"حدث أن التقى بها فأحبها، وحدث أنها أحبته.. أقصد ما زالت هذه الأشياء تحدث، يحدث صديقه عنها ويترجاه بل ويتوسل إليه أن يدبر له فرصة للتعرف إليها، لا يبقى مقهى أو باب لا يمضي إليه على أمل اللقاء بها بالصدفة وإرسال بعض النظرات النارية، وهناك نساء يسحبن أينما ذهبن عدداً مهولاً من المحبين والعشاق خلفهن، فترى الأنظار متجهة إليهن والقلوب.
يحفى الشاب خلف الفتاة ويحفى صديقه عبد السلام النابلسي خلف محاولة تدبير فرصة للتعارف، والبنت تنتظر، فهي لا تحب أن تبادر -مو حلوة بحقها- بل وتعتقد أن قيمتها بتروح، وتقتنع الفتاة أن تبادر أخيراً لأن صاحبنا ما دبر حاله وتحكي لصديقتها عنه فتقوم الأخيرة بلعن سنسفيل أجداد المحبوب الولهان واتهامه بالنصب والاحتيال وغيره من المهن الرفيعة المستوى فترتد المعشوقة وتتوقف وتعد للعشرة بالإنكليزي طبعاً ولكنها لا تنساه فقد دخل إلى القلب، تمضي إلى الأماكن التي تتوقع أن تراه فيها، تبحث عنه في الطرقات، في المقاهي، تجده.. تتردد.. ترتبك ولكنها تجلس ووجهها له، أما صاحبنا فأنتم تعرفون أنه أصبح منتهياً في هذه اللحظات، وبدأ قلبه يرجف وركبه تتراقص وحلقه ينشف، يتصل بعبد السلام النابلسي كي يأتي ويشيل كتف عنه، المقهى كله ينتبه إليهما، إنهما في لحظة الذروة، ذروة الحب، ذروة الترقب، فالناس لها حصة من الحب، وكلما تدخل الناس أكثر في قصة الحب تصبح القصة أعظم، فاللت والعجن والدس والشلي والطعن بالظهر والتخاذل وانكشاف نذالة المقربين من ضرورات الحب، فهل يمكن أن تكون هناك قصة حب بدون شخصية 'النس' الحقير العوايني، إنه يضفي الإثارة على القصة ويشهرها، ويعرض البطلين إلى الأخطار، ويمنع أهل الفتاة ابنتهم من الخروج، لقد انكشف أمرها، نعم.. علم أهل الفتاة بأنها تحبه قبل أن يعلم هو، بل إنه إلى حدّ الآن لم يعلم، علم الأصدقاء والمقربون ولكنهم لم يقولوا له، استكثروا عليه أن يعرف، انحبست البنت.. كلف صديقه النابلسي بالبحث عنها، وجاءه الخبر اليقين، فبدأت رحلة جديدة من الانبحات والتذلل، ويصبح شارع بيتها مزاراً له ولسيارات أصدقائه، وبات عليها أن تنتظر كل يوم مساء موكب السيارات الصديقة وهي تمر في الشارع متحدية أهل الحارة وأهلها بقوة الحب.
يطلب يدها فلا يوافقون على استقبال طلبه من أصله، فيكبر الموكب، ويكثر المتدخلون الطيبون منهم والأشرار، وأخيراً ينتصر الخير ويوافق الأهل، يلتقي الحبيبان، ويتزوجان، ويمضيان إلى شهر العسل.
وعلى اعتبار أنني كنت عبد السلام النابلسي العاشق، وأنني عملت كثيراً كي أجعله يظفر بمحبوبته، وأنه كان يبكي على صدري كل ليلة سألته عن حاله وأحواله فنظر إلي بقرف وقال لي «بها المقبرة»، سألته «أي مقبرة»؟.. قال لي «الزواج» ؟!.."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق