتير شغلات نعملها، والحكي مو بس للأمانة، بل ولجميع الجهات، وكل الأشخاص، فلا يمكن أن نضع كل شي على أكتاف الأمانة، أو أن ننتظر الأمانة كي تؤمن لنا شوية مصاري لنعمل مشاريع وهمية لا قيمة لها.

وأخيراً فما استقطبته أمانة العاصمة من فعاليات خارجية يجعل من دمشق عاصمة ثقافية حقاً، لكنه لا يجعل منها دمشق، فما الفائدة إذا ربحنا الثقافة وخسرنا دمشق؟!!."

يحرق حريشك يا زياد


"هم أصدقاء زياد رحباني، يذهبون إلى بيروت ويعودون محملين بالقصص والسير تبع زياد، يا ألله ما أفهمك يا زياد، يا ألله شو ذكي يا زياد، يحرق حريشك يا زياد، كنا قاعدين ببار شيه أندريه قام إجا زياد.. قال له البارمان شو بتشرب ويسكي زياد؟!.. قام زياد شو قاله يا حزركم، وهي اليا حزركم أساسية عند رفقات زياد، لأنو فيها اختبار لعقولنا التي بلا تلافيف أمام عقل زياد الجبار ذي التلفوفات الكثيرة، قام قاله زياد للبارمان:

لأ شكراً مبطِّل المشروب.. هات واحد فودكا .. كه كه كه .. يحرق حريشك يا زياد، قام أنا سألته لرفيقه لزياد أنو ما بده يجي زياد عالشام؟! قام رد علي قطع بت أنو مستحيل، شو بده يعمل هون زياد، يحرق حريشك يا زياد، حملنا حالنا وقلنا بنحضر حفلة لإطار شمع تبع إبراهيم سليماني ورشا رزق، بنتسمع على شوية جاز، وهنيك شفت واحد من رفقات زياد، قعدنا جنبه بالصدفة، ولسه ما بلشت المخلوقة تغني حتى انبرى رفيق زياد وقال لي: معلم إذا بدك تحضر جاز احضر لزياد، ما حكينا شي، بعد شوي حط إيده على جبينه متأسفاً وقال: يحرق حريشك يا زياد، وبعد شوي نزَّل إيده وقام على حيله وراح، قلت له لوين، قال لي: على بيروت لعند زياد، قلت له ما في أمل يجي زياد لهون، قطع بت قال لي: مستحيل، يحرق حريشك يا زياد، ومن يومها بطَّلت أحضر حفلات جاز، لأنو بكل حفلة بيطلع لي واحد من رفقات زياد وبيحكي لي نكت عن زياد، وكيف أنو أجا واحد لعند زياد عالبيت وكان رفيق زياد عنده، قام زياد قال مين؟!.. قام الطارق عالباب قال: أنا غالب عنتر، قام زياد قاله وأنا قارط عبلة.. كه كه كه كه يحرق حريشك يا زياد، حرَّمتُ الجاز على حالي كرمال رفقات زياد، يا سيدي وبلاه لهالجاز، وفجأة أجا زياد، يحرق حريشك يا زياد، قلت لحالي بعد ما قطعت الأمل بالبطاقات أنو مالك يا ولد يا لقمان غير رفقات زياد اللي عددهم بيطلع بعدد العمال السوريين بلبنان، واتصلنا بأول واحد، وكانت المفاجأة، قال شو ما حضر ولا حفلة لأنو مكَرِّب، قلت له يا زلمة معقولة ما تحضر وهو رفيقك .. بلكي زعل منك؟!.. اتصلنا بالتاني اللي أله دقن وقت اللي بيكون زياد مربي دقن، واللي بيكون بالسكسوكة وقت اللي بيقلب زياد عالسكسوكة، مراية من مرايات زياد عالأصلي يا شباب، قلنا له شو ما حضرت زياد، قال شو ما حضر كمان، مرته بالمستشفى عم تولد، أسبوع كامل بالطلق وما كانت تولد، يحرق حريشك يا زياد، اتصلنا بالتالت بالرابع بالخامس .. العمى هادا اللي مرضان وهاد اللي متوفي أبوه، وهداك ميتة جارته ومو حلوة يحضر حفلات، آخر الشي لقطت واحد منهم وفهمت القصة يا معلم، وتذكرت قصة ساشا اللي كان أيام الاتحاد السوفييتي يقول لرفقاته انو بريجيت باردو رفيقته الروح بالروح، كان ساشا من المحظوظين السوفييت اللي بيروحوا بالسنة مرة على باريس، وكان بيعرف أنو بحياتها بريجيت باردو ما رح تجي على موسكو، قام أجت بريجيت باردو على موسكو، يحرق حريشك يا بريجيت، وأجوا رفقات ساشا يطالبوه بتأكيد صحبته مع بريجيت، قام ساشا راح عالأوتيل تبع بريجيت وبكى وتسطح على باب الفندق لحتى خلوه يشوفها لخمس دقايق، قال لها ما بدي شي منك، بس لما بدك تروحي عالمطار تطلعي فيني وقولي لي(شلونك ساشا)، وقام صاحبنا ساشا أخد أصحابه وراحوا عالمطار ليودعوا بريجيت مع الجماهير، وبس شافته بريجيت لساشا حتى وفت بوعدها وقالت له بالروسي ساشا.. كاك ديلا؟).. تطلع ساشا فيها وقال(حلي عنَّا يا ما خلصنا منك بباريس قام لحقتينا على موسكو)!!.

بقى يا أستاذ زياد كلمة منك ما بتكلف شي، حرام رفقاتك انحبسوا بالبيت من يوم ما جيت، لك شلون جيت، يحرق حريشك يا زياد؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!."

١٨‏/٠٨‏/٢٠٠٨

غرفة للأطفال المزنوقين

في قطارنا السريع الجديد هناك غرفة بجانب كلِّ عربة للأطفال الرضَّع اللي بدهم تبديل قطع غيار، وهالغرفة يا بعدي مو بعيدة كتير، بلزق التواليت، وأكبر مشوار ممكن تتحمَّله السيدة الوالدة ما بيتجاوز عشرين متراً، فيا للرفاهية، ويا للحضارة، يعني ما عادت ست الستات وأم الأولاد تعاني من فكِّ وتبديل وتنزيل موتور للزغير في التواليت،

وعالمغسلة تحديداً، وساعتها ممكن الحنفية تدق بجسم الببو وتوجعه، أو ممكن الببو ما يقبل تغيِّرله أمه وهو نص تسطيحة، وبالتأكيد فهذه الغرفة المستقلة تجعل الست الوالدة تغيِّر للببو الأكابر براحتها من دون ما تستعجل بسبب نظرات الاستهجان التي سيرمقها بها الركاب الجالسون المشاهدون الشامّون إذا ما فعلت ذلك في العربة، لا .. لم يعد هناك من كلِّ هذا شيء في زمن القطار السريع الجميل المريح الحضاري على قولة وجيه شويكي. لكن.. أقولها وأنا أعرف أنكم تمتعضون من لكن هذه، فهي تعني لكم بالتأكيد مزيداً من العتت واللت والعي، لكن ما باليد حيلة، فما يحدث معي يحدث معكم دائماً، بسبب تشاركنا وتقاسمنا لكلِّ الظروف، وبسبب أننا نعيش في بلد يمرق فيه على رأس البني آدم مليون فيلم وفيلم بيوم واحد، وما مرق على رأسي مارق على رأسكم بالتأكيد، إلا إذا كنتم مستشرقين مارقين مروق الكرام في بلاد الشام، المهم ما لكم بالطويلة فلقد جلست في القطار مسروراً، فالمكيف شغّال، وفيلم فان دام شغال، وما حدا شلح من رجله قبل ما ينام، وكلكم تعرفون أنو أهم شيء الأخلاق وريحة الجرابات، ولحسن الحظ فالأخلاق كانت عالية، وريحة الجرابات كان صوتها واطي، لم يصرخ أيُّ جراب صرخته المعهودة في الباصات عندما يتمُّ الإفراج عنه بخلع الحذاء، تلك الصرخة الحرَّة التي يطلقها في فضاء الباص أو القطار فتزكم لها الأنوف احتراماً، فإذا لم تزكم بادر صاحب الأنف إلى سدِّه بيديه، كل شي تمام، وهالضيافة والترحيب والسماعات لمتابعة الفيلم وإلى آخره من آيات حسن الاستقبال، وفوق اللي منها جيراني اللي عالكراسي اللي بجنبي لطفاء وفي بيناتهم حبايب قلبي من الأطفال، وبعد أن رأينا أحد الببويات الصغار من الجماعة المدرعين بحفاضات واللي متعلمين المشي مبارح يبتسم لنا فابتسمنا، وناولناه تحبباً بونبونة، ولحمسنا على رأسه استلطافاً له لا لأمه كما قد يخطر على بالكم، وداعبناه لإسعاده لا للتقرب من الوالدة اللطيفة الله وكيلكم، وفجأة وكما قد يخطر على بالكم فلقد انبثقت تلك الرائحة العصية على الشرح من دروع الطفل، ابتسمنا لأمه لا تحبُّباً وإنما توسلاً كي تغيِّر له في غرفة الأطفال المزنوقين فابتسمت لنا، فقط ابتسمت، يبدو أنها لم تشعر بشيء، فعاودنا الابتسام ونحن ننظر إلى الطفل الهمام فابتسمتْ، وقليلاً من البزر فصفصتْ، نكشناها قائلين أنو الولد صار بده فك وتنظيف وتبديل، فاختفت الابتسامة، وبشكل أوتوماتيكي سلخت صديقي الببو كف متل فراق الوالدين، ثم سحبته، وعلى الطاولة التي أمامها حطته، وفكته، فشاهدنا فرفورته، وشممنا رائحته بشكل صريح أكثر، وبدلت له عالسريع، على أنغام بكائه المرير بسبب الكف اللي أكله غدر، وقلتُ في نفسي إننا استعملنا حواسنا كلها مع الطفل تقريباً، فلقد لمسناه وقلنا له كوجوكوجوكوجو، وسمعناه وهو يجعر، وشممنا أقوى ما عنده، بل وشاهدنا أيضاً أفضل ما عنده، بقي أن نستخدم حاسة الذوق وبنطلع تمام مع الحواس الخمسة، شو رأيك مدام؟!!.. ليكها الغرفة .. قدَّامْ."

١٧‏/٠٨‏/٢٠٠٨

زياد عالمضمون

بيني وبينكم كانت بطاقاتي لحضور إحدى حفلات زياد الرحباني في القلعة مضمونة، فلقد وعدني صديق لطيف بأنَّ بطاقاتي عليه، وكان أن دقَّ على صدره، وسمعتُ الدقة وصداها الذي كان عبارة عن سعال متواصل وحشرجات بسبب التدخين، لذلك لم أشتري البطاقات فلقد أمًّنتُ بطاقاتي، لكنني لم أحصل عليها، وما إن اقترب موعد .

الحفلات حتى اتَّصلتُ بصاحبي، ولكن صاحبي لم يرد، قلت لحالي يمكن حاطط موبايله عالصامت، وانتظرتُ أن يتَّصل بي، ولكن موبايلي لم يرن، ظلَّ صامتاً، ومازال موبايلي صامداً وصامتاً، قلت لحالي بسيطة يا ولد هلأ أمانة العاصمة ببتصل فيك وبتقول لك ( أستاذ وين بتحب نبعت لك بطاقتك)، طبعاً رح تقولوا في أنفسكم متهكمين مني أنو مين أنت يا لقمان حتى تتصل فيك أمانة العاصمة بقضها وقضيضها وتبعت لك بطاقتك، مظبوط معكم حق، فلقد سألتُ نفسي نفس السؤال وأنا أردُّ على تليفونات من أمانة العاصمة وهي تعزمني على محاضرة لفلان عن تاريخ حرف السين في منمنمات ابن القلشين قبل ستة آلاف عام، وسألت نفسي نفس السؤال والأمانة تدعوني لحضور مسرحية لواحد من رفقاتي كل يوم بشوفه بخلقتي دون أن أعرف أنو الأخ مخرج مسرحي وأنو عنده مسرحية بصالة عرض بسبينة أو بالفلا على طريق المطار، وسألتُ نفسي نفس السؤال والأمانة تدعوني وتصرُّ على حضوري للاستماع إلى حديث الذكريات لكاتب متوفَّى عن كاتب متوفَّى أكتر بقهوة شعبية والفنجان ع حسابي طبعاً، وطبعاً كل هالدعوات عالتليفون، معناها أنا كتير شخص مهم، ولو ما الجماعة عم يصرُّوا علي أحضر، وعم يضربوني عالوتر الحساس لأنو كل المتصلات بنات، بقى في أهم من هيك؟! المهم ما لكم بالطويلة أجت فيروز وما حدا اتصل، أجا بيتر بروك وما حدا اتصل، أجا زياد وما حدا اتصل، بس على فرقة الكسوة اللي عاملة عرضها الراقص بالقرب من نهر عيشة غير الموجود أصلاً اتصلوا ودعوني بل وأصروا على حضوري مشان ما يزعلوا الشباب، وعلى عرض سبعين فيلماً قصيراً للسينمائيين السوريين الرضع في ليلة واحدة ما فيها ضو قمر دعوني، وعلى مؤتمر للكتابة الساخرة بيبكّي الحجر عزموني، وعلى كونفرانس يعني مؤتمر كمان عن أي شي بيحبوه الكتّاب العربان مشان يجوا عالشام وياكلوا ويشربوا ويناموا بالأوتيل دعوني، ليش ما دعوني على فيروز وزياد؟!! يا ابني يا لقمان، الجماعة دعوك لأنو بدهم جمهور، يعني ليش عم تضرب حالك بحجر كبير، ما حدا دعاك لأنك مهم، ولا حدا شايفك من أصلك غير أنك مجرد نسَمة، وبهيك نشاطات بتعرف، بدهم نسَمة من عند الله ليعبُّوا الكراسي الفاضية، وبحفلات زياد ما في كراسي فاضية، بقى على شو زعلان؟! والله ماني زعلان ولا شي، بس أنا زعلان من صاحبي اللي دق على صدره، وماني زعلان منه لأنو وعدني وما وفى، لأ .. زعلان عليه لأنو يا حرام مرضان، قال لهلأ هو بالمشفى، صار معه ارتجاج بالصدر، من عزم الدقة"

١٦‏/٠٨‏/٢٠٠٨

هيثم حقي والسينما

خبر وسط زحام الأخبار، مفاده أنَّ هيثم حقي سيفتتح شركة سينمائية بهاليومين. وبهاليومين يعني أنو اليوم وبكرة الافتتاحين للشركة، اليوم حفلة، وبكرة عرض أفلام بسينما الشام. وعلى ذكر سينما الشام، فما في الشام غير سينما الشام، هذا إذا عرفنا أنو ما في بباقي المحافظات سينما الشام، بل وما في ولا سينما تانية، لأنو ما
فيك تقول عن سينمات البزر والكازوز والتلات أفلام بآن واحد سينما، ما فيك تقول عن السينمات ذات الكراسي غير المنجَّدة أنها سينما، ولا فيك تقول عن الأفلام اللي عم يعرضوها أنها أفلام، يعني بصراحة خربانة، وما حدا قاعد على تلتها غير المؤسسة العامة للسينما لتأكل ما فيه النصيب من اللوم والعتاب والنقد بشقيه البنَّاء والهدَّام، وكأنو مستقبل السينما معلق برقبة هذه المؤسسة الدرويشة التي تعمل على قد ما الله يعطيها وعلى قد ما ترصد لها الحكومة من ميزانية. أقل ما يمكن القول عنها أنها ضعيفة، وبالتالي لم نعد نسمع بالسينما إلا عن طريق الصراعات مع وضد المؤسسة، وكما تم حصر الاستيراد زمان، فإننا وبعد فكه بقينا حاصرينه بالمؤسسة، بل وحصرنا بسبب عدم وجود المبادرات همَّ السينما بالمؤسسة أيضاً، لكن ها هو هيثم حقي يقدّم مبادرة سينمائية، يعلن عن افتتاح شركة سينمائية، وهو يعرف أنو ما في سينمات لعرض أفلام هذه الشركة مع أن اسمها واقعي Reel filmes فإنَّ اقتحامها لمجال الإنتاج السينمائي في سورية يشبه الأحلام، وهي شركة يديرها هيثم حقي وتمولها قناة الأوربت، ومشروعها الأول هو إنتاج عشرة أفلام مناصفة بين سوري ومصري، وقد تمَّ إنتاج فيلمين منها، هما (بصرة) للمخرج المصري أحمد رشوان، و(التجلي) لهيثم حقي نفسه، وهناك على الطريق فيلم من إخراج حاتم علي وتأليف هيثم حقي. لكن من قال إنَّ للأحلام سقفاً، فمن كان يصدق أنَّ المشروع الذي قاده هيثم حقي في الدراما السورية سيصل إلى هذه الحدود، ومن كان يصدق أنَّ تلك الكاميرا التي نزلت إلى الشارع منهية حقبة طويلة من دراما الاستديو ومتسيدة للدراما العربية من دون منازع، لتكون الدراما السورية أهم مُنتج سوري على الإطلاق، وعلى كافة المستويات، الفني والتجاري والصناعي والسياحي والثقافي، وباتت لهجتنا السورية معروفة في كافة أنحاء العالم العربي. وهاهو هيثم حقي، الذي جاء إلى الدراما من حقل السينما، واستطاع أن يجعل الدراما التلفزيونية تتحدث بلغة السينما ونجح، يحاول مع السينما من جديد، لكنه يعرف أنَّ الطريق صعبة، وأنَّ شارع السينما في سورية لم يعد مزدحماً بالجمهور كما في السبعينات، وأنَّ المباركات الثقافية والمؤسساتية لهذا المشروع لن تكون موجودة، بل إن التحذيرات (المُحبّة) ستكون حاضرة أيضاً، مشان مصلحته، ويعرف أيضاً أنه عندما بدأ بمشروعه الدرامي واجه ذات اللعنات وذات النصائح، وكان المثقف وقتها يسدّ أنفه عند سماع كلمة دراما، ثم أصبح يتناقش بأمرها مع المثقفين العرب بفخر واعتزاز، وكأنه هو الذي اخترعها، وما وصلت الدراما السورية إلى درجات رقيها هذه إلا بفضل مبادرة هيثم حقي، الذي كان حصناً ثقافياً متيناً تستند إليه الدراما السورية في فورتها التسعينية، فهل يفعلها في السينما من جديد؟!.. قلبي يحدثني بأنه سينجح"

١٤‏/٠٨‏/٢٠٠٨

في خريف أبدي

أيتها الأعماق البائسة
أيتها القشور البرَّاقة الضاحكة
في خريف أبدي

تسقط أوراقي الصفراء
فيدوسها الآخرون بلا اكتراث
آه أيتها الأعماق البائسة
التي تئنُّ تحت قشور برَّاقة ضاحكة
***********************

وحدي أمام نافذة
لا مشهد خلفها
البيت كئيب
والجدران مملَّة
وحدي أعضّ ضجري ووحشتي
مهمَلاً
خرجتْ امرأتي
وتركتني في البيت وحيداً كامرأة

**********************

سأترككَ وحدك
مع هذه الشمعة
وهذه الكأس
مع خطاياك يا روحي الصفراء
رأيتكَ من بعيد
وكنت لا أستطيع إلا أن أراك
الألم ثقيل على قلبي
والحب أيضاً

********************

أنسى شعركَ الأسود
لأن سواك بشعر غير أسود
أتركك في بلادٍ بعيدة
غريباً ومستوحشاً
تربكني رسائلك وخطُّك الركيك
يربكني الطابع الغريب على الظرف
لا تكتب شيئاً أرجوك
ولا ترسل كلاماً على شفاه عابرة
فأنا لم أعد أحبك
ولم أعد أذكر منك سوى مزاياك الحسنة
كما لو أنك ميت

************************

لا تفعل شيئاً من أجلي
فأنا مجرد شخص منسي وموحش
مثل وردة في مزهرية جفّ عليها الماء
مثل خشب في باب بيت مهجور
مثل ريح تهبّ وحيدةً في صحراء

***********************

أمشي في الشارع وحيداً
أردُ على التحيات العابرة
هناك من يقبّلني
ثم يشتمني بعد أن أمضي
وهناك من يعرّفني على صديقته
ثم يقول لها: أفاق، موهوب وسافل
هناك من يغيِّر طريقه كي لا يراني
وهناك من يبذل جهداً
كي يلحق بي
أو يناديني بصوتٍ مرتفع
ولكنني أكون قد ضعتُ في زحام البهائم
تسحل خلفي سمعتي السيئة
مكشوفة مثل مخبرٍ رديء

**********************
أكرهكَ
لأنني وحشتكَ الباقية هنا
والأنين ا لمكتوم على مضيكَ
أكرهكَ
لأنني مجرد شخصٍ يذكِّرُ الآخرين بكِ

****************************

لا تكن شيئاً لأجلي أرجوك
دعني وراء هذا الجدار
ولا تكسر هذه الوحشة
فالهواء الذي مرَ لم يحرك شعري
وأعدائي انهمكوا باقتسام الغنيمة
وتجاهلوا محاربتي

********************

مضى الآخرون
كما يحدث دائماً
دون أن يتركوا ورقةً على الباب
أو كلمة عند شخص ما
مضى الآخرون وتركوني
وحيداً وجميلاً
مثل أمير حزين

**************************

ما الفائدة إذن
من هذه القصيدة
إذا لم تقرأيها بخط يدي
ولم تتساءلي لماذا حذفت هذه الكلمة
وبدّلتها بأخرى
إذا لم تمنحيها دفء أصابعكِ
وحنان نظرتكِ الدائم
ما الفائدة إذا قرأتها هكذا
كما يقرأها الآخرون
على صفحات جريدةٍ أو كتاب..؟"

١٣‏/٠٨‏/٢٠٠٨

الديك الحمار

لا تسألني لماذا هو متغطرس إلى هذه الدرجة، ولا تسألني ليش شايف حالو هالتافه وعلى شو، ولا تسألني ولا تسألني عن أوضاع الديك، لأن للديك ضرورات، خاصة بوجود الدجاجات، فتراه يستمد الغطرسة من شدة إقبالهن عليه، ومن شدة دعمهن له، ومن شدة لحاقهن به واللهاث للظفر بساعة بقرب الحبيب، أو دقيقة لا فرق. أما !!.
شوفة الحال فقد استمدها ديكنا الحبيب، حبيب نسواننا مو حبيبنا، من حاجة صاحب المعلف إليه، لأنه يدر له البيض درّاً -لله درَّهُ- فهو تقريباً في المعلف شريك، فإذا كان صاحب المعلف رضيان عليه، وعم بيفوت له هديك الحسبة من البيض، وما أدراك ما البيض، شي بيتاكل عالماشي، وشي بيفقس جاج مكسيكي وجيكن آلا كييف، وكله جاهز للأكل معلم، وإذا كانت الدجاجات به رضيانات، وعليه فهمانات، ولظروفه مقدرات، وبجماله معجبات، ولإشاراته مستجيبات، فما الذي يجعل من رأينا له قيمة نحن الرجال؟!!
ولك العمى صاروا نسواننا بكل وقاحة وبوجودنا الكريم يولولن على جماليات مهند، وعلى رجوليات يحيى، وعلى جكليات تامر، وصرنا متل الكومبارس بهالبيت، لا صوت لنا بل ولا صورة، لك فهمنا أنو ما بنقدر نفتح تمنا ونحكي لما بيكونوا الجماعة إياهم منورين الشاشات، بس شلون بقدرة قادر انقامت صورنا من صدور بيوتنا وانحط محلها صورهم، يعني معقولة كلما أجي بدي نام أقفل نهاري على صورة مهند وهو وعم يرمقني بنظرته السحرية.. ويرمق مرتي طبعاً معاتباً إياها لأنها مفوتة واحد غريب على غرفة نومها، يعني طلعت بالأخير أنا الغريب... ووين؟!.. بغرفتي الشخصية!!!!! إي هزُلَتْ أبو شريك.
بس يا أبو شريك طوِّل بالك شوي، المسألة مسألة صبابة وإعجاب، مو أكتر، يعني متل ما نحنا الرجال بنفتح تمنا وبنرتخي عيني عينك كلما طلعت هيفا ونانسي، شو رح يطلع لنا أكتر من هيك، احسبها، صبابة مو هيك؟!
على عيني صبابة.. بس أنا ما علقت صور نانسي بغرفتي ولا حطيت لقطات لهيفا على مكتبي، بس ما بنكر أنو عامل لهن فايل مرتب على موبايلي البلاك بيري اللي ما في منه غير بأميركا وعندي، يعني بقعد أيا بتفرج عليهن لحالي، حلوة السترة يا أبو شريك، بعدين معروف أنو الرجّال بيقدِّر الجمال.
ما بعرف يا أبو شريك شو بدي قلَّكْ، أنت بنفسك عم تعترف، بس مشكلتك أنك بتغار من الديك، وكمان مرتك بتغار من الجاجة النغنوشة، وأنت بتعرف أنو ما في داعي للغيرة من الجاجة، لأنها بس توقف عن البيض رح يدبحوها، وعالأسياخ رح يدوروها، ورح يعملوا منها مخدات بعد ما ينتفوها، ورح يقلوها ورح يشووها ورح يسلقوها ويذوِّقوها بعد دبحها شتى أنواع العذاب، وبعد ذلك بلا ملح بياكلوها. أما حبيبنا الديك، المتنقزع والمتبرفن والمتشيك، واللي كل ريشة من ريشاته بجهة، ولكل وحدة منها لون، فرح تخلص مدته، ورح يدبحوه، ورح يضل عم يركض بلا راس شي خمس دقايق وهو مو مصدق أنو صاحب المعلف اللي كان يدلـله فيه ويشبرقه وينغنشه ويكشكشه وينشنشه هلأ عم يدبحه!! يا إلهي، ما زال الديك إلى الآن مندهشاً من دبحه على يد صاحبه.. ما زال!!.
هادا مو ديك. هادا حمار"

١٢‏/٠٨‏/٢٠٠٨

التسكيتة

شيء ما ينقّ نقاً في رأسك، في جسدك، في روحك، في مخك، وعليك أن تُسكته لأنك مشغول بأمر أهم، كأن تكون في غمرة عملك وذروة أشغالك وينقّ بطنكَ الحبيب عليك، فتسكته بسندويشة عالماشي كما يفعل المشغولون عادةً، لا يمكنكَ أن تفرد لبطنك مائدة عامرة، لا يمكنكَ أن تخلق جواً احتفالياً وطقسياً، فأنت الآن مشغول،

ويحدث أن تتابع عملك، فتنقّ حبيبة الروح والقلب المجروح على سماك، وتطلب منكَ الحضور فوراً، ولكنكَ لا تستطيع الحضور حقاً، فتُسكتها برسالة حب على الموبايل، فإذا لم تسكت ولم تمش عليها 'النصبة' فستضطر إلى إسكاتها بوعد بهدية أو مشوار، فإذا لم تسكت فربما تسكتها بأحب شيء على قلب الفتاة عندنا؛ ألا وهو الوعد بالزواج، فإذا لم تسكت فإنك، مضطراً وآسفاً، ستتزوجها!!
تُسكت الجرح بالبن أو بالخياطة أو بالكيّ على اعتبار أنه آخر العلاج، وتُسكت صراخ الطفل الببو بالحليب، فما إن يرى الببو بيبرونة أمه التي تخرجها من تحت ثيابها في منطقة الصدر حتى يبتهج ويطبق بشفاهه الجميلة ويغرف ما تيسر من علوم الحليب، مُصدراً أصوات التلذذ المحببة، ولا يبتهج الاطفال فقط ويسكتون في حضرة البيبرونة، بل ويسكت الكبار أيضاً ويفغرون الأفواه، لكن للكبار شؤونا مختلفة عن الأطفال، فهم طماعون، فالببو يحب البيبرونة المفردة، بينما الكبار يحبونها بصيغة المثنى، ربما لأنهم شاطرون أكثر بالإعراب!!
تُسكت المعلم بكذبة، تقول له إن جدك مات للمرة العاشرة، فإذا لم تُسكته كذبتك، وكشف أمرك، وراجع سجل أحوالك المدنية، وعرف كم مرة قتلتَ جدك كي تنجو من الصفعة.. صفعَكْ، وتُسكت زوجتك باللحمة والرز، فإذا لم تسكت تُسكتها بسيران عائلي مميز، وإذا لم تسكت تُسكتها بسهرة حب منفردة ورومانسية كما في أيام زمان، فإذا لم تسكت كان القشاط هو الحل الوحيد، وإذا لم تسكت وهي تحت القصف طلّقها، تُسكتين زوجك بأناقتك وحلاوتكِ وجمالكِ، فإذا لم يسكت وبقيت عينه جوعانة تُسكتينه بالطعام، وتخترعين له أطيب ما يمكن من فنون الطبخ، فإذا لم يسكت بتسلّمي أمرك لله وبتقضي حياتك طبخ ونفخ وتربية أولاد، يعني أنتِ اللي بتسكتي، فإذا لم تسكتي ولم يسكت فعليكِ بالحبيب البغيض الطلاق.
تُسكت الكلاب بعظمة، فإذا لم تسكت تُسكتها برفسة، فإذا عضّت تُسكتها بالعصا، فإذا لم تسكت تضطر إلى أن تتركها وتكمل المسير، تُسكت الجمهور بخبر عاجل، تُسكت الجمهور المعادي بهدف في مرمى فريقه، تُسكت كارهي الجَمال بأجمل ما عندك، تُسكت القلب بالأحلام، لأن تسكيتة القلب غير متوفرة حالياً إلا بالأحلام. عالنوم شباب.."

محمود درويش والناس

مات محمود درويش، لا لم يمت محمود درويش، إنه في العناية المشددة، بين تأكيد الخبرفي قناة الجزيرة ونفيه في قناة العربية لأكثر من ساعة إيحاء بأن موت الشاعر كان يحقق رغبة بحدث جلل وشهيد فلسطيني جديد، وبين رغبة في أن يبقى الشاعر ويبقى المثقف ويبقى الرمز على قيد الحياة، ربما لم تتقصد القناتان ذلك، فهما مجرد وسيلتين إعلاميتين تبحثان عن الحقيقة والسبق،

فالحقيقة ضرورية للإعلام، والسبق ضروري أيضاً، فكان السبقُ.. سبقاً تشاركت به وكالات الأنباء جميعاً، بما فيها الجزيرة والعربية، لكن من أين أتت الأخبار؛ من غرف العمليات من الأطباء، طبيب يريده أن يموت لأنه الرمز الوحيد الباقي على قيد الحياة، وهذا الطبيب ينقسم إلى قسمين، قسم فلسطيني جديد يريد أن تنتهي الرموز القديمة إلى الأبد، وقسم فلسطيني جديد أيضاً يحتاج إلى حدث كي يتنبه المقاتلون الفلسطينيون إلى ما حدث!..
أما الطبيب الآخر، فيريد للرمز أن يعيش، أن يكمل ما بدأ، فالساحة أضحت خاوية من الكبار، و'يلّي ضرب ضرب ويلّي هرب هرب، بس المشكلة ما حدا عم يهرب، والمشكلة أنو الكل عم يضرب'، وما بين المشكلتين، كان لابد للرمز أن يقول كلمته، ولأن محمود درويش لم يقل كلمته، تعبت روحه قليلاً، وتعبت الأوردة مثلما تعبت قبلها الشرايين، ولأن الشاعر لم يجد ما يكتبه بهذا الصدد، فقد قال كلمته الأخيرة على مضض، مدددد......مدد..
ولقد قال لي صديقي الشاعر الشاب أحمد قصار والذي يحظى بعائلة كبيرة من الأشقاء غير المهتمين بالثقافة، إنهم صمتوا في البيت للمرة الأولى من أجل شقيقهم الشاعر الحزين بسبب رحيل الشاعر، وقد قالت لنا الأخبار، إن الإخوة نظروا إلى الشاعر نظرة التعاطف، بل وحاولوا أن يظهروا الاهتمام، ثم إنهم بدأوا فعلاً بالاهتمام وصاروا ينقلون إليه آخر الأخبار، حتى أن أمه اللطيفة فتحت الباب على الشاعر الصغير النائم، ومضت نحو سريره، لم تكن معتادة أن توقظه قبل الأوان، إلا لأمر هام وهي الأميّة العجوز، نقرته بلطف حتى فتح عينيه، نظرت إلى عينيه بأسف لأنها أيقظته، وبنبرة خطرة.. أخبرته، وقالت وهي تنقل الخبر العاجل بوضوح تام: ' بتعرف يامو شو قال محمود درويش قبل ما يموت؟!.. قال: 'دعوني أنام بسلام..'
فهل تعب الشعراء، هل ولّى زمن الشاعر، هل لم تعد هناك قيمة للمشاعر، هل أصبح الأمر كله حسابا بحساب، هل أضحت الحياة بالأرقام، هل اختفت من حياتنا لغة الشعر وصوت الموسيقا وريشة الفنان، هل أصبحنا بدائيين إلى هذه الدرجة، هل لم يعد هناك حقا للأناقة والجمال وللحق، وللحرية وللعقل، مكان؟! هل أصبح صوت الرصاص أقوى؟.. هل استعرنا من التطور البشري تكنولوجيا الدمار هل نسينا القضية؟! هل أصبحت موضة الثورة قديمة، هل أصبحت حياتنا أمرا واقعا، حتى رضينا بها ولم نرض بمن معنا في المواجع.. هل بدَّلنا المواقع حتى أصبح الشاعر يريد أن ينسحب من الحياة؟!"

١٠‏/٠٨‏/٢٠٠٨

رسالة بالحبر الصيني


"هنا بكين.. هنا سور الصين العظيم، هنا العملاق الصيني، هنا الإمبراطورية الاشتراكية التي لم تسقط أمام الكوكا كولا والجينز والجاز وهوليوود وماكدونالدز وغيره وغيره وغيره من أمريكا وما أدراك ما أمريكا، ففي الوقت الذي اعتقد فيه العالم أجمع أن لا قوة في العالم إلا أمريكا جاء افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين ليقول غير هذا. حفل الافتتاح الذي لم يكن مجرد حفل افتتاح، كان فكرة، كان رسالة للعالم أجمع كتبها الصينيون، وبالحبر الصيني (نحن هنا)، ومن هنا استعرض الصينيون رسالتهم التي قرأها العالم أجمع، لكن أكثر من تمعن في قراءتها بالتأكيد كانت أمريكا،

ففي الوقت الذي دندن بوش بنغمة حقوق الإنسان وما حقوق الإنسان على الأراضي التايلاندية قبل يوم من الافتتاح كان همُّ الصينيين أن يطلقوا نيران الاحتفال ويضيئوا شعلة الأولمبياد والسلام، ليكون حفل الافتتاح رسالة لا تتضمن ردوداً فحسب فللإنسان حقّ بالعيش الكريم والحرّ حتى لو في الصين، وإنما تضمّنت إثباتات للعالم أن الصين عملاق موجود حقاً، أنه التنين الواقعي رغم أسطوريته، وأنهم شعب عملي ولو حملتهم أجنحة مخيلتهم، لقد طار الصينيون بالعالم كله إلى ملعب(عش الطير) الأخاذ، وقدموا من الفنون الحركية والبصرية ما يشبه الإعجاز، وقالوا لهوليوود إنهم أبرع، وانطقوا كونفوشيوس بالحكمة من جديد، وقالوا إنهم بجبروتهم وإبداعهم ودأبهم وحضارتهم الموغلة في التاريخ يأتون تحت شعار (عالم واحد حلم واحد)، وكأن في هذا دعوة للأمريكان كي يجلسوا إلى موائد السلام، وكأن للدعوة توجهات إلى العالم أجمع كي يلتف حول هذا المارد الصامت المتواضع والمحب، فالأوربيون سيجدون في التواصل مع الصين الكثير الكثير من الفوائد، والأستراليون سيجدون هذا أيضاً، أما الأمريكيون اللاتينيون فلا شك في أنهم سيسحرون بهذا الأمبراطور الجدي والطيب والساحر، وسيجد الأفارقة ملاذاً لهم في الشرق الآسيوي العظيم، أما جماعتنا فهم يعرفون منذ زمن أن الصين كانت وما زالت صديقاً جيداً للشعوب المقهورة، وكلنا نعرف مواقف الصين في العراق وفي فلسطين. لكنّ الغريب أنَّ كلّ هذه الإنجازات التي تمت في يوم واحد هو حفل الافتتاح، عندما فغر جورج بوش فاه وهو على المدرجات محيياً وفد الأمريكان المرح واللطيف، وكيف لا يكونون كذلك فهم من أبناء الشعب الأمريكي الذي يقولون إنه من أطيب الشعوب على وجه الأرض وألطفها، كل الوفود كانت مبتهجة فالحفل كان دعوة للبهجة، تلك الألوان والرسوم التي استعرضتها خيالات الصينيين البصرية المجنحة وحولتها إلى واقع ملموس، لقد لامس الصينيون كل إنسان في العالم عبر هذا العرض الفاتن، فأدهشوا أطفال العالم أمام الشاشات وأدهشوا العجائز، وأدهشوا النساء المندهشات بنور ويحيى ومهند ولميس وأدهشوا مهند شخصياً كما قالت لي زميلتي آلاء عامر التي شاهدته في حفلة عمرو دياب، لكن لم يكن إدهاشاً فحسب، كان أكبر من ذلك بكثير، كانت مفاجأة الإنسان، أن يقول كل هذه الأشياء وأن يفرض كل هذا الاحترام عبر الفن، بالفن يستطيع الإنسان أن يفرض وجوده بين الأمم، وبالفن يستطيع الإنسان أن يكون لامعاً بين الأنام، وبالفن أيضاً يستطيع الإنسان أن يقول لأخيه الإنسان إنه يحبه، وبالفن أيضاً يستطيع أن يقول للأشرار أنه قوي، فليس بالدبابات والمدافع والطائرات يسمو الإنسان"

عندما يموت الشاعر


"عندما يموت الشاعر تصبح الصفحات الثقافية أحلى، كيف لا، وقد أصبحت خاصة به ليوم أو يومين أوثلاثة.
وسيفرح القراء لأنَّ الصفحات المملة صارت ممتعة أكثر، ولكنهم سيحزنون أيضاً، لأنَّ الشاعر مات، مات محمود درويش شاعر الأمة، مات شاعر فلسطين، مات في زمن


النفط والدولار، وما تيسّر في حضرة طويل العمر من ترديده من شعر الشُعَّار، مات في زمن أمير الشعراء، الذي يجلس في حضن طويل العمر، مات في زمن أصبحت الطرقات غير سالكة فيه بسبب تراكم (الشعراء)، ويا حسرتي على الشعر الذي تبهدل وتشرشح على أيدي ردَّاحي هذا الزمان، وتمرمط على أيدي كل من ابتسمت له فتاة، فنشر لخاطر عينيها ألف ديوان وديوان، مات أمير الشعر محمود درويش تحت أجهزة الإنعاش، وشعبه يموت بيد أجهزة العدوان وأجهزة الشقاق، مات في زمن لم يستطع أن يقول فيه كلمته وسط أزيز الرصاص الفلسطيني الفلسطيني، فكان الموت كلمته الأخيرة، وكان الغياب ورقته الأخيرة، وكان الرحيل آخر شؤونه، وكان العالم الآخر مجهولاً جديداً يدخل فيه بكامل أناقته.

مات محمود درويش أنيقاً، أوصى بألا يحاولوا مع قلبه المتعب إذا ما توقف، وأوصى بأن يمنحوه الموت الكريم كما عاش حياته بكرامة، مات بكامل حبره، مات شاعراً، لم تخنه في يوم الكلمات، لم يبحث في يوم عن الكلمات، مات سيداً، فيا سيد الكلمات، ستقوم لذكراك المناسبات، وستفرد لرحلتك الأخيرة الصفحات، وسيهبّ مقلدوك ومستنسخوك ويملؤون الأوراق بحبرهم المسروق من حبرك، وسيتحدثون في غيابك عنك لأول مرة كأصدقاء، وسيتحدث حاسدوك عنك في المجالس، وسيخترع عديمو الموهبة معك الذكريات، فيا سيد الكلمات، ويا سيد الكلمات، ستبكيك الكلمات، وستبكيك سيدة أشعارك، سيدة قلبك، فلسطين، وسيبكيك شاعر شاب يعيش في ركن ما بعيد، وسيردّد الصدى قصائدك، بصوتك الأخّاذ، ونبرتك الساحرة، وبكل ما في وقفتك المتعَبة من كبرياء.

رحلت يا أمير الشعراء، لم يكن عمرك طويلاً، كي نناديك بطويل العمر، ولم تكن من ذوي الحسب والنسب كي نناديك بما تيسر من الألقاب، لكنك كنت شاعراً بل وأميراً للشعر، فناديناك يا أمير الشعر، وكنت عاشقاً من فلسطين، فبكتك كما بكيناك فلسطين.
وداعاً أستاذ محمود."

٠٩‏/٠٨‏/٢٠٠٨

إمبراطورية الحجل


"إذا احتكمتُ للبياض الأول
قلتُ كيف الهواء الباقي
لقد سقطت جحورنا في الجبال
أغمدتُ صوتي -إن الفم غمد مستحيل-
هيأتُ ما تبعثر من هواء وأضرمته بالأجنحة
ستبدأ المهزلة وعلى الحجل السلام
من يذكر قامات الصيادين وهي تستحلفني ألا أسرد
ها قد تبللت بالمطر الذي لم يهطل بعد
ها قد اكتشفت علوِّي

*******************************
وبعد، أما آن، كل الذين سبقوك إلى الفخ ساقوك إليه، كنت تعدها حفرة حفرةً وتسقط وعند آخر الحفر تُردَمُ، أنت الرفرفة القصيرة، يريبك الدجاج والبيض الآمن، لا ذبح في كواليسك ولا ألفة تغريك بالسياج.
إنك الحياد العالي، لم تبنِ أعشاشك كيلا تتهدَّمَ، فتحتَ أجنحتك على عشائر ومفاوضات، لو أصلكَ بغير هذه الريح، لو أدور حولك ولا تنتفض، هل ينتقيني المكان حليفاً للريش وسارداً وحيداً للفضاء؟!..
باللهاث الساخن اقرأْ، بالجناح القصير أو رفرف حتى الأزل، ارتفعْ.. إلى بداية الريح، لقد أشعلت المساء باللون الشبيه وأشعلتنا، رفرف إلى الحنين العالي، إلى الهواء الذي يشمك فأنت ربيب السفوح الآن، ليمتزج بريشك الهواء، إنَّ الظلال التي لا تشبهك لا تطير.
رفرف واحذر الأرض
إن الحجل على أشكالنا يقعُ
****************************
حجل بداية القصيدة ينبئ بالأجنحة
وعلى مشارف اللغة يمتزج بالريش
حجل تحت أعمارنا يهيئ للجبال قفزتها وبين أشجار السفوح حجلْ
-تقف أنت مكتظاً بصيادين أخفقوا فيك-
إنك البسملة الأخيرة لسورتنا التي لا تبدأ
الرئة الثقيلة خلف لهاثنا
تستبيح السفوح موطئاً لفخاخ الصيادين
بحكمة الصياد المترف تبدأ المهزلة
حجلٌ إلى الفخ يستدرج حجلْ
***************************************
كان الهواء طازجاً لم تعكره الأجنحة، قلنا بريشة تبدأ القصيدة وتنتهي بدم، من يصفق للأرض يَطِرْ عنها، ومن يلوذ بريشه يَذق الهواءْ، لقد غدت القصيدة في الفضاءْ.
من علَّمنا لغة الزغب والدحرجة المهدورة للجبل الوحيد، صحنا يا لهاثنا المطوي على جنازات راكضة، هل ستردم المساء بوقتك الخاسر، ها قد أغمضنا عليك وفتحنا جناحنا الباقي للفضاءْ، إنك تشعل الصيادين الآن، وننتظر خلف لهاث صدئ، لا رمح يسدّ جرحاً عتيقاً ولا شعوب تنتظر حريقها المعتاد، فلنحتكم، بأيّ لون يريد البشر وليتلون الهواء، لتكن ما أسرفنا فيه.. أمبراطوراً للسفوح وأميراً يتهادي تحت ريشه.
أهدرت منقارك بالديدان، واحترت بين أقدامك والأجنحة، مشية مريبة لطيور تهادن الأرض.
ملك تحت أوراقنا، رأوك غريباً فهربوا إلى مكانٍ يجهلون.
اتخذك شخوصي كلاماً لهم وأنتَ راقد منذ البيوض الأولى مكللاً بدهشة من رآك، تخرج القرى، والتين اليابس وحليب الفجر منك، ثم يغمدونك في الفراغ -عار من الغمد أنت-
هذه مملكة التين، تحولات العنب إلى زبيب، إمبراطورية الحليب الباكر، منذ حجل تمطى على السفح وأعلن الريش بأجنحة قصيرة، خرجت العربات معلنة توبة الماعز ونقار الخشب بجياد من علف وصهيل، والحدادون استغرقوا بأكوارهم شعوباً زائلة، والملوك يبدؤون بالصولجانات ولا ينتهون، والملوك ينامون على وسائد لا تنشق عن ريش، ثم يسمُّون الحكايا الشعبية سوداء ويقلونها حتى تحترق، قاماتنا تلتفتُ إليك وتندبك، لم يكن جناحك طويلاً كي تمزق الهواء، لم يكن لمدارجك الأمان لتضع بيضك دون أن تنقره، لم تكن لأجناسك ضراوة براريك فدهشت لدجاج البيوت وضحكت كثيراً من الديكة الشبقة، لم يكن لك أن تثبت على الجناح أو القدم ففرَّ منك الفضاء والأرض لم تلامسك، فلتكن لهوائك سطوة الزغب ودخان البيوت."

فتت لعبت كمان


"فتِّتْ لعبِتْ.. مصطلح يستخدمه أشاوس ورق اللعب أو الشدِّة كما يقولون لها في دمشق، أو السكنبيل والسكنجفة في حلب، أو القلاماجا في الجزيرة، وهو مصطلح يعني أنَّ اللعبة بلا شروط إضافية أو ضمانات خاصة بعد انطلاقها، لكن هذا المصطلح لا يسري على حياة لاعبي الشدة في بلادنا فقط، بل ويسري على كلِّ العباد، وذلك لأنو كل الشعب عنَّا حرِّيف شدَّة منذ نعومة الأظفار، فإذا تفحَّص فاحص من الغرب الغريب عقودنا التي نبني عليها أعمالنا المشتركة لوجد أنها تمشي تحت نظام فتتْ لعبتْ كمان،

فالموظف في أيِّ شركة عندنا لا يعرف إذا ما كان سينبلج الصباح ـ حلوة ينبلج ما هيك ـ وهو ما زال على رأس عمله، في أيِّ لحظة ممكن تطير، قطاع خاص قطاع عام نو بروبليم، ما في فرق، المبدأ واحد طار يطير طيراناً، لكن طيران عن طيران بيفرق، فالطائر من القطاع الخاص ينكفئ في منزله ويختفي كي يلعق جراحه، فلقد كان البارحة مديراً على شركة ومتحكماً بشؤون العباد، البارحة كان المتملقون والمنافقون ملتفين حوله، البارحة كانت التليفونات عم بترن، والحسناوات عم يلتمنَّ حواليه على مبدأ والتمنّْ الحلوات من كل بيت حلوة التمنّْ كما يقول المطرب العراقي الدكتور فاضل عواد، والبارحة كان في عشاء مع فلان، وعشاء تاني بعد العشاء مع بطيحان، واليوم هو في البيت سهران، وأمام زوجته اللي ما كان عم يشوف خلقتها هديان، والتليفون لا يرن إلا للعزاء، أو للاستفسار، أو للتأكد، أو للشماتة المبطَّنة، اليوم هو وحيد، وما فيه يطلع لبرة ليشوف الناس لأنو ما لو وش يشوف الناس، على اعتبار أنو عمايله أيام ما كان سيد الأسياد مو كتير بترفع الراس، واليوم سيبدأ رحلة جديدة من الانكفاء والترميم بمساعدة زوجته التي تذكَّرها الآن، بينما سيجلس طائر القطاع العام في بيته اللي مو لابق له بكل الأحوال، ذلك البيت الذي تراه مبهبطاً وواسعاً على صاحبه، وبرعاية زوجته التي سمنت قليلاً منذ أن استلم منصبه، وبرفقة الخادمات السريلانكيات الأندونيسيات الفليبينيات لا فرق، وذلك الشخص الرائع صاحب الشعبية عند المدام.. الشوفير، والذي كان يقوم بكل المهام الاجتماعية للسيد الطائر، من زيارات خيرية، واجتماعات عائلية، وحل مشاكل فورية، وإلخ مما يقوم به عوضاً عن السيد من مهام، وينتظر الطائر الحبيب، الذي صار الآن طائراً حبيساً، بدَّلوا له حرفاً في الكلمة فطار، وينتظر إلى أن يأتي فرزه الجديد .
فإذا ما وقَّعت عقداً على طريقة فتتْ لعبتْ فاعمل بما يرضي ضميرك ويرضي الناس، واعمل كأنك وصي على الخلاص، وابذل الجهد واتبع طريق القلب ولا تنس الراسْ، فإذا طرتَ، فلن تصب سوى بالإقياء، وتمشي بين الجموع مرفوع الراس، فيسألونك لماذا طرتَ وهم يعرفون، وتجيبهم إذا اضطرَّك الأمر بأنك طرتَ لأنكَ كلمتكَ قلتَ."

٠٧‏/٠٨‏/٢٠٠٨

الناعوسة والناموسة


"وداهمتني الناعوسة، فهرعتُ إلى سريري مسروراً، وكيف لا أكون مسروراً، فأنا سأنام الآن، سوف أرتاح وأريِّح، على اعتبار أن نوم الظالم عبادة، لكن حسابات البيدر لم تنطبق على حسابات السوق، ففي تلك اللحظات كانت هناك ناموسة تحلِّق في أجواء غرفتي، وما أن حطّ جسدي على مدرج السرير كي ينام حتى حطت الناموسة المحلّقة في الأجواء على مدارج جسدي، ومع الوخزة الأولى طارت الناعوسة من مدارجنا،

وبدأنا بتعقيم مكان الوخزة بواسطة الفعل الحراري اللاإرادي والذي نسميه الحك، وبدأنا نحك، وبعد أن انتهينا من تعقيم مكان الوخزة بالحك حتى كانت الناموسة تحط في قرنة أخرى من جسدنا الحبيب وتضرب بقوة فيه لنعود ونحك على أساس أنها مجرد ضربة ضربتين وانتهت الأفلام لتبدأ بعدها الأحلام، لكن الناموسة أبت أن تحل عن جسدنا وضربتنا ضربة ثالثة موجعة في مكان صعب ومؤثر انشغلت يدنا فيه لدقيقة كاملة كي تصل إليه، وبدأ الفيلم يا شباب، الناموسة تضرب ونحن نحك، ثم بدأنا نضرب بدورنا على الناموسة كي نسحقها، لكن هيهات، فالضربات كانت تنزل على جسدنا كالمهدّات، وتحت رأسنا قلقت المخدّات، ومن رأسنا وجسمنا طارت الناعوسة، واحتلت مكانها الناموسة، وجلستُ أترقب العدو الغاشم، ودهنتُ جسمي بكل أنواع المراهم، السامة منها والمخدرة، القاتلة والمدمرة، المطفِّشة والمُدهورة، لكن هيهات يا فلان، فالناموسة لم تمت، ولم تطفش، ولم تتدهور، ولم تتدمر، فجلستُ بكامل حواسي ساهراً على أحوال الأمة أكثر من كاظم، وأنا أحك وأحك حتى ظننتُ نفسي جرباناً، بعد أن كنت أعتقدني فهماناً، وما بين الفهمان والجربان فرق شاسع، بل إنني ظللتُ أحك وأحك حتى جاءني دور في مسلسل بدوي، ولكنني رفضتُ الدور وتابعت الخور، وأشعلتُ الأنوار، وبحثتُ عن الناموسة في الأجواء، ولكن هيهات يا صاح، فالناموسة صغيرة، ومموهة، ومن الصعب أن تراها، لكن ليس من الصعب أن تتكيف معها، كأنك تقرصك وتنام، أن توخزك وتشخر، يعني أن تتمتع بقلة الإحساس، وتستيقظ في الصباح لتجد جسمك وقد صار أحمر، ومخك صار أحمرين، وتاكل وتنعس وتعود إلى النوم، وتهش بذيلك الناعم على الناموس المهاجم، وتنام نوم الحمير، وترى في أحلامك أنك أمير، ويا سمو الأمير هات سمّعنا هالأشعار، ويا حضرة الساهرين قولوا يا عين، على هذا الشعر الزين.
ثم اخترعوا لك قاتلات الناموس، من لمبات زرقاء، وبخاخات باف باف باف، ووضعوا على سريرك حصناً منيعاً سموه بالناموسية كي يطردوا الناموس من حياتك، فنمتَ قرير الذيل، وأغمضتَ العينتين، وريَّحتَ وارتحت، على اعتبار أنو نوم الحمير يسعد الشعير، ونوم البعير يسعد النوق العصافير، وأنو أهم شي أنو الكونديشن شغال، والعباد عم تنشوى شوي تحت شمس آب اللهّاب، ودهنوك بالدراهم، لأنك بتحبها أكثر من المراهم، وهاهو الناموس قادم، كي يوقظك، ومن غرقك ينقذك، لكن هيهات يا صاح، راحت علينا وراحت عليك، والناموس ما عاد ألو خبزة بمخدعك، حتى أنو مل منك وطار، وحط بغير مطار، فالزمن زمن النوم، ولو .. ما النوم سلطان، شنو رأيك بهالقصيد، زين .. ما قصرت.. انفحوه مئة ألف دينار .. انفحوه!!."

٠٦‏/٠٨‏/٢٠٠٨

حب بدون الـ


"لا ليس حباً...
ربما مجرد إعجاب، ربما مجرد تعاطف، ربما مجرد إلهام، ربما إستلهام، ربما مجرد ركام.
لا ليس حباً...
ربما مجرد استجداء، ربما إملاء، ربما شراكة، ربما تعاون، ربما مجرد كلام.
ربما مجرد ارتعاش، ربما حالة اندهاش، ربما إشارة تعجب، ربما مجرد استفهام.
ربما قراءة، ربما كتابة، ربما مجرد مسرحية، ربما أفلام، ربما مجرد أحلامْ.

لا ليس حباً..
ربما رغبة، ربما صداقة، ربما محبة، ربما أخوة، ربما أبوة، ربما بنوة، ربما أمومة، ربما أي كلامْ.
ربما تشبه بماضٍ، ربما حنين، ربما استرجاع.
ربما احتجاج، ربما مجرد هوى، ربما أكل هوى.
ربما مجرد استنتاج، ربما اشتهاء، ربما مجرد اشتياق.
ربما إثبات للآخر، ربما إثبات للذات.
ربما فترة استجمام، ربما سياحة، ربما بياخة.
لا ليس حباً..
ربما محاولة اقتحام.
لا ليس حباً..
ربما محاولة طيران، ربما محاولة تهدئة، ربما مخدر، ربما قصة تسمعها قبل أن تنام.
لا ليس حباً..
ربما مجرد عواطف، ربما حالة استسلام، ربما مجرد أوهامْ.
لا ليس حباً..
ربما يكون شيئاً من تلك الأشياء.
لا ليس حباً..
الحبُّ هو كلُّ تلك الأشياء."

٠٥‏/٠٨‏/٢٠٠٨

عاش الماضي يعيش يعيش


"تتعالى الأصوات عندنا في كلّ مناسبة من أجل تكريم فلان وإجلال فلتان وتعميم فليتان، فترى الصحفيين يصرخون وقد بحت أصواتهم بأن لا ننسى أبا محمود ملك المسرح قبل عشرين عام، وترى الكتّاب يكتبون وقد جفت أقلامهم بأن نتذكر أبا دياب ملك العتابا وزميله أبا دعّاس ملك الربابا. ومن المعروف أن معظم المطالبين بالتكريمات والتشريفات لمن مات يطالبون بذات الوقت بتجريم كل من عليه الضو في هذه الأوقات،

وبتحريم كل ما من شأنه أن يجذب الناس ويلهيهم عن تذكر فلان وفليتان وفلتان والتسبيح بشكرهم على ما قدموه لنا من أيقونات وجواهر وألماسات، ويخطر في بالي كيف كانت المؤسسات عندنا تكرِّم كبار المبدعين عندنا بالسن طبعاً جماعات جماعات، فترى المكرَّمين يصعدون واحداً واحداً ليتسلموا الجلاء من المدير العام وكأنهم تلاميذ، وينتهي الاحتفال فلا تتذكر من المكرمين سوى شوارب المدير العام التي تكرَّمت وكرَّمت من بعد إذنها القامات الإبداعية والهامات الفنية، ويخطر في بالك خاطر أخطر من ذاك، وتقول هل يحتاج المبدع إلى التذكير به؟!.. هل يحتاج الفنانون الكبار إلى الكتابة عنهم بأقلام الصغار؟!.. هل المبدع ضعيف إلى هذا الحد الذي يحتاج فيه إلى من يذكِّر به من صغار الكتبة؟!!..ويخطر في بالك خاطر رهيف وتقول هل يقوم أقرباء دستويفسكي بالدبكة على قبره كل عام ليتذكر الناس أنَّ الجريمة والعقاب عمل عظيم وأنَّ الأخوة كارامازوف ملحمة إنسانية؟!!.. هل يقوم ابن خالة عم تشيخوف بالكتابة عنه بالشهر تلات أربع مرات ليعرِّف القراء ببستان الكرز والنورس وقصصه القصيرة والروايات؟!!.. ثم يخطر في بالك خاطر خطير وتقول لماذا عندما يريد بعض الجاعرين شتم شاب حي ما يذكِّرون القراء بالمرحوم وإبداعاته؟!! وتكتمل الصورة عندك، وتقف عند حدك، لأنك إذا استزدتَ بالكلام ستصدم، وأنك إذا صدمتَ ستصدق، وأنك إذا صدقت ستُزعل، ولكنك ستردد ببراءة الأطفال ما مفاده أن الكتاب العظيم يدافع عن نفسه، وأنَّ الإنجاز العظيم يدافع عن وجوده، وأنَّ المرحوم ألله يرحم تراب ترابه وتراب أمواته لو كان عظيماً لما نسيته الأجيال، وأنَّ العذر ليس في الجمهور بل في المرحوم، وأنَّ العطل ليس من الغسالة بل من المسحوق، ها هو بعد أن مات يتابع مشوار الوجود بكل جدارة، ويكرَّم كل يوم ، بل وهناك من يطالب بتدريس إبداعاته للأجيال المتخلفة كي تتطور، وتقول في نفسك التي سيأكلها الكتّاب بلا ملح أنو ليش وضع الأجيال عنا هيك، ليش التخلف شغال على أبو موزة، لو كان عنا كاتب متل دستويفسكي أو تشيخوف أو بلزاك أو بريخت أو كازانتزاكي.. فهل هكذا كان سيكون وضع الأجيال؟!!.. في عصر التكريمات.. ستقول إنَّ إكرام الميت دفنه..... ولا مانع من الدبكة حول القبر وبعض الحفلات، مو مشان شي بس مشان يزهزه بقبره يقبر عضامي شو كان كتّيب، وأسفي على مجتمع يجلس في حضرة المولودين الجدد وهو يتأسف على الأموات، الفاتحة."

٠٤‏/٠٨‏/٢٠٠٨

أشجار على الرصيف


"لا أعرف لماذا تأخذ الأشجار التي في شوارعنا حصتها من المكان من حصة الرصيف وليس من حصة الشارع. وعلى الرغم من حاجتنا إلى الشوارع وسعتها في حياتنا المعاصرة، فإنَّ حاجتنا إلى الأرصفة أشدّ، فمعظم أرصفتنا تعاني من الضيق، ولكنها مع ذلك بتوسع ألف صديق، فمن البسطات إلى التوسعات الدكاكينية وانتهاء بتربع الحاويات على مفارق الأرصفة ستجد ألا مكان لك أنت صديق الأرصفة القديم، بل ولا مكان لغيرك من المشاة. لكن حتى لو كان لك مكان، فإنك ستتنحى للقادم من بعيد، بعد أن تجد عدة سنتيمترات تشكل فراغاً

ما بين سيارتين صافتين لتنزل إلى الشارع وتمشي قليلاً ثم تعاود الصعود إلى رصيفك الضيق. أما بالنسبة للأشجار فلقد أخذت من الرصيف مساحة وقوفها الطويل الأبي الشامخ، لكن كلّ ظلالها مرمية باتجاه السيارات التي تمخر عباب الشارع ليل نهار، فترى السيارات وهي تتنعم في الصيف الكافر بظلال الزيزفون، بينما لا ينوب المشاة سوى الانحناء بسبب أغصان الشجيرات التي تمدّ رؤوسها من البيوت، فترى الماشي مطخِّي وأمره لله، والسيارات ماشية بإذن الله، فتحمد الله على النعم، وعلى الشجر الذي جعلك تتواضع وتنحني، وعلى السيارات المشفطة التي أجبرتك على اختيار الرصيف كملاذ آمن لك ولمشاريعك التنزهية، لا لن تنزل إلى الشارع أبداً وسط هذه الفوضى، لن تنزل إلى الشارع وسط طريقة سير تأكل الأخضر واليابس ممن يمشي بدون سيارة وممن يمشي بسيارة ضعيفة صغيرة، فالشارع للأقوى، والشجرات تظلله وتظلل أبطاله من السائقين، بينما لا يطال الماشين سوى تلمس الحيطان وطلب السترة في زمن الإنترنت، ومع أنَّ المشاة رقيقون مع الشجرات، فأكثر ما يمكن أن يفعله الماشي بها هو أن يحفر اسمه واسم حبيبته، أو الحروف الأولى فقط وبطريقة النحت الفني، بينما تفوت السيارات المسرعة بالأشجار، تهزها بقوة على مبدأ عم بنهز الورد لنشمه، وفي بعض الأحيان إذا كانت الشجرة صغيرة هشة فإنَّ الأخت السيارة تقتلعها من ساقها قلعاً وتترك جذورها تبحث عن أجدادها تحت التراب. أما الباصات فهي مختصة بتكسير أغصان الأشجار العالية كي تقصقص جناحاتها وتقلمها وتشذبها وتهذبها كي تناسب الشارع، فإذا ما كبَّرت الشجرة رأساً وعلا شأن أغصانها في الهواء جاءت الشاحنات وقصت الأغصان العالية، وإذا ما طيلست الشجرة وبقيت كبيرة في زمن الصغار فإنَّ شاحنة بلا نمرة وبلا شوفير وبلا فرام وبلا طولة سيرة ستخلعها من أرضها خلعاً، والحمد لله ما صار شي حديد بحديد معلم، والحمد لله على سلامتك، والعوض بأولادك، وإن شاء الله بنشوفك بالأفراح مرفوع الراس، ومتين الأساس، وحواليك عم يلعبوا الصغار، وخليك عالرصيف حبيبي أحسن ما تدعسك السيارات، وأوعك تمشي مع الزعران وأولاد الحرام، بعدين بينزعوك، وعلى الرزالة بيعلموك، وعلى الصياعة بيعودوك، وببيت خالتك بينيموك، وأنت ما تتعود تنام ألا بتختك، ويا بختك إذا ظبطت أمورك، وكل شي مشي معك تمام."

٠٣‏/٠٨‏/٢٠٠٨

بحر النجوم وعصر الظلمات


"كلما شاهدتُ ذلك الإعلان الذي يعلن عن بحر النجوم أغرق فيه، ليس بسبب عمقه، ولا بسبب علو أمواجه، وإنما بسبب عدم تعرفي على النجوم الذين تزين صورهم الإعلان، باستثناء هيفا، فلقد عرفتها والرماح نواهل مني، عرفتها لأن الغرب اعتبرها نموذجاً للمرأة العربية الحديثة ضمن إحدى الدراسات الجادة، عرفتها لأن كل أولي الأمر العرب يعرفونها، عرفتها لأنها طيَّرت الغضنفر من منصبه بإشارة من إظفرها الذي لمع كبارق ثغرك المتبسمِ،

عرفتها لأنو ما في حدا ما بيعرفها، عرفتها لأنو حتى الأولاد بيعرفوها وبيقلدوها ومثل أعلى لألهن بيحطوها، عرفتها وقلتُ في نفسي إنك والله مقصر يا ابن الحلال ليش ما عرفت باقي النجوم اللي ببحر النجوم، ولكن نفسي قالت لي أنو ما في داعي تعرفهم، لأنهم نجوم غصباً عن راسك، وغصباً عن أساسك المكون من أم كلثوم وفريد وحليم وفيروز وعاصي وزياد ومحمد عبد الكريم وكروان ونور الهدى وغيرهم وغيرهم من سيد درويش اللي بيطلع درويش قدام هالنجوم، مروراً بمحمد محسن وانتهاء بمحمد عبد الوهاب، وتحسرتُ في قلبي على زمن مضى وقلتُ بما معناه أنو اسق الله أيامك يا عصمت رشيد، اسق الله لما كنت تدق عالخشب للمنتخب بين الشوطين وبعد ما تخلص المباراة، اسق الله أيامك يا سمير سمرة وأيام كلمات أغانيك المؤثرة من حبيبي شكله حلو إلى برجه برج الدلو، وبعد أن قلنا اسق الله، سقانا طويلو الأعمار بحر النجوم المالح والمر بآن معاً وبالزور، لا لسبب، فقط لأنو طويل العمر عجبه شكل المطرب، وعجبته إمكانيات المطربة، وعلى ذكر الإمكانيات، فالإمكانيات داخلية وليست خارجية كما تتصور، يعني من جوَّا جوَّا، تحت الشيَّال والحمَّالة، فأوعا تظلموا أصحاب الذوق الرفيع الذين يقدمون لنا هؤلاء النجوم، وعلى اعتبار أن النجوم في بحر النجوم يسبحن ويسبحون، فإن الشوفة أهم من السمعة، واللي بتشوفه غير اللي بتسمعه، لذلك صار بوط المطرب أهم من صوته، وصار الحلمات أهم من الكلمات، والحلمات جمع حلم مشان ما يروح مخكم لبعيد يا ملاعين، وصار اللحم أهم من اللحن، بس ضلت الآهات موجودة، بس غير آهات، وغير هتافات، وصار الغبي يحكي عالشاشات، وصار يوقِّع أوتوغرافات، وصارت القطقوطة تحكي بالفكر، وصاروا أولاد القطقوطة يأخرجوا الفيديو كليبات، وصار كل شي يلبق لأبو بريص، وصارت الضفادع تغني، وصار أبو جنِّيب يطلع على شط البحر دوريات، وأبو جنِّب بالديري يعني سرطان الماء العذب، وبحر النجوم عذب حتى لو كان مر ومالح، بس كلو في حبك يا طويل العمر يهون، بس ما حدا عليك بيمون غير اللي عم يسبح ببحر النجوم، وقلنا بنحكي عسى ولعل، وقلنا بنبكي عسى ولعلَّ، وقلنا بننام، بس ما عم يجينا نوم، قام فتحنا هالتلفزيون، وغرقنا في بحر النجوم!! يا للظلام الذي نعيش فيه، يالبحر الظلمات الذي نتخبط فيه والذي يسمونه عيني عينك وعلى عينك يا تاجر ببحر النجوم !!."

٠١‏/٠٨‏/٢٠٠٨

المزعجون في الأرض


"وهناك المزعجون بقصد الإزعاج، فهم بما يفعلون عارفون، وفي غاياتهم وأهدافهم واضحون، والنتيجة النهائية التي قد ترضيهم هي أنك ستنزعج على الأقل، وهناك المزعجون بدون قصد، فهم غير عارفين ما يفعلون، أما غاياتهم فهي في نفوسهم، وفي الحالتين فالمزعج مزعج، كأن تكون في لحظات رومانسية مع حبيبة الروح والقلب
المجروح فيخبط أحدهم باب بيتك خبطاً، أو أن يتلاعب بعض الأطفال الأبرياء بالكرة تحت بيتك وقت قيلولتك، أو أن يكبس أحد معارفك على بيتك أثناء إقامتك لحفل صغير دون أن تعزمه، وأن يطيلس ويدخل ويبقى رغم خلقتك المقلوبة في وجهه، ورغم معظم السحنات التي اصفرت بدخوله، كأن تكون في عز انغماسك بعملك وعز الإبداع فيه فيتصل بك شخص من قلب الدنيا وتطلع النمرة غلط، كأن تكون مع أشخاص مهمين فيأتيك مستر كول من أحدهم ثلاث أو أربع مرات فتتصل به ولا يرد، كأن تكون في وضع حرج وصعب، وتحاول أن تتصل بأحد أصدقائك طلباً للمساعدة ولكنك لا تفعل خوفاً من إزعاجه، ثم يأتيك اتصال من صديق يطلب فيه منك المساعدة، كأن يصلك خبر مفرح ولكن لشخص تكرهه، كأن يصلك خبر مفرح ولكن فحواه هي أن الفتاة التي تحبها تستعد للزواج من غيرك، كأن ينجح ابن جيرانكم الغليظ في البكالوريا، وأن يصبح أغبى الأغبياء في أرقى المناصب، وأن تعطي أمك لكل شحاذ نصاب يدق الباب المال، وأن يعود صاحبك التعبان إلى الاتصال بك كي تساعده بعد أن فهَّمته أنك أنت الذي تحتاج المساعدة، وأن تطلب طلباً قانونياً من فاسد فيستشرف عليك، كأن يلقي عليك لص محاضرة عن الشرف، وأن يصفق له الحاضرون، ويكتب عنه الكتَّابون، كأن يحدثكَ محدَثُ نعمة عن ثمن سيارته، وأن يحكي لك عاطل أزلي عن العمل معاناته، وأن يشتم طالب راسب أستاذه، وأن يحدثك عاشق فاشل عن حبيبته، ويقرأ لك شاعر تافه قصائده، كأن ترسل لك امرأة لا تحبها الورود، أن ترفض امرأةٌ تحبها ورودَكْ، أن يتفرج أطفالك على نور ومهند ويحيى ولميس، أن ينطق أمامك الطلطميس، ويأتيك الضيوف يوم الخميس، كأن يطلب منك قروي بعد أن يعطيك موبايله الفوتوغرافي أن تلتقط له صورة بجانب تمثال علاء الدين الأيوبي، وأن يسعل مهندس شوارع بافتعال أثناء مرورك، كأن تشير للتكسي فيشير لك بيده أنو دايمة، وأن يتغزل صديقك الكبير بصديقتك ممازحاً كلما صادفها، وأن تذهب مع زوجتك للتسوق، كأن يحبك طفل غليظ، ويُعجب بك شاب غبي، ويزعل منك صديق عزيز، كأن يخورفك شوفير التكسي وترضى، وأن يقدموا لك البرامج الغبية فترضى، وأن يقيموا الاحتفالات لنجاحاتهم الوهمية وترضى، كأن تصمت باسم الأخلاق، وترضى بالغلاظة والسماجة من أجل شاشة أفضل."