٠٤‏/٠٧‏/٢٠٠٨

حلب


"حلب ثاني مدن سورية، ولكنها تعتبر نفسها الأولى، ويعرف أصغر حلبي أنَّ حلب أقدم مدينة مأهولة في التاريخ ويجيب عندما ينبري الدمشقي بقول إنَّ دمشق هي كذلك, بأنَّ دمشق هي أقدم عاصمة وعمرها بأراضي الألفين وأربعمية سنة وشحطة بينما عمر حلب بأراضي الألفين وسبعمية وشحطة، وهي الفوارق النسبية ذاتها

التي يجدها الحلبيون في باقي الأشياء، فحلب هي أم الدنيا غير أنهم لا يقولونها بالحالة المصرية بل يقولونها بعفوية حلبية تكاد تكون سمتهم وهويتهم، وبما أنني حلبي أيضاً بالإضافة لكوني جزراوي المولد والطفولة ودمشقي الهوى والإقامة، فقد عشت طفولتي ومراهقتي وشبابي الضائع في حلب، ومن حلب انطلقتُ على اعتبار أنَّ حلب هي كراج انطلاق الشعراء والفنانين، ولاسيما الموسيقيين منهم، فمن منكم لا يعرف بطل العالم بالغناء أبو محمد.. صباح فخري، ومن منكم لم يسمع بمحمد خيري أبو هيثم الذي مات على خشبة المسرح وهو يغنِّي، ومن منكم لم يسمع بشيخ الطرب الراحل الكبير صبري مدلل، ولا يقتصر أداء حلب الراقي على الموسيقا، بل يتعدَّى ذلك إلى الفوتبول والباسكيت عبر نوادي الاتحاد والحرية والجلاء واليرموك والعروبة، وعلى الرغم من عدم وجود بحر في حلب وهذا ما يعترف به الحلبيون فيقولون ' آخ لو كان في بحر بحلب ' فقد برع الحلبيون بالسباحة وقدَّموا أبطالاً في السباحة على مستوى العالم مثل هشام المصري وباقي آل المصري، وبالطبع فإنَّ اللغز الحلبي الذي لم يستطع علماء الآثار حلَّه هو لغز الكباب الحلبي وعائلته، ولغز الكبب بأنواعها السماقية واللبنية والسفرجلية والمشوية والمقلية والصاجية والنية والإيج، ولا تخرج المحاشي عن الموضوع، كما يمكننا التغزُّل بالحلويات العجيبة من المبرومة إلى البلورية مروراً بسوار الست وأنواع البقلاوة، ولا ننسى اللوزيات والمجففات، وتكتمل الأسرار الحلبية بأحيائها القديمة المتصلة عبر قنوات وأنفاق أندر غراوندية بالقلعة لتحطم أساطير الميترو في باريس ولندن وسان بيترسبورغ، تلك الأنفاق التي نحتاج إلى آلاف الاجتماعات الآن في وقتنا الحالي لنفكِّر بالتخطيط لها، ولا يتوقَّف سحر حلب هنا ولكن أتى من استطاع إيقاف هذا السحر، فمنذ العام 1990 بدا أنَّ حلب تعاني من الإهمال بسبب تمركز الأعمال والأشغال في دمشق، فبات ألقها يخبو، وبات صوتها العالي يخفت، وأضحت مدينة خجولة، وصارت حلب مو حلب منذ أن بدأ مطربوها بالغناء عنها والتغزُّل بها بكلمات ما أنزل الله بها من سلطان في آخر محاولة منهم لشحذ الهمم كي لا تسقط هذه الحضارة العريقة التي يمكنك تلمُّسها وشمَّ رائحة عبقها الغابر في سوق المدينة وأحياء ما تحت القلعة، نعم لم تعد حلب حلباً وأصبح الطريق إليها مقفراً والطريق منها إلى أرض الله الواسعة مزدحماً، فهل نعيد حلب إلى حلب ؟!"

ليست هناك تعليقات: