٠٦‏/٠٧‏/٢٠٠٨

قطارات


"ا أخفيكم أن القطار هو وسيلة التنقل لديَّ لأسباب كثيرة أهمها رهابي الدائم من ركوب السيارات والطيارات بالإضافة إلى هلعي من السفن والعواصف رغم عدم وجود مانع لديَّ للحلم بأن أكون أحد ركاب سفينة الحب ولو لحلقة واحدة من ذاك المسلسل الشهير، القطار يبهجني منذ طفولتي عندما كنت أركب 'الأوتوماتريس'

من حلب إلى بلدتي البهية 'الدرباسية' على الحدود السورية التركية في أقصى الجزيرة السورية، وكان الأوتوماتريس يكمل طريقه بعد أن يرميني في محطة الدرباسية إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، وقد حدث أن كنت نائماً ذات مرة وأنا في الثانية عشرة من عمري واستيقظت فوجدت نفسي في نصيبين وبكيت، كنت أستحقُّ أن أدخل موسوعة غينيس على اعتبار أنني الإنسان الأول الذي بكى عندما رأى نصيبين، وما أن فهم الناس مشكلتي حتى أخذني البوليس واتصلوا بحلب وأعادوني إلى الدرباسية في أوتوماتريس قادم في اليوم التالي بعد أن فسَّحوني ودللوني وأطلعوني على الإنجازات الحضارية في مدينتهم كما لو أنني وفد، عدت إلى محطة الدرباسية وسط استقبال جماهيري بعد أن سلموني إلى أولاد عمَّتي الكبار الذين عنفوني بينما اكتفى الصغار منهم برمقي بنظرات الحسد.
ومنذ أن اختفى الأوتوماتريس من حياتنا وأنا أبحث عن قطار أحبُّه هنا ولكن عبثاً، فما أن تأتي الدولة بقافلة مريحة من القطارات حتى يبدأ أبناء الشعب بالعبث بها وتحويلها إلى مركز للنفايات النووية من قشر بزر وريحة جرابات ودهادير وما أدراكم ما الدهادير بينما يكمل الموظفون في الأرض النقل بالإهمال والزعرور، ولكنني اليوم أكتب لكم من قطار دمشق ـ حلب السريع، يا الله ما أروعه، تصوَّروا عربة نظيفة وكراسي مريحة وتكييف عن جد مو هواء ساخن صحراوي، جاءت فتاتان عاملتان سوريَّتان أنيقتان ولطيفتان وناولتانا البون بون وأكلت واحدة فتدمَّر ضرس العقل الغبي الذي عندي من الألم، ولكنني لم أشتم القطار لأن المشكلة من ضرسي مو من الغسالة، ثم جاء عامل آخر بلباسه الرسمي وناولنا سماعات لسماع الموسيقا، وبعده جاء آخر بلباسه غير الرسمي وهذا شر لا بدَّ منه وناولنا أكياساً لمراجعة الذات ورمي النفايات، وقبل انطلاق القطار صدح صوت أحد الكباتنة وذكّر الركاب بأن الرحلة متجهة إلى حمص وحماه وحلب، فتذكرت هؤلاء الذين صعدوا في باص إلى دير الزور ووجدوا أنفسهم في طرطوس وقلت في نفسي برافو عليه كمان هي ضرورية، بصراحة أنا ما عم أعمل دعاية للقطار بس قلت لحالي طالما هو للدولة رح أعمل له دعاية لأن ما تملكه الدولة هو ملكنا نحن الشعب، وعلى الرغم من منع التدخين في هذا القطار فقد أعجبني، فأرجوكم يا أبناء جلدتي من موظفين وركاب ومدراء وعاديين ديروا بالكم على هالقطار .. والله حضارة، وما في داعي نطلع بالقطار ونتمنى أن ننام فنجد أنفسنا في أوروبا، في هذا القطار أنت في أوروبا فكن مثل الأوربيين على الأقل. ألم تسمعوا بالمثل الذي يقول إن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأضيف: إن هذه الخطوة تحتاج إلى قطار."

ليست هناك تعليقات: