٢٠‏/٠٧‏/٢٠٠٨

بهادل المعلِّم


"حكينا عن الضجة والضجيج وحركة الإعمار التي قلنا إنها على راسي فإذا بها تأتي وتدير عجلاتها فوق رأسي، وبالمناسبة فهي ما زالت على راسي يعني ما زالت تئزُّ وتهرُّ وتجعر على رأسي، ولكن ما حدث اليوم كان مدهشاً في تطوراته وتطورات عبوديتي لهذه الورشة الإعمارية فوق رأسي، فبعد أن جلستُ سادّاً أذني بسبب الصاروخ العابر للقارات الذي يبخش جدار الصوت فوقي،

سقطت قطعٌ من جدار الصوت إلى الأسفل وكاد بعضها أن يتسبَّب بشج رأس بنت الجيران، وهنا هبَّ شباب الحارة عن البنية مدافعين، وبجدار الصوت الذي ينهار مندِّدين، وبعد أن تمضي الفتاة يقفلون إلى أعمالهم راجعين، ويهدأ الضجيج فوقي، فأهرع إلى أعمالي بشغف، لكن صوتاً ناهراً هادراً حارقاً مدمراً يجمّدني في أرضي، إنه صوت المعلم تبع حركة الإعمار فوقي وهو يبهدلُ الصانع، ويبدأ معه بشو ما بتفهم أنت وما بتعرف أنو في خلق وعالم تحت، ومروراً بشو أنت بهيمة مخك ما بيجمِّع ولا بيفرفط ولا بيفكفك ولا بيظبِّط، وانتهاء بيا حيوان انتبه لما بتشتغل، ويبدأ الحيوان بالانتباه، ويبدأ بالحديث مع نفسه لأنه لا يستطيع أن يتحدَّث مباشرة مع المعلم، فهو سيفقد العمل، وساعتها سيتذكَّر كيف كانت زوجته تردح عليه وتفتح حلقها اللازوردي بوجهه وتبهدله بهدلة الكلاب، وتبدأ بيا ابن القطقوطة وتنتهي بيا كاتبنا ضب قلمك وضب ورقتك لأنو اللي بدو ينقال لا بينكتب ولا بينطبع ولا حتى ممكن تسمعه الآذان، فيهدأ الصانع ويقول في نفسه أنو بهدلة المعلم بتطلع مجاملة قدام بهادل مرته، بل وإنه يهرع نحو المعلم شاكراً إياه على الملاحظات التي أعطاه إياها قبل قليل، كنوع من العرفان وردِّ الجميل، ويعود الضجيج، وتعود حركة الإعمار، ويصمتُ كاتبنا اللطيف عن الكلام السخيف، وتعلو قوة الطرقات، ويسقطُ حجر من جدار الصوت اللي فوقي إلى أرض ديار بائع الزهور الأنيق، وتجفل الوردات المنقوعات ببرميل السيروم المائي بانتظار الزبون الذي سيبتلي بها ويشتريها وهي تدندن يا ورد مين يشتريك، ويخرج بائع الورود الذي كان يبتسم لزبونة في هذه اللحظات وهو يقدِّم لها الزهرات ويصرخ مندِّداً بأخت وأم حركة الإعمار، ولكنه ينتبه إلى أنَّ هناك فتيات، فيبدأ بالردح الملتزم البنَّاء الذي لا تشوبه شتائم، ويلتمُّ الجيران ليساندوا عمي يا بياع الورد قوللي الورد بيش، بينما يتابع البياع الوردي سيمفونية التنديد والاحتجاج، يمدُّ المعلم رأسه وعوضاً من أن يوجه كلامه لبياع الورد فإنه يبهدل الصانع ويصفه بأقذع الأوصاف، ثم يغمزه ويرقعه كفاً مثل فراق الوالدين، ويصعق الصانع لهذا الكف المفاجئ، فالمسافة بين الغمزة والكف كانت معدومة تقريباً، ويمكن أجت الغمزة والكف مع بعض تماماً، حتى إنَّ العارفين يقولون إنَّ الغمزة مع سفقة الكف هي عادة المعلمين لكي يشعر الصانع بأنَّ المعلم شخصياً يتواطأ معه ويتآمر معه، وفي هذا شرف كبير للصنَّاع، فكم من مدير سمعتَ وهو يتفاخر بأنَّ الوزير الفلاني بهدله، وكم من موظف تسمعه يتباهى بأنَّ المعلم يداعبه ويرفع الكلفة معه ويقول له يا حيوان، وكم وكم، لكن المهم هو أنو الكل رضي، والكل انبسط، الجيران لأنو المعلم بهدل الصانع الحيوان، والمعلم لأنو الجيران هدأت أحوالهم، والصانع لأنو الحمد لله انقضت بكف وما انتهت بالتقليع من الشغل والعودة إلى أحضان الزوجة الحنونة."

ليست هناك تعليقات: