٠٨‏/٠٧‏/٢٠٠٨

لوندبوري وهيلينز


"لوندبوري مدينة صغيرة تبعد مسافة 123 ميلاً عن لندن، يعني إذا صرّفناها عالسوري بتطلع شي 200 كيلومتر، ونحن كنا مشاركين في مهرجانها الفني الأدبي السنوي، وكما أسلفنا فقد أقمنا في قصر هيلينز، وكانت مجلة بانيبال المختصَّة بنقل الأدب العربي وترجمته إلى الإنكليزية، وكان توري مونثي قد درس العربية في الشام، وكان هو

من قرأ شعرنا بالإنكليزية، هو استلم القسم الرجالي يعني منذر مصري وأنا، بينما استلمت القسم النسواني يعني هالا محمد ورشا عمران رئيسة تحرير بانيبال السيدة مارغريت أوبانك التي سمَّاها الأدباء العرب بوزيرة الثقافة العربية، وكنا نقرأ شعرنا بالعربية كي يسمع البريطانيون موسيقا اللغة العربية وإيقاعات حروفها الساحرة، وبعد القراءة الأولى أصبحنا معروفين في البلدة، وصار الترحيب فينا من ضرورات إقامتنا، وكانوا مثلنا يتمنُّون أن نزورهم في بيوتهم، لطفاء ومبتسمين، وتوَّاقين للمعرفة حتى وهم في السبعين والثمانين والتسعين من أعمارهم، وكنتُ قد أصبحت معروفاً من قبل توماس الذي يعمل في دائرة كنتُ أستخدم إنترنتها لإرسال هذه الكلمات لكم، ومساء شاهدتُه يحضر الأمسية فتبادلنا التحية، وشاهدتُ شاعراً ليتوانياً كبيراً، وآخر كبيراً أيضاً من لاتفيا، وآخر من لندن، وتعرَّفنا إلى أرواح الشعراء وملامحهم، ثم دخل جميع المدعوِّين إلى القصر تلبية لدعوة العشاء الضخمة التي وجَّهها لهم آدم مونثي صاحب قصر هيلينز على شرفنا أو على شرف الشعر السوري، وكان أنَّ الشيف نيك وليس رمزي قد صنع أطباقه من وحي المطبخ السوري إمعاناً في التناغم مع قراءاتنا، وعرفتُ أنَّ الأمر لم يكن اعتباطياً، فلقد قدَّموا الموسيقا العربية مع قصائدنا، وبعدها قدَّموا العشاء السوري، مما جعل اللوحة السورية أكثر تكاملاً، ولمَ لا .. فالطعام وأنواعه ثقافة، وليس بالشعر وحده يحيا الإنسان، وكان الشيف نيك قد طلب مني أن أدّعي أنَّ الطعام الذي صنعه هو لذيذ تماماً ومتقن أكثر حتى مما قد يطبخه الشيوف السوريون، وبالطبع فلقد لبَّيتُ نداءه، وقلتُ الحقيقة قبل أن أذوق الطعام، وقلتُ بأنه ألذُّ طعام سوري ذقته، فانبسط الشيف نيك من نزاهتي وإنصافي، خاصة أنني لم أكن قد ذقت الطعام بعد، لكنني كنتُ راضياً عن كذبتي، لأنَّ ما فعله نيك كان يدلُّ على أنَّ الثقافة جزء من حياة كل إنسان، وأنَّ البشر يستخدمونها في حياتهم اليومية، وأنه ولمجرد معرفته بأنواع الطعام السوري فقد أجاد وأطرب وألهم، وألهم هنا آتية من الالتهام وليس من الإلهام، فقد التهم المدعوُّون الطعام وهم ينظرون إلينا بإعجاب وكأننا نحن الذين طبخناه، فقلتُ أن يشكروا نيك الطباخ، فقالوا إنهم يشكروننا لأننا من سورية بلد هذه الأكلات، فهززتُ رأسي من جديد معجباً بهم، وقلتُ كم أنَّ آدم كريم وقد دعا كل هؤلاء الناس، وقلتُ أيضاً كم أنهم كرماء ولكنهم لايكتبون القصائد عن ذلك، ولا يدوِّنون ذلك في أدبياتهم، ولا يتغنُّون به في مواويلهم، فهناك لن تجد أحداً يذبح لك خروفاً أمام باب بيته معلناً للبلدة كلها أنه عزمك، لا.. هناك ستدخل إلى البيوت كما لو أنك واحد منها، وستخرج منها كذلك، دون أن يعرف أحد خارجاً ما إذا كنت قد أكلت خاروفاً أو ديكاً رومياً أو دجاجة، تدخل وتخرج والابتسامات المحبة تحيط بك، والمودَّة تحملك على كفوفها الناعمة."

ليست هناك تعليقات: