٣١‏/٠٧‏/٢٠٠٨

لا انتظر شيئاً منكِ


"حتى اسمكِ محوته من دفتري الصغير، من هوامش أوراقي، من أجهزتي، أوجدتِ نفسكِ هكذا مستترة فيَّ، فاصبحتُ لا أذكركِ إلا أمام الغرباء، ألفظُ اسمكِ بشوقٍ، وأبدعُ في وصفكِ.
أحبكِ
.

لا غنى عن هذه الكلمة وأنت موجودة على هذه الأرض..
قالها لك المتعلمُ كتابةً، والأمّي شفاهاً، والفقير سراً، والموهوب فناً، والغني دعوةً، والوقح علناً.
أحبكِ..
سراً وعلناً..
شفاهاً وكتابة
فناً وشعراً
همساً وصراخاً
أحبكِ لا كما يحبك الناس
وأحبك كما يحبكِ كل الناس
وفي لحظة اقترابك مني لا أصدِّقُ
فأضيعُ .. وأضيِّعكِ.
في كل لحظة أنا معكِ
خلفكِ وأنت ترقصين
وعندما يحدثكِ الآخرون
أهمس في أذنكِ فتقولين ما يليق بكِ من كلام، وعلى موائد الطعام أنتقي لك ما تشتهين وأفتته بيدي فتبقى يداكِ جميلتين نظيفتين، وأطحنُ مع أسنانكِ فيبقى فمك مغلقاً وغامضاً، وقبالة الخزانة المفتوحة أمدُّ يدي إلى قميصكِ وبنطالكِ،أمام المرآة أردعكِ عن استعمال الزينة المتوقعة، أدلُّكِ على كحل عينيكِ وأحمر شفاهكِ، وفي اللحظة الأخيرة أفتح لك الباب، ثم أبعثر شعركِ فيتطاير، وتمشين كغجرية بأناقتكِ المعهودة.
أمام أوراقكِ أمدُّ رأسي وأؤنبكِ على كلمة عادية، وأشطبُ جملة لا معنى لها، وأدلُّكِ على ما يستحق التدوين منكِ.
وعندما تقفين بهيةً ورائعةً متلقيةً نظرات الحب والإعجاب، أعود إلى بيتي سعيداً، لأنكِ في عهد حبي لكِ كنتِ الأروع والأجمل والأعظم، وأنني في كل حركة من حركاتكِ، في كل لحظة ألقٍ، في كل صورة غير عادية من صوركِ.. كنتُ خلفكِ.. كنتُ مجرد شخصٍ يحبكِ.
أحبكِ ولا أنتظرُ منكِ شيئاً، ولكن عند استيقاظي من نومي، عند تناول القهوة والبدء بالتدخين، عندما أمشي بين الناس، وأجلس في مراكب السفر، بين الجموع ومنفرداً، في الصباحات الباردة والليالي الصاخبة، في الضجيج ووسط السكون، في الأحزان والأفراح، في زحمة المحيطين، وضجيج البشر، تكونين معي، أفكرُ..
كم أنت بعيدة، وكم أنت قريبة..
أحبكِ.. ولا أنتظر شيئاً منكِ
رغم أنني طيلة عمري كنت أنتظركِ"

٣٠‏/٠٧‏/٢٠٠٨

محمود جبر


"هو أول مسرح تعرفتُ عليه في حياتي، مسرح محمود جبر، وكان ذلك من خلال تقليد بعرض التلفزيون لإحدى مسرحياته في سهرة الخميس، وكان التلفزيون وقتها يعرض المسلسلات بطريقة مختلفة عن عروض اليوم، فقد كان عرض المسلسل أسبوعياً، وكان لكل يوم من الأيام مسلسله الخاص من تبع التلات عشر حلقة، ومن الطبيعي أن ينتظر الناس المسلسلات وما سيجري من أحداث لاحقة أسبوعاً كاملاً من التوقع والإثارة والتشويق،

وكانت النقاشات الجماعية تدور لأسبوع عن الأحداث المتوقعة لهذا المسلسل أو ذاك. وضمن هذه الأجواء التلفزيونية المنافسة، كان مسرح محمود جبر يشكل لعرضه يوم الخميس على الشاشة جمهوراً طاغياً يلاحقه أينما كان، وأقول يلاحقه وذلك لأنو مو كل الناس كان عندها تلفزيونات، فكنتَ تجد العائلات من الجيران والأقارب تجتمع في بيت تلفزيوني كل خميس وتتسمّر أمام مسرح محمود جبر، فكانت معجزة محمود جبر التي نقلت الطقس الجماعي لحضور المسرح إلى التلفزيون. كان ابن عمتي بديع من عشاق محمود جبر، وهو الطبيب المتخرج حديثاً والمسحوب على الجيش وكانت خدمته في حلب وقتها حيث نسكن، فتراه يأخذ إجازته الأسبوعية ليلة الخميس ويأتينا ملهوفاً ليتفرج على مسرحية محمود جبر، وكنا ننتظر معه، أنا وأمي وأبي وأخواتي البنات ألله يستر على أخواتكم، ونجلس حول التلفزيون في وضعيات مريحة قدر الإمكان، وهذه القدر الإمكان ليست كلمة عبثية مجانية، فمقاعد المسرح في بيتنا لم تكن مضمونة دائماً، أبي له مقعده المرقَّم باسمه، وهو لا يسمح لأيّ كان منا أن يتدحوش بجانبه من باب الدلع والملع والمياعة، كانت مساحته أريح مساحة، وموقعه أحسن موقع مواجه التلفزيون، وأمي لديها مقعدها الخاص أيضاً لكنه مقعد مزاجي متحرك متغيّر حسب الظروف، فإذا ما كانت زعلانة من أبي وآخدة على خاطرها منه بسبب إحدى تعفيساته الرجالية فإنها تجلس بعيداً عنه، أما إذا كانت خوش بوش معه فإنها تجلس عنه أيضاً بسبب تضايقه من دخان سيجارتها، وكان الضحك في حالات حردها ممنوعاً عندها، فهي أستاذة في فن الوجوم والغضب الصامت، اما ابن عمتي بديع فقد كان مقعده بعيداً عن أبي بسبب التدخين ولكنه مقعد محجوز باسمه وذو إطلالة مميزة على التلفزيون تبع بيتنا، وهناك مقاعد محجوزة للضيوف الطارئين ممن انقطعت الكهرباء في حارتهم فدخلوا على ألله وعلينا كي يتفرجوا على مسرحية محمود جبر عندنا، أما أنا وأخواتي فكنا نتسابق للجلوس في الأماكن الزائدة، فكان كل منا يحجز مكانه قبل العرض بربع ساعة على الأقل، وياما علقت بيناتنا يا شباب فكان دخول أبي يجعلنا نفضّ الاشتباك بسرعة خوفاً من إنزال عقوبة الحرمان من الفرجة التي أكلتها ذات يوم وذقت مرارتها، فقد كنتُ ملتصقاً بباب الصالون وحيداً وفي الظلام بينما الجميع يتفرجون ويضحكون، كنتُ أحاول سماع شيء من الحوار على الأقل لكن دون جدوى فقد كان صوت الضحك هو الطاغي، ضحك من المسرح، ضحك من البيت، وكنتُ أضحك ببلاهة كي أقاوم رغبتي بالبكاء، لم أكن أريد أن تنزل دموعي، وقاومتُ دموعي ليلتها، بينما كانت أمي أيام حردها تقاوم الضحك، ولكنها كانت تفشل، فكانت تسحب منديلها وتغطي به فمها وتضحك فنرى عينيها اللامعتين الجميلتين تفضحان ضحكة أعماقها التي تغطيها بمنديل.
شكراً محمود جبر فلقد جمعتنا معاً، وأسعدتنا معاً، ودخلت إلى بيوتنا وقلوبنا، شكراً لأنك أضحكت أمي الزعلانة، أما دموعي التي قاومتها تلك الليلة وهم يحرمونني منك لليلة فسأستدعيها اليوم وأنا أسمع نبأ رحيلكَ، فلقد كنتَ فناناً مؤمناً، وكنتَ نبيلاً وصامتاً وراضياً، فإلى رحمته تعالى بإذن الله العلي العظيم."

الغرور


"دائماً تدخل إلى مكان فخم مطعم مثلاً أو مقهى فتجد شخصاً واحداً على الأقل محيطاً نفسه بهالة من الغرور دون أن تعرف سببها، لأنك أصلاً لا تعرفه ولا تعرف من يكون.
هذا الشخص الذي يبث طاقة سلبية في المكان، وظلاً ثقيلاً يخيم حتى على أحاديث الآخرين، فترى أصواتهم خفتت، وإيماءاتهم قلت، وضحكاتهم انعدمت.

وإذا ما حدث بينك وبينه أي احتكاك فهو ينظر إليك من تحت نظاراته السوداء الشمسية بغرور لا يوصف كي يثبت لك أنه من طينة مختلفة عنك ومن طبقة اجتماعية 'أرقى' وأعلى من طبقتك بالتأكيد وبكثير أيضاً.
ويجلس هذا الثقيل الظل مكانه ويرمق الداخلين والخارجين بقرف، فيقول عبر نظراته للخارج من المكان'أنت لن تعود إلى هنا إطلاقاً فهذا المكان ليس لك ولأمثالك'، بينما يقول لعبد الرحمن الداخل'مالذي أتى بك إلى هنا .. مكانك ليس هنا'، ويريد أن يقول للجميع إنهم طارئون على المكان فهو الذي يملك المال وهو يريد أن يثبت للجميع أهمية المال وخاصة لمن نسوا ذلك واكتفوا بالقليل، إنه يريد أن يشتري ويشتري ليثبت أنه الأفضل والأروع، بس ما بعرف لمين؟.

لقد نسي بعض الأغنياء أو المتنفذين أن بداية الرقي هو التواضع، وأن فن الإتيكيت ليس بتعلم الأكل بالشوكة والسكين، أو الأكل بالعصي الصينية بطلاقة، أو ارتداء أفضل الملابس وأكثرها أناقة وعصرية، نسوا أن هناك في فن العلاقات مع الآخر بنداً أساسياً وهو الانحناء للآخر، الانحناء المتواضع، وكيف لا يعرفون ذلك وهم الذين قضوا حياتهم ينحنون للمال وللنفوذ ولمراكز القوى بذل وليس بالتواضع الذي كنا نتحدث عنه، لأن هذا الانحناء المتواضع الصادق غير معروف عندهم ولم يجربوه، وهم ليسوا بحاجة لتجريبه، فهم أناس يحملون أقنعة كثيرة معهم، فتجد هذا المغرورالذي عوَّف المكان حياته بظله الثقيل وغروره قد قفز من أربعته عند دخول شخص ذي نفوذ أكبر، وأصبح ممسحة أمام كل الجالسين وهو ينافق ويتذلل، بل إنه نسي كل اعتداده بنفسه، لأن اعتداده كان كاذباً أيضاً وكان مجرد قناع من الأقنعة الكثيرة التي يضطر لاستخدامها في اليوم الواحد، إنه شخص غير عزيز بالأصل، إنه شخص من هؤلاء الأشخاص المزيفين الذين يبدلون جلد وجوههم كما يبدلون أحذيتهم، تتصارع على جلودهم كافة أنواع البارفانات، وعلى قوامهم كافة ماركات الأزياء، وعلى أقدامهم كافة أنواع الأحذية، وتتصارع داخل بطونهم الوجبات، أما في أدمغتهم فهناك سلام، سلام ... سلام.

لهؤلاء الذين هناك سلام في أدمغتهم لن أقول شيئاً فقط سأدعهم بسلام . ."

٢٩‏/٠٧‏/٢٠٠٨

نهاية البحوث


"وكان من أمر صاحبي أنه قال: ونهايتها معك ببحوثك، وكان من أمري أنني بعبارة تفوهتُ وعن رأيي دافعتُ رغم هشاشة عواطفي ورقة طباعي، وقلتُ ما فيه النصيب بموضوع أنو كيف ممكن لواحد مو عرفان نفسه شو، ولا عرفان وين ألله حاطُّه، يجي ويقول لبنت ( بحبِّكْ) بالمختصر المفيد؟!! شو ضامن لك بعد كم يوم أنو ما يشوف وحدة تانية ويحس حاله بيحبها ويروح يقل لها كلمته المعروفة( بحبِّكْ)

،وهاد الشي بيصير لأنو ببساطة الزلمة ما بيعرف ألله وين حاطُّه، وباستنتاجي وذكائي سأكتشف أنه بالتالي لن يعرف من هو الآخر الذي يبحث عنه، بل وإنه سيمضي طاحشاً في ملحمة البحث عن الآخر وهو من الداخل تائه وضائع ضياع العبرانيين في صحراء سيناء، وسيقابل الثالثة ويفغر فاه أمام حضورها الأخاذ ومنطقها الشفّاف ومبسمها الألماس وقدها الميَّاس، ويقول في نفسه التي لم تعد نفسه بعد أن تاهت في الظلام، والله هذه هي التي أحبها، وهذه هي التي كنتُ أبحث عنها طيلة عمري، بل وإنك تقرر أن تتخذ قراراً بالزواج منها، وبالتالي وباستنتاجي وذكائي سأعرف أنك ستقول لها كلمتك الشهيرة( بحبِّكْ)، وتدخل في معركة التخلص من الأعباء، وتدخل في صراعات لمحو آثار جريمتيك السابقتين، وتبدأ قصة حبك الخالدة وسط صنوج وصليل حروبك السابقة في ميادين الحب والغرام، ولو ماأنت أمير الغرام وفارس من فرسان العشق الصافي الزلال، لكن ما الذي سيضمن لك أنك لن تمضي عن حبك الخالد كما مضيت عن حبيباتك الخالدات قبل ذلك، يعني خلَّدت الوحدة منهم معك شهر أو بالكتير شهرين، وهي تبع الشهرين تعتبر معمِّرة في حياتك، وتتوه في متاهات النسوان، وتدخل في معركة وتخرج من معركة، وكلها معارك بتهز الأبدان، لكنها لا تهز الوجدان، فوجدانك مختبئ في قرارات نفسك، رقيق وهش وضعيف لا يقوى على مقارعة أوغاد هذا الزمان، لذلك فإنك تخبئه كي تحميه من المشرانية وأولاد الحرام، ولكنك وعلى الرغم من أنك طيب ومحب للخير وحساس، بل وإنك صديق للناس، لأنك صديق للجمال، ومعجب بعالم النساء الفتان، لكنك يا صديقي لا تجرؤ على إظهار وجدانك، خوفاً من العين والحسَّاد، لكن لا تخف يا صاحبي، فعين الحسود فيها عود، وأحياناً بنحط لك فيها فرقة من الكمنجات وبيانو وكونترباص ودربكات، أظهر ذاتك الحقيقية وبان، وتقدم بين الفرسان، وادخل عالم الغرام وأنت تحمل هويتك معك، وشخصيتك، وإعلانك، فيكون من أمر البنات، أن يعرفوا ما فيك من علات، قبل أن يكتشفنها في الأسبوع الثاني من الغرام، فيا أمير الغرام، قف لحظة مع ذاتك، ثم زجها معك، فترى مشاعرك النبيلة وهي تفيض وتستفيض، تعطي وتأخذ، تسقي وتشرب، تجعل من الناس أجمل، ويجعل الناس منكَ أجمل، فهل هناك ما هو أجمل."

٢٨‏/٠٧‏/٢٠٠٨

ابحثْ عن ذاتك


"ولكن صاحبي اللي بأول طلعته لم تعجبه صيغة الأمر في العنوان، ثم قال بأنو المكتوب مبين من عنوانه، وأجاب بأنو يا أخي كيف سيبحث الإنسان عن ذاته، وبعد ذلك يبدأ بالبحث عن الحب، يعني أنت ما بتعرف أنو البني آدم أله قلب، وأله عواطف، وأنو بالتالي بيحتاج إلى شريك كي يكون معه في رحلة البحث عن الذات؟!

وكان أنه أفحمني، ولكنه في مجال ليس مجالي اقحمني، ورأيتُ نفسي أردد كمن يجاكر لا كمن يناقش أنو يا أخي بس أنتم عملتم من البحث عن الحب قضيتكم الأساسية ونسيتم أنفسكم، وتابعت بعد أن أعجبتني جملتي الإرتجالية قائلاً لا فض فاي أنو وبعدين لسه الواحد منكم عم يرسب بالبكلوريا أربع سنين دون أن تكون البكلوريا همه الأول بل إن البحث عن الحب هو الأول وغيرها في المحل الثاني، ورحنا عالمحل التاني، وسألناه إذا كان في عنده موبايل عمومي مشان نبعت مسج لحبيبة الروح من دون ما تعرف مين أنا، وقلتُ بعد ذلك بأنو يا حبيبنا عم يضل الشاب عنا كل عمره عم يبحث عن الآخر، وبعد ما يموت رح يوجه له الملاكان المعروفان السؤال التقليدي الأول: من أنت؟!.. سيفاجئه السؤال، فهو الذي كان ينتظر أن يسألاه عن ذنوبه وأخطائه وجرائمه وارتكاباته، فإذا بهما يسألانه عن نفسه ومن تكون، من يكون؟!.. يا إلهي .. ما بعرف.. من أكون.. من أنا.. يا جماعة اللي شايفني يقل لي مين أنا.. حدا ينقلني أول سؤال يا شباب.. أنت أبو الجمجمة المربعة .. بتعرف مين أنا زكات أمواتك؟! فيرد عليك ذو الجمجمة المربع أنو ما بيقدر يلتفت لورا ليشوفك لأنو بيخاف تنقرف عضام رقبته، ويطلب منك أن ترفع صوتك كي يتعرف عليك من صوتك، ولكنك لا تستطيع أن ترفع صوتك، لأنو في مراقبين للامتحان يا حبيب، وما من طبيب، كل مين بيروح من كيسه، وينصحك أحد ما خلفك وهو ينكشك بسلاميات أصابعه سابقاً أن تكتب عن أي ممن تعرف أحسن ما تسلِّم الورقة فاضية، ممكن تاخد ولو شوية علامات، فسألت نفسك: أبي من يكون؟!.. ولكنك لا تعرف.. لم تجلس معه كثيراً.. لم تتحدثا.. لم تتبادلا الأفكار.. كنتما كالفتيل والنار.. لا تلتقيان إلا للشجار من طرف واحد طبعاً.. من طرفه.. لم تعرف سوى صوته العالي.. وعندما كان يهمس كنت لا تسمعه، لا .. بلاه أبي .. ما بعرفه، أمي من تكون؟!.. أمي الحنونة اللطيفة الحبابة .. إي وبعدين.. كل الأمهات هيك.. أنت أمك شو؟!.. أمي .. أمي .. ولي .. ما بعرف شي غير دمعات الحزن والفرح تبعها وزلاغيطها وحنانها وبس. بصراحة يا معلم.. أنت اللي نكشتني من ورا .. ما بعرف أمي، طيب أخوك من يكون؟! أختك من تكون؟! ما بعرف. طيب جارك من يكون؟!.. ما بعرف يا معلم.. بصراحة ليش ما عم تسألني عن شي بعرفه منيح كتير، وبعرف أكتب عنه منيح كتير، ألا وهو: حبيبتي من تكون؟!."

٢٧‏/٠٧‏/٢٠٠٨

لا تبحث عن الحب


"ما إن يصل الطفل عندنا إلى سن المراهقة حتى يصبح الحب مشكلته إلى أن يموت، فترى الشلاليف الجدد يجوبون الشوارع والآفاق بحثاً عن الحب، وترى جحافلهم في الشعلان والحمرا والغساني وما يعادلها من أسواق وشوارع في باقي المحافظات، وعيونهم تبحث عن الحب، عن عيني فتاة تبادلهم النظرات، وكذلك تبحث الفتاة، يؤرقها الحب،

وأخيراً بيمشي الحال، وبنشوف العينتينتين على مقعد في الجنينة يفصفصان البزر ولا يرميانه على الأرض، لأنو ما بعرف ليش العشاق أكابر عادة بيكونوا، بس لو كان نفس الشاب قاعد مع رفقاته الشباب عينك ما تشوف قشر البزر وقشر الموز وقشر البطيخ بالأراضي، المهم خلونا بالعشاق اللي بيتركوا بعض لأنها شافت واحد أحسن منه وأوعى منه وأكبر منه، ولأنو هو راح على الخليج ليكوِّن نفسه، ذلك أن تكوين النفس عنا صار معناه تكوين مصاري، ورجع هو يبحث عن حبه الخالد، ورجعت هي تبحث عن حبها الضائع، وبتقول لحالك هلأ بيكبروا هالشباب والبنات وبيبطلوا يبحثوا عن الحب، بيهدوا وبيكنّوا، ما في أمل، البحث عن الحب جار على قدم وساق، هو يبحث عن ملكة الجمال الخارقة الحارقة المدمرة واللي بطريقها رح تظبط له أموره المادية لأنو بالصدفة رح يكون أبوها مليونير، وهي تبحث عن الفارس المقدام اللي جلده مليان مصاري، وبيحبها وبيموت على صرمايتها، وفوق كل فضائله ومزاياه حمار، يعني عز الطلب، حمار معبى ببنطلون، ويبحثون ويبحثون ويبحثون، يصلون إلى حواف قبورهم وهم ما زالوا يبحثون عن الآخر الذي سيخلصهم من واقعهم المرير وهزائمهم المريرة، يموتون وهم يبحثون عن ذلك الآخر المنقذ المخلِّص، يبحثون في كل مكان، يبحثون في الجامعات والمؤسسات الرسمية والمؤسسات الخاصة والجامعات الخاصة والمطاعم والكازينوهات والحارات الشعبية منها والراقية والوسط، يبحثون في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب، ولكنهم لا يجدون شيئاً، يبحثون في كل مكان، وهم لا يعرفون أن الحب ما بيجي غير فركشة، ودائماً ما يأتي على شكل حفرة عميقة أو مطب مفاجئ، فهل سمعت بحياتك عن شخص يبحث عن حفرة ليسقط فيها، أو عن مطَّب يرميه خمسين متراً لقدام مع نترة كهربائية، الحب يأتي لوحده، يأتي لطيفاً ورقيقاً وعنيفاً ومفاجئاً، وما إن تقع فيه حتى تكتشف أنك صرتَ في الجورة، وأنو يا ريتك تطلع، وبس تطلع بتصير بدك ترجع، ولوين، عالجورة، يعني شغلته مو سهلة هاد الحب، ووقعته مو وقعة، وستنط صبية رومانسية وتقول لي أنو وين المشكلة إذا الشباب بحثوا عن الحب؟!!.
المشكلة يا صديقتي هي أن الشباب يبحثون عن الحب كأولوية، البحث عن الآخر أصبح أولاً، بينما لا أحد يبحث عن نفسه، لا أحد يبحث عن ذاته، لا أحد يتوقف مع نفسه ويسأل نفسه ما الذي يريده وما الذي يجب أن يقدمه لنفسه ولأهله ولبلده وللبشرية بالنتيجة، فإذا ما كانت الذات ضائعة فهل تتوقعين منها أن تعثر على الحب!!."

٢٥‏/٠٧‏/٢٠٠٨

ملاحظات


"للأم ملاحظة على الولد لأنه لم يغسل يديه قبل الطعام، وللولد ملاحظة على الأم لأنها لم تضع«قمطة»على رأسها وهي تطبخ، وللأخت ملاحظة على أختها لأنها جلست على كرسيها، وللأب ملاحظة على الجميع لأنهم لم يصلوا في الوقت المحدد إلى المائدة، وللجار ملاحظة على جاره لأنه رمى الزبالة في الشارع، ولعامل !.
التنظيفات الأنيق ملاحظات لا داعي لذكرها.
للقطط ملاحظة على أكياس الوسخ الخالية من الدسم، وللبشر ملاحظة أن القط أكال نكار، ولسائق التكسي ملاحظة أن الركاب بخلاء، وللركاب ملاحظة أن السائقين جشعون، وللطلاب ملاحظة أن الأساتذة لا يوصلون المعلومة جيداً، وللأساتذة ملاحظة أن الطلاب لا يفهمون، للمسؤول ملاحظة على المسؤول الذي قبله، وللمسؤول الذي قبله ملاحظة على المسؤول الذي قبله، ولكل المسائيل ملاحظات على كل المسائيل، للمدرب الأجنبي ملاحظة على لاعبينا، وللاعبينا ملاحظة على المدرب، وللمترجم ملاحظة على الطرفين، للممثل ملاحظة على المخرج، وللمخرج ملاحظة على الممثلة، ولأم الممثلة ملاحظة على مدير الشركة، ولصاحب الشركة ملاحظة على مدير الإنتاج، وللكاتب ملاحظة على المخرج، وللشاعر ملاحظة على الجمهور، وليس للجمهور ملاحظة على الشاعر لأنهم لا يعرفونه أصلاً.
للكلب ملاحظة على العظام، وللعظام ملاحظة على الأسنان، للفم ملاحظة على الطعام، وللطعام ملاحظة على الجيب، وللجيب ملاحظة على الخياط، وللخياط ملاحظة على خصر الزبونة، ولخصر الزبونة ملاحظة على القشاط، وللقشاط ملاحظة على أجساد الأولاد، وللأولاد ملاحظة على الجار النائم وقت القيلولة، وللضيوف ملاحظة على العروس، وللعروس ملاحظة على أهل العريس، وللعريس ملاحظة بعد فوات الأوان.
وللكرسون ملاحظة على الزبائن، ولصاحب المطعم ملاحظة على الكرسون، وللزبون ملاحظة على الصحون، وللصحون ملاحظة على الليفة، ولليفة ملاحظة على شركة المياه، ولشركة المياه ملاحظة على نبع الفيجة، ولنبع الفيجة ملاحظة على نهر الفرات، وللمرحوم نهر الفرات ملاحظة على السدود، وللسدود ملاحظة على الفلاحين، وللفلاحين ملاحظة على العاصمة، وللعاصمة ملاحظة على كم عاصمة.
لأصحاب البيوت ملاحظة على المستأجرين، وللمستأجرين ملاحظة على العراقيين، وللعراقيين ملاحظة على الأمريكان.
للراكبين ملاحظة على شرطة المرور، ولشرطة المرور ملاحظة على السيارات، وللمشاة ملاحظة على الأرصفة، وللأرصفة ملاحظة على الدكاكين.
للمغتربين ملاحظة على الأهالي، وللأهالي ملاحظة على الحظ، وللحظ ملاحظة علينا جميعاً، ويلعن أخت هالحظ، طلع ما عنده ملاحظة غير علينا، ملاحظين هالشي؟"

٢٤‏/٠٧‏/٢٠٠٨

حبّ حبّ


"حدث أن التقى بها فأحبها، وحدث أنها أحبته.. أقصد ما زالت هذه الأشياء تحدث، يحدث صديقه عنها ويترجاه بل ويتوسل إليه أن يدبر له فرصة للتعرف إليها، لا يبقى مقهى أو باب لا يمضي إليه على أمل اللقاء بها بالصدفة وإرسال بعض النظرات النارية، وهناك نساء يسحبن أينما ذهبن عدداً مهولاً من المحبين والعشاق خلفهن، فترى الأنظار متجهة إليهن والقلوب.

يحفى الشاب خلف الفتاة ويحفى صديقه عبد السلام النابلسي خلف محاولة تدبير فرصة للتعارف، والبنت تنتظر، فهي لا تحب أن تبادر -مو حلوة بحقها- بل وتعتقد أن قيمتها بتروح، وتقتنع الفتاة أن تبادر أخيراً لأن صاحبنا ما دبر حاله وتحكي لصديقتها عنه فتقوم الأخيرة بلعن سنسفيل أجداد المحبوب الولهان واتهامه بالنصب والاحتيال وغيره من المهن الرفيعة المستوى فترتد المعشوقة وتتوقف وتعد للعشرة بالإنكليزي طبعاً ولكنها لا تنساه فقد دخل إلى القلب، تمضي إلى الأماكن التي تتوقع أن تراه فيها، تبحث عنه في الطرقات، في المقاهي، تجده.. تتردد.. ترتبك ولكنها تجلس ووجهها له، أما صاحبنا فأنتم تعرفون أنه أصبح منتهياً في هذه اللحظات، وبدأ قلبه يرجف وركبه تتراقص وحلقه ينشف، يتصل بعبد السلام النابلسي كي يأتي ويشيل كتف عنه، المقهى كله ينتبه إليهما، إنهما في لحظة الذروة، ذروة الحب، ذروة الترقب، فالناس لها حصة من الحب، وكلما تدخل الناس أكثر في قصة الحب تصبح القصة أعظم، فاللت والعجن والدس والشلي والطعن بالظهر والتخاذل وانكشاف نذالة المقربين من ضرورات الحب، فهل يمكن أن تكون هناك قصة حب بدون شخصية 'النس' الحقير العوايني، إنه يضفي الإثارة على القصة ويشهرها، ويعرض البطلين إلى الأخطار، ويمنع أهل الفتاة ابنتهم من الخروج، لقد انكشف أمرها، نعم.. علم أهل الفتاة بأنها تحبه قبل أن يعلم هو، بل إنه إلى حدّ الآن لم يعلم، علم الأصدقاء والمقربون ولكنهم لم يقولوا له، استكثروا عليه أن يعرف، انحبست البنت.. كلف صديقه النابلسي بالبحث عنها، وجاءه الخبر اليقين، فبدأت رحلة جديدة من الانبحات والتذلل، ويصبح شارع بيتها مزاراً له ولسيارات أصدقائه، وبات عليها أن تنتظر كل يوم مساء موكب السيارات الصديقة وهي تمر في الشارع متحدية أهل الحارة وأهلها بقوة الحب.
يطلب يدها فلا يوافقون على استقبال طلبه من أصله، فيكبر الموكب، ويكثر المتدخلون الطيبون منهم والأشرار، وأخيراً ينتصر الخير ويوافق الأهل، يلتقي الحبيبان، ويتزوجان، ويمضيان إلى شهر العسل.
وعلى اعتبار أنني كنت عبد السلام النابلسي العاشق، وأنني عملت كثيراً كي أجعله يظفر بمحبوبته، وأنه كان يبكي على صدري كل ليلة سألته عن حاله وأحواله فنظر إلي بقرف وقال لي «بها المقبرة»، سألته «أي مقبرة»؟.. قال لي «الزواج»‌ ؟!.."

٢٢‏/٠٧‏/٢٠٠٨

الحلقة الأخيرة


"ها هو التلفزيون العربي العجيب يبثُّ لكم الحلقة الأخيرة من المسلسل التركي وفيه تشاهدون:
لميس في حالة طلق، والجميع يهرعون لنقلها إلى المشفى، وبعد تعذُّر إيجاد سيارة بسعر رخيص بسبب الفقر الذي تعاني منه عائلة لميس المفلسة، وبسبب تذكُّر عمر أنه لا يملك ثمن التوليد في المشفى، فقد قالت لهم لميس أن يتَّصلوا بيحيى، وبالفعل تمَّ الاتصال بعد استعارة موبايل ابن الجيران الذي لم يسمح لهم بأكثر من المستر كول، ورنَّ موبايل يحيى رنة وحيدة، ولما فتحه وجد جملة شهيرة مكتوبة على الموبايل ( مكالمة لم يرد عليها)، فلمعت عيناه خوفاً على لميس، مع الرقم المجهول، لأنو رقم مردغان ابن الجيران،

ويرنُّ موبايل مردغان الذي ستكون نغمته بالصدفة نغمة سنوات الضياع، وستفتح لميس الموبايل وهي تتوجَّع وتصرخ وا زهيراه بالغلط، فهي كانت تريد أن تصرخ ويحياه، ولكنها لاقت صعوبة وهي في وضعها المؤلم الصعب بلفظ اليايات ورا بعض ففضَّلت اسم الممثل السوري المدبلِج زهير درويش بشكل عفوي، فردَّ عليها زهير ( ديبِك أنا يا لميس)، وبسرعة البرق كانت سيارات فخمة من سيارات التوليد الموضعي مزروعة أمام باب البيت الفقير، وبسرعة البرق كانت لميس محمولة على النقالة بين أروقة مشفى يشبه قصر يلدز إلا نتفة، وكانت هالة خانم خلفها ملهوفة ومرعوبة بكامل مكياجها وأناقتها، وفي نفس اللحظة حدث أمر مهم، فلقد دخلت نقالة أخرى على الخط سببَّت عرقلة مرورية لنقالة لميس، ولقد تحرَّينا عن أمرها، فإذا بها نقالة نور، وهي في لحظات الطلق أيضاً، وعلقت بين الطرفين، جدو يقول لهالة خانم إنو الغرفة محجوزة لنور، وعمر يردُّ بأنها للميس، ويتدخَّل العقلاء، ويتبادل الطرفان الغرف، فتدخل نور إلى غرفة لميس، وتدخل لميس إلى غرفة نور، ويأتي مهند مسرعاً لاهثاً ليدخل إلى غرفة نور، ولكنه يشاهد فتاة جميلة اسمها لميس وبالصدفة ستكون وحدها، لا طبيب، لا ممرضات، لا أم ولا أخوات، وستكون لميس ممغضة العينينِ، ولكن عاقدة الحاجبينِ، فيقع مهند في غرامها ويقول لنفسه: العمى على هالوقعة يا مكسيم.. عفواً يا مهند.. حبِّيتها!!.. وتأخذ الكاميرا لقطة للأهالي في الخارج، فنشاهد السكرجي جميل وهو يحاول أن يخطب ودَّ ابنه الصغير دون جدوى، بينما صالح يرمقه بتلك الزَورات الحاقدة والطيبة بآن معاً، ويسحب الولد إلى بساطه متوتراً، وفجأة يدخل يحيى متلهفاً ولكن بثقة وثبات، ويدخل إلى الغرفة التي ترقد فيها لميس، يغلق خلفه الباب، يدخل.. فيشاهد نور وهي نائمة، فينظر إليها تلك النظرة العميقة إياها، ويقع في غرامها على أنغام سنوات الضياع، ونمضي إلى مهند فنرى على وجهه ذكريات نور وعذابه معها وحقارتها وخاصة علاقتها المشبوهة مع المرحوم الله لا يوفقه عابدين، فيقع في غرام لميس أكثر، بل وينسى ابنه القادم لأنو مو ابنه بل ابنه لهداك الحقيرعابدين الله يرحمه، وتساور ذات الشكوك صدر يحيى ويعتقد أنو الولد ابن تيم النذل، ويغوص في حب نور أكثر، إلى هنا تنتهي الحلقة الأولى من الحلقة الأخيرة، فإلى يوم الغد لمشاهدة الحلقة الثانية من الحلقة الأخيرة، وعلى شعبنا المشغول بيحيى ونور ولميس ومهند... السلام."

الحلقة الأخيرة الثانية


"أما ما كان من أمر هالة خانم وجدُّو أنهما بدأا يدردشان، وعلى بعضهما البعض يتعرَّفان، بينما دخل إلى المشفى التافه تيم وهو يصرخ كي يشاهد ابنه الذي من لميس، وبعد قليل دخل عابدين بعد أنه كان ميتاً، وهو يرتدي آخر صرعة من صرعات الأكفان، قال شو طلع مو ميِّت، بس أولاد الحلال دفنوه .

ليخلصوا منه، لكنه استيقظ من غيبوبته في القبر بعد شهور طويلة، وأحسَّ بأنو نور ستضع مولودها الذي هو ابنه كما يدَّعي، وصارت شوشرة بالمشفى، ولكن الجميع التزم الصمت احتراماً لحالة الانتظار، واحتراماً للمواليد الجدد الذين سيكونون أبطال الديجيتال في الحلقات القادمة من المسلسل العجيب، وبقي مهند واقفاً على راس لميس حتى فتحت عينيها فوجدته كالقمر المصوَّر اسم الله عليه، أحلى من حكيم المرزوقي بمليون مرة، بس مو أفهم منه، فقالت في نفسها بأنَّ هذا هو حبُّها الضائع الذي كانت تبحث عنه منذ زمن طويل، وبدأا يتحدَّثان، ومن بعضهما البعض يقتربان، بل وإنهما شبكا الأيدي وتعانقا، ونمضي إلى غرفة نور لنرى يحيى يعانقها وهو يبكي وكذلك نور، إلى أن دخل الأطباء هازمو الملذات ومفرِّقو الجماعات وقرَّروا إخراج يحيى لكنه أصرَّ على البقاء، وبقي يحيى في غرفة نور، كما بقي مهند في غرفة لميس، بينما تعالت أصوات العراك في الخارج بسبب تواجد الأشرار، وخرج الطبيبان وخلفهما الممرضات، فتوقَّف الجميع عن الشجار، وقال الطبيب تبع لميس: مبروك إجاكم صبي، وقال الطبيب تبع نور: مبروك إجاكم صبي أنتو كمان، وزغردت النسوان، وهاج الشريران، ودخل تيم إلى غرفة لميس كي يطرد يحيى خارجاً ولكنه وجد مهند، ففات في الحيط، ولم يعد يعرف ماذا يفعل، ولكنه صرخ : ابني ابني، وكذلك حدث مع عابدين الذي انفلج عندما شاهد يحيى عوضاً عن مهند في الاسم المفرد، ولكنه صرخ صرخة مواتية على اعتباره لابس الكفن: ابني .. ابني، وعلقت يا شباب، واشتغل طرق الكف بالمشفى، وبدأ مهند يدافع عن لميس وهو يضرب الشرير تيم، وكذلك فعل يحيى، ثم دخل الأطباء من جديد، ودخلت شرطة المشفى، وبعد أن عرض الشريران المشكلة أخذ الأطباء الولدين، وأخذوا عينات من مهند ويحيى وتيم وعابدين، وعملوا فحص DNA للولدين، ويا لهول المفاجأة، فقد طلع ابن لميس هو ابن مهند، فزغردت لميس وهي على تخت المشفى، وطلع أبن نور هو ابن يحيى، فزغردت نور مع أنها بنت ستايل ما بتزلغط، وانسطل عابدين وكذلك تيم، بينما كانت هناك قصة حب تنمو في المشفى بين جدُّو وهالة خانم أدَّت إلى حضور المأذون من مصر لكتب الكتاب، وبطريقه كتب كتاب مهند على لميس، ويحيى على نور، ونور عليكم يا أهل النور، ووداعاً نور ويحيى ومهند ولميس، وإلى اللقاء في رمضان، مع بطيحان وفليحان وعليَّان"

٢١‏/٠٧‏/٢٠٠٨

عامودا بلد المليون شاعر


"هي بلد المليون شاعر مع أنَّ عدد سكانها لا يتجاوز العشرين ألفاً ربما أو أكثر أو أقل، فعامودا بلدة، ناحية، وأنا لا أعرف عدد سكان البلدات والنواحي بالظبط، لكنك تستطيع أن تقدِّر عزيزي القارئ، لكنك لن تصل في تقديراتك إلى المليون، فلو توالدت عامودا وتناسخت فهي لن تصل إلى هذا العدد من السكان، لكنها بلغته ببساطة عند تعداد شعرائها، لا شكَّ بأنهم مليون، إنهم كثر،

ويقولون في الأسطورة العامودية إنَّ الصف العاشر شعبة أولى كلهم شعراء، من شاطرهم إلى كسلانهم، ويقال إنهم جميعاً يحبُّون فتاة واحدة من الشعبة نفسها، لكن الظروف نقلت الفتاة من الشعبة الأولى إلى الشعبة الثانية فتحوَّل باقي الطلاب من العاشقين إلى شعراء جوَّالين، ويقال إنهم نسيوا الفتاة وانهمكوا بالأشعار، وبعد ذلك تفرع طلاب الصف في فنون الكتابة فكتبوا القصة والرواية والمقالة والمسرحية إلى ما هنالك من فنون الكتابة، أما الذين لم يدخلوا المدرسة، ولم يتعلموا الكتابة والقراءة فقد أصبحوا مطربين، ، إلا أنَّ مدرستهم أنتجت مطرباً رقيقاً وجميلاً اسمه شيدا، وتابعت طريقها في عوالم الكتابة والشعر، وتابع شعراء عامودا المسيرة على الرغم من أنَّ أهالي عامودا مشهورون بعرقلة السيارات، فمشاة عامودا يمشون في منتصف الطريق حصراً، لا على الرصيف بالتأكيد، فإذا زمَّرت لهم السيارات تراهم يستغربون، لكن مدرسة الشعر لم تتعرقل رغم زحمة الشعراء، ومعظمهم من المشاة، فكتب الشعراء عن الحبيبة شيرين وأحياناً بروين وأحياناً نسرين، وكتبوا جميعهم بالتأكيد عن المجنون نوافو الذي سمى نفسه في العصر الماركسي لعامودا بهاوار أو الصرخة، والذي يمشي بلباسه العسكري الفرنسي في الشوارع وعلى صدره أوسمة بعدد شعراء عامودا، كما كتبوا بالتأكيد عن سينما عامودا التي احترقت وكان روادها من أطفال المدارس، كتبوا عنها مئات القصص والروايات والمقالات والأشعار، ولم ينسوا أن يكتبوا عن الفقر، وأن يكتبوا ضد الظلم، وكتبوا بالتأكيد عن بعضهم البعض، فجامل بعضهم بعضاً، وقاتل بعضهم بعضاً، ومدح بعضهم بعضاً، وذمَّ بعضهم بعضاً، ثم وسَّعوا من أعمالهم فامتدوا إلى القامشلي، وهناك تعرَّفوا على أصدقائهم من الشعراء، ثم جاء بعضهم إلى حلب، وجاء بعضهم الآخر إلى الشام، بل إنَّ بعضهم ذهب إلى اللاذقية، وبعضهم راح إلى بيروت، وكتبوا عن كل المدن التي زاروها، لكنهم لم ينسوا أن يقارنوها بعامودا، وذهب بعضهم إلى ستوكهولم والآخر إلى كوبنهاغن والآخر إلى سان بيتربورغ ولكنهم ظلوا يكتبون عن عامودا، لم ينسوها، لم ينسوا الكتابة عن نوافو، ولم ينسوا الكتابة عن السينما المحترقة، كما أنهم لا ينسون كل عام أن يكتبوا عن تلك الفتاة التي نقلوها من الصف العاشر شعبة أولى إلى الشعبة الثانية، التي اسمها أحياناً نسرين، وأحياناً بروين، وأحياناً شيرين ."

٢٠‏/٠٧‏/٢٠٠٨

بهادل المعلِّم


"حكينا عن الضجة والضجيج وحركة الإعمار التي قلنا إنها على راسي فإذا بها تأتي وتدير عجلاتها فوق رأسي، وبالمناسبة فهي ما زالت على راسي يعني ما زالت تئزُّ وتهرُّ وتجعر على رأسي، ولكن ما حدث اليوم كان مدهشاً في تطوراته وتطورات عبوديتي لهذه الورشة الإعمارية فوق رأسي، فبعد أن جلستُ سادّاً أذني بسبب الصاروخ العابر للقارات الذي يبخش جدار الصوت فوقي،

سقطت قطعٌ من جدار الصوت إلى الأسفل وكاد بعضها أن يتسبَّب بشج رأس بنت الجيران، وهنا هبَّ شباب الحارة عن البنية مدافعين، وبجدار الصوت الذي ينهار مندِّدين، وبعد أن تمضي الفتاة يقفلون إلى أعمالهم راجعين، ويهدأ الضجيج فوقي، فأهرع إلى أعمالي بشغف، لكن صوتاً ناهراً هادراً حارقاً مدمراً يجمّدني في أرضي، إنه صوت المعلم تبع حركة الإعمار فوقي وهو يبهدلُ الصانع، ويبدأ معه بشو ما بتفهم أنت وما بتعرف أنو في خلق وعالم تحت، ومروراً بشو أنت بهيمة مخك ما بيجمِّع ولا بيفرفط ولا بيفكفك ولا بيظبِّط، وانتهاء بيا حيوان انتبه لما بتشتغل، ويبدأ الحيوان بالانتباه، ويبدأ بالحديث مع نفسه لأنه لا يستطيع أن يتحدَّث مباشرة مع المعلم، فهو سيفقد العمل، وساعتها سيتذكَّر كيف كانت زوجته تردح عليه وتفتح حلقها اللازوردي بوجهه وتبهدله بهدلة الكلاب، وتبدأ بيا ابن القطقوطة وتنتهي بيا كاتبنا ضب قلمك وضب ورقتك لأنو اللي بدو ينقال لا بينكتب ولا بينطبع ولا حتى ممكن تسمعه الآذان، فيهدأ الصانع ويقول في نفسه أنو بهدلة المعلم بتطلع مجاملة قدام بهادل مرته، بل وإنه يهرع نحو المعلم شاكراً إياه على الملاحظات التي أعطاه إياها قبل قليل، كنوع من العرفان وردِّ الجميل، ويعود الضجيج، وتعود حركة الإعمار، ويصمتُ كاتبنا اللطيف عن الكلام السخيف، وتعلو قوة الطرقات، ويسقطُ حجر من جدار الصوت اللي فوقي إلى أرض ديار بائع الزهور الأنيق، وتجفل الوردات المنقوعات ببرميل السيروم المائي بانتظار الزبون الذي سيبتلي بها ويشتريها وهي تدندن يا ورد مين يشتريك، ويخرج بائع الورود الذي كان يبتسم لزبونة في هذه اللحظات وهو يقدِّم لها الزهرات ويصرخ مندِّداً بأخت وأم حركة الإعمار، ولكنه ينتبه إلى أنَّ هناك فتيات، فيبدأ بالردح الملتزم البنَّاء الذي لا تشوبه شتائم، ويلتمُّ الجيران ليساندوا عمي يا بياع الورد قوللي الورد بيش، بينما يتابع البياع الوردي سيمفونية التنديد والاحتجاج، يمدُّ المعلم رأسه وعوضاً من أن يوجه كلامه لبياع الورد فإنه يبهدل الصانع ويصفه بأقذع الأوصاف، ثم يغمزه ويرقعه كفاً مثل فراق الوالدين، ويصعق الصانع لهذا الكف المفاجئ، فالمسافة بين الغمزة والكف كانت معدومة تقريباً، ويمكن أجت الغمزة والكف مع بعض تماماً، حتى إنَّ العارفين يقولون إنَّ الغمزة مع سفقة الكف هي عادة المعلمين لكي يشعر الصانع بأنَّ المعلم شخصياً يتواطأ معه ويتآمر معه، وفي هذا شرف كبير للصنَّاع، فكم من مدير سمعتَ وهو يتفاخر بأنَّ الوزير الفلاني بهدله، وكم من موظف تسمعه يتباهى بأنَّ المعلم يداعبه ويرفع الكلفة معه ويقول له يا حيوان، وكم وكم، لكن المهم هو أنو الكل رضي، والكل انبسط، الجيران لأنو المعلم بهدل الصانع الحيوان، والمعلم لأنو الجيران هدأت أحوالهم، والصانع لأنو الحمد لله انقضت بكف وما انتهت بالتقليع من الشغل والعودة إلى أحضان الزوجة الحنونة."

١٨‏/٠٧‏/٢٠٠٨

وانعقد اللسان


"وصعدنا في التكسي يا ابن الحلال، وطبعاً ما انتظر الشوفير السوري المشهور أن أضع حزام الأمان، بل انطلق في سباقه الخيالي مع إشارات المرور والسيارات المعادية وهو يقول لي أن أضع الحزام، وبحثنا عن هي الشغلة الحمراء كالعادة، ولاقيناها كالعادة تحت كاسة الشاي، واستغربنا كيف أنو رغم الزيكزاك، فإنَّ كاسة الشاي تبقى
على حالها، ولا تفقد نقطة منها، بينما أذهب يميناً وشمالا بعد أن قبضتُ على القطعة الحمراء التي سأضع فيها شبه السهم الفولاذي وأجمعهما بالحلال، ولكن حبل شبه السهم الفولاذي لم يقبل بالمجيء معي لعند القطعة الحمراء، ربما لأن الفولاذي ما بده إياها للحمراء، وشدينا يا شباب وشدينا، لكن دون جدوى، وسألنا الشوفير عن المشكلة التي قد تتحول إلى مصيبة إذا ما لقطنا عمو الشرطي أو العينتين الساهرتين كما يقولون عنه في التلفاز، فقال لنا الشوفير أنو يمكن الحزام أو الحبلة علقانة بالباب، فتحنا الباب، وسكرنا الباب، لكن الحزام بقي حروناً، والسهم الفولاذي بقي في مكانه مركوناً، واعدنا محاولة فتح وتسكير الباب بنفس اللحظة اللي كان عمو الشرطي العينتين الساحرتين قد نظر فيها إلينا بعين كعين الصقر، الذي يبحث عن أرنب لم يسمع كلمة أمه وراح عالبستان، وصفَّر لنا، وتوقفنا، ولما رأى حزامي مو على هامي ابتسم، وقال لي أن أعطيه هويتي، وسألني بطريقه عن اسمي ولكنني أعطيته الهوية، وقرأ اسمي على ما أعتقد وقال لي: حضرتك نعمان؟!.. فقلتُ له مصححاً ومتنحنحاً: لقمان يا أخي لقمان، فنظر إلي وقال: يعني أنت مو نعمان؟!.. فقلتُ له: لا والله للأسف.. أنا لقمان، فاستغرب ونظر إلي متفحصاً ثم قال: طالما أنت لقمان ليش عم تعطيني هوية نعمان؟!.. فقلتُ له ودمع العين يغرقني: أنا لقمان.. والهوية كمان للقمان، مين قال إنها لنعمان؟!.. فعاود النظر إلي مستغرباً، وساعدته بأن شعلت له القداحة لتضيء معالم الهوية فربما يكون الظلام هو السبب، وبالفعل فقد ضحك عندما اكتشف فعلاً أن اسمي لقمان وليس نعمان، ثم أمرني من بد أمري أن أذهب معه إلى المخفر كي أدفع المخالفة، فقلتُ له إنَّ الحزام عطلان، فحدجني الشوفير بنظرة ما أنزل الله بها من سلطان، وجربنا شدّ الحزام أمامه، والحمد لله أنه لم يخجلني كما يحدث في الأفلام، وبقي صامداً لا يتزحزح، وأضحى موقف العينتين الساهرتين حرجاً، فلقد طرتُ من بين يديه بكل سهولة، ثم كان حبَّاباً معي وحلق لي عالسريع بعد أن أعطاني هويتي، وضحكنا أنا والشوفير على هالسوء تفاهم، ووصلنا، وهممنا بالدفع فوجدنا العداد قد تدوبل بسبب الوقفة تلات مرات، ولكننا دفعنا المعتاد، إلا أنَّ الشوفير أصرَّ على العدّاد، ولما حاولنا نفهمه أنو المشكلة مشكلة حزام الأمان تبعه، أصرَّ على عدم الفهم، وأصرَّ على النظام، وعلى الدفع حسب العداد كما في بلاد بني فهمان، ولكي أكسر الشرَّ دفعت له علاوة على ما هو معتاد، ونزلتُ مسرعاً من السيارة وهو يقول لي محملاً إياي كل المنّيات الممكنة: تكرم عينك أستاذ نعمان."

١٧‏/٠٧‏/٢٠٠٨

الغرباء


"غرفتان صغيرتان
وحمام
ومطبخ عاثت فيه الخادمات طويلاً..
* * *
شرفتان واسعتان
إحداهما تطلُّ على قاسيون
والأخرى على دمشق

* * *
غرفتان صغيرتان
وسرير نجلس عليه
بينما “حكيم” على الكرسي الأبيض
دائماً تفتحين النوافذ
ودائماً أغلقها
كي أغمض أعين الجيران
* * *
ثم جاءتا.. ابنتاي
واحتلتا السرير
فجلسنا جميعاً على الكراسي البيضاء
واستعرتِ من ابنتكِ البعيدة
ثلاث حكايات وأغنيتين
وما كانتا لتناما
جاءتا
فامتلأ البيت بالألعاب والشوكولا
وأطعمة الأطفال
كي تحكي قصة للغريبتين الصغيرتين
كنا ننسى القبلات
واستمع بحزن لحديثك عنهما
كنتُ أقف أمام الباب لأعانقك
وهما الآن تعانقانك قبل أن تصلي أمام الباب
* * *
تمضين فأنظر إلى ابنتي النائمتين
وأقرأ على ملامحهما حكاياتك الثلاث
وأنام
* * *
ثم مضتا
دخلت فانقبض قلبك من الفراغ
وحدثتني عنهما حتى الصباح
* * *
غرفتان صغيرتان
هنا لعبة منسية
وهناك بيجاما طفولية مهجورة
* * *
ربطة شعر وحيدة على مغسلة الحمّام
علبة شامبو الأطفال تبكي على الرف
مطبخ..
عاثت فيه الخادمات طويلاً
وبقايا بسكويت وشكولا لا تغري أحداً
* * *
عيناكِ تتساءلان عن طفلتكِ
وأنا أفكر
ماذا فعل بنا.. هؤلاء الأطفال الغرباء


انظر إلى الشمس التي ستبزغ اليوم
انظر إلى البرتقالة أمامك
لوّنها بأيّ لون تشاء
حتى ولو بالأسود
ولكن لا تمنع ضوءها عن أحد
دعها دافئة ومضيئة على الآخرين.. وعليك
ثم وقع عليها كأيّ رسام محترف
لكن.. لا توقِّع بسكين..


يمضي الأصدقاء
واحداً تلو الآخر
وفي أيام متقاربة
يأخذ منك الموت
قليلاً من الدموع
قليلاً من الدموع
والحسرات والأسى
يأخذ منكَ
إطراقة حزينة
مفتعلة أو أصيلة
يأخذ منك
حديثاً طويلاً من الذكريات
مع من مات
وكؤوساً مطروقة ببعضها البعض
يأخذ منك الموت
بعض الوقت
للحزن والبكاء والكلام
ويعطيك الإشارة
لوجود من مات في حياتك .."

١٦‏/٠٧‏/٢٠٠٨

ضجة ضجيج


"واستيقظتُ صباحاً وضحكتُ في عبِّي لأنَّ الورشة التي تعمِّر بيتاً جديداً على السطح فوق رأسي لم تباشر بأعمالها بعدُ، وصنعتُ القهوة، وجلستُ أمام اللاب توب وقرَّرتُ المباشرة بالعمل قبل أن يباشر البناؤون فوقي، وما إن فتحتُ صفحة الوورد يا شباب حتى فتح الصاروخ الثاقب للأحجار حلقه وأزّ، وهدّيت بعد أن كنت متحمساً، ومتّعتُ !!
آذاني الصاغية دائماً بصوت الصاروخ، وطمأنتُ سكان البيت عندي بعد أن نطوا جميعاً من أربعتهم أنو ما في شي مجرد صاروخ، وما إن سمعت الفاميليا كلمة صاروخ حتى ولولت بصوت واحد، فعدتُ وشرحتُ كلمة صاروخ الثقب الذي يخترق جدار الصوت ويبخش الآذان ويقول للغبار العب يا حبيبي العبن ،ويلعب الغبار، فينزل من على السطح ويشرفنا بزيارة صباحية عبر النافذة، دون أن تنفع معه محاولات التقليع المهذبة من قبلنا، وذلك بإغلاق المناخل، فهذا غبار من النوع الناعم جداً، يستطيع الدخول عبر المسامات، فلا تجدي في صده كل المحاولات، ونبدأ بكش الغبار على أنغام الصاروخ العجيب الذي يرسل لنا المزيد من الضيوف الغباريين، نحاول أن نصرخ لكننا نخجل، ونقول في قلوبنا إنَّ جارنا انتظر عشرين عاماً كي يعمِّر هذا البيت الصغير فوق بيته وبيتنا، وبالطبع فهو ليس بيتنا كما نصَّت المعاهدات، فنحن بالآجار، ونعود إلى الجار، فنجد أنَّ الأطفال كبروا، ومع أنو كان حاسب هالحساب من قبل، بس العين بصيرة والإيد قصيرة، والبيت اللي كان لازم يعمره من عشرين سنة عم يعمّره الآن، وفي متله متايل، أجلوا المشاريع عشرين سنة، وطلعوا فيها بوقت واحد، فتتوقف عن أعمالك لتتفرغ لسماع ضجيج الأعمال المؤجلة، وتغلق صوت الموسيقا لصالح صوت الأحجار، وتهرب العصافير من أجل خاطر أصوات المهدّات والكريكات، فيقول لك محدثك الفهمان أنو يا أخي ليش أنت ضد حركة الإعمار؟!.. ويهزني فعلاً السؤال، فلقد شاهدتُ بأم عيني البنايات التي بقيت على العضم عشرات الأعوام في سناتر حلب والشام، وشاهدتُ الحفر الضخمة التي حفروها كي تكون أساسات لمشاريع بنايات، وبقيت الحفر حفراً، ولعبت فيها القطط والفيران، ولم نر لا أساسات ولا بنايات، بل اكتفينا بقراءة اللوحات، التي تشرح لنا ماهية هذه المشروعات، وتقول لي بأنني ضدَّ حركة الإعمار؟!
ونتابع أخبار هذا النهار، فيقول لي جاري بعد أن سمع احتجاجي على ضجيج الإعمار فوق راسي إنه سألني ذات يوم عن رأيي بالإعمار، فكان أن قلتُ له: على راسي الإعمار، وبناء على هذا الاعتبار فقد جاء جاري بالإعمار لفوق راسي، فهل من ذنب لنا في هذا يا جار؟!! حلو الإعمار، على راسي الإعمار، بس مو فوق راسي تمام، يعني على راسي، بس مو على راسي، عم تفهم علي يا جار؟"

اتحاد الوجع العربي


"ماذا لو طرحنا بعض الأسئلة من السفوح، بعض الطلبات عسى ولعلَّ يكون لنا في الطيب نصيب، وهي طلبات قادمة من تحت، تحاول لاهثة الوصول، فعلى الرغم من القضايا الكبرى سنسمح لأنفسنا بكل أكابرية وحرقة قلب أن نسأل: شو مشان السوق العربية المشتركة على وزن السوق الأوروبية المشتركة، على الرغم من أنَّ !.

الأوربيين لا يتمتعون مثلنا بالأشياء المشتركة، فهم كذا لغة وكذا بيئة، بينما نحن واسم الله علينا نتمتع بالكثير من الأشياء المشتركة التي تجعل من أمر السوق العربية المشتركة شغلة بسيطة بالأذن من الاقتصاديين والبزنسمانيين والفهيمين في شؤون المال وأخلاق العيال، وشو مشان الفيزا العربية الموحدة يعني تماماً مثل الشينغين بحيث ندخل إلى بلاد العرب أوطاني بدون فيزا ونحن نغني شعب واحد لا شعبين من مراكش للبحرين، ودون أن نخربط فنقول بحر واحد لا بحرين من مراكش للشعبين، ولكي يأتي الزائر إلينا دون أن يتلبك ويفوت في الحيط لمجرد الروحة من لبنان لسورية ومن سورية للبنان، وهذه الشينغين تحتاج إلى أن نوحد أقوالنا ونوحد ربنا قليلاً ثم نأخذ نفساً عميقاً ونوحد أعداءنا قبل توحيد أصدقائنا، طيب وشو مشان النظر بأمر اتحاد الكتاب العرب ومعرفة هو فين والحب فين، وشو مشان اتحاد الفلاحين العرب والجفاف العربي الذي ليس من اختصاصهم، وشو مشان اتحاد التلفزيونات العربية التي وحّدها باب الحارة وفرَّقت شملها نشرات الأخبار، وشو مشان اتحاد الفنانين العرب الذين وحّدهم الغضنفر والباشق بآن معاً صباح عبيد ومزقتهم شركات الإنتاج، وشو مشان اتحاد الفوتبول العربي واتحاد الباسكيت بول العربي واتحاد السباحين العرب الذي يشارك فيه بعض السباحين البلغار باسم قطر عيون زرق وأسنان فرق ووجه بيشفط الرزق.
لكن الأهم والمهم هو شو مشان اتحاد الوجع العربي ؟!
أليس مهماً أن نعرف ما هو وجعنا؟!
وشو مشان اتحاد الفقراء العرب، واتحاد المتشائمين العرب، واتحاد الممتعضين العرب، واتحاد المقهورين العرب، واتحاد اليائسين العرب، واتحاد البائسين العرب.
شو مشان العرب !!
شو مشان حلم العرب، شو مشان أمل العرب، ولا ما عاد ينصرف الأمل في دكاكين العرب، شو مشان فكرة أننا عرب، وماذا يتوجب علينا كي نعيد أنفسنا إلى ما كنا عليه على الأقل، عندما كان العرب كلمة لها وزنها في القاموس، قبل أن ينقلب الحلم إلى كابوس. ويصبح العربي مجرد ثري مستهلك أو فقير يهلك.
ألا يحق لنا نحن العرب أن نحمل حلماً وأملاً وعملاً كي نسير بأناقة بين السائرين من الأمم؟"

١٥‏/٠٧‏/٢٠٠٨

نور ومهند ويحيى ولميس


"قال بالحقيقة يحيى ولميس متجوزين وعندهم بنتين وصبي كما قالت لي بنت الجيران، وأنو نور وعابدين متجوزين بالحقيقة لكن تطلقوا بسبب غيرة عابدين الحقيقي من مهند الحقيقي، بس بالمسلسل عابدين اللي مو حقيقي، يعني عابدين اللي التمثيلي مات، بس بالحقيقة عابدين الحقيقي ما مات، أما يحيى اللي مو حقيقي، يعني يحيى اللي بالمسلسل فعم يحب سحر هلأ، وبالعلامة مد إيده على إيدها وهو وعم يغير السرعة تبع السيارة عبر ما نسميه بالفيتيس،

وفي تيس فعلاً عم يعمل مشاكل اللي هو تيم اللي مو حقيقي، لأنو بيحب لميس اللي مو بالحقيقة، ومو بس هيك، لأ .. راح قال أنو لميس اللي مو بالحقيقة حامل منه، هيك قالت هالة خانم اللي مو حقيقية، لأنها بتحبه لتيم اللي مو حقيقي، وبتفضله على يحيى اللي مو حقيقي كمان، بس بالحقيقة هالة خانم من رفقات يحيى الحقيقي ولميس الحقيقية ومزروعة عندهم ليل نهار خاصة أنها بتموت بأولادهم الحقيقيين، ومن الجيد أن نعرف أنها أي هالة خانم الحقيقية مو متجوزة وما عندها أولاد، أما هالة خانم اللي موحقيقية فعندها ولدين لميس وعمر، وعمر هلأ عم يحب فريدة بالمسلسل، وبالمسلسل كمان عمر فلَّس... أعلن إفلاسه بعد ما كان مليونير، بس بالحقيقة عمر أندبوري متله متل رفيقي اللي قال أنو فلَّس، فقلت له: ليش كنت مليونير؟!.. عمر الحقيقي مفلس خلقة متل رفيقي المفلس اللي أعلن إفلاسه، ومتل المشاهد العزيز اللي بيعلن إفلاسه كل شهر باليوم الخامس منه، أما بالمسلسل فنور كمان حامل، ومهند كمان شاكك، يمكن الولد من عابدين اللي مو حقيقي، مع أنو عابدين الحقيقي عنده صبي من نور الحقيقية، وبناء عليه فقد شكَّ مهند بأن يكون الولد اللي ببطن نور مو منه بل من عابدين اللي خطفها لنور لمدة يومين، ووين حطها؟!.. بمغارة خمس نجوم، مغارة بتشهيك تنخطف، بس بالحقيقة عابدين قلَّعها لنور من البيت وقال لها روحي مع مهند بس بحياة أمك ما رح تشوفي الصبي، وبالحقيقة كمان ما زالت الدعاوى بيناتهم مستمرة، ومهند الحقيقي ما زال زعلاناً من اتهام عابدين الحقيقي له، ولكنه يخطط للزواج من نور الحقيقية مشان يستر عليها يستر على حريماتكم لا أكثر ولا أقل. وعلى جانب آخر فلقد قالت بنت جيراننا لي بأنها تحدثت على التليفون مع يحيى، فقلت لها بأن التليفون على تركيا بيكلف وبلالك هالاتصالات، أحسن ما شركة الاتصالات والموبايلات ترفع عنك الغطاء والتغطية، فقالت لي بأنها تتحدث مع يحيى السوري، يعني الممثل زهير درويش، وتسمع صوت يحيى الحلو، وكمان كان مكسيم خليل قاعد بالمطعم، وكانت مرته الحقيقية سوسن أرشيد عم تطلب العشا من الكرسون، ومكسيم كان ساكت طول السهرة، وإذا حكى كان يحكي بصوت واطي، ولما سألناه ليش، قال مشان ما يعرفوه القاعدين، ويهجموا عليه الزباين والكراسين وهنن عم يصيحوا مهند مهند، وتُطَقطق له الصور بمعية المعجبين، وتنتزع سهرته متل ما انتزع قميصه بحبر القلم اللي كان عم يوقِّع فيه للمهووسين، ويرجع عالبيت حزين، وكمان قالوا لي أنو علي كريِّم الله يوفقه يارب أو عابدين الشرير اللي كان يعاني بالحقيقة من صيحات استنكار الجمهور بسبب أبو النار واليوزباشي، حل المشكلة وصار يطلع بالنظارات الشمسية والسيارة المفيمة وارتاح، ومرة نزل من السيارة وما حدا عرفه لشدة تنكره وقال بكل تهذيب لبائع الكشك صباح الخير، فالتفت إليه حشد من المارة، وقالوا له بصوت واحد: روح الله لا يوفقك يا عابدين!!!!!.
سأل حكيم مرزوقي الكاتب التونسي الفرنسي السوري ابنتي الكبرى، مين أحلى: أنا أم مهند، فلم تجب الكبرى لأنو مخها كبير، ثم سأل الصغرى ذات السؤال فقالت له: إنت طبعاً عمو حكيم.
يمكنك عزيزي القارئ مشاهدة صورة حكيم المرزوقي كل إثنين في جريدة بلدنا ... صفحة رأي ... وما على الرسول إلا البلاغ."

١٤‏/٠٧‏/٢٠٠٨

كل الحق على الشوب


"وقال لي قائل على سيرة أنو رجعت من لندن مقهور على حالنا، وزعلان على مالنا، اللي عم يروح هدر، باسم الثقافة والسياحة والاستيراد والفن، قال لي القائل أنو يا أخي الطقس عندهم بيشجع على التفكير والكنكنة، تلات أرباع السنة عندهم برد، لذلك تراهم جالسين مكنكنين بهالمكاتب عم يشتغلوا من قلب ورب ثماني ساعات .
بالتمام والكمال، وبس يرجعوا عالبيت بينضبوا جنب الصوبيا أو بيتمتعوا بالشوفاج، وبيطلطلوا من شبابيكم عالمناظر الطبيعية، وبيفكروا بأحوال الكرة الأرضية، وبيطقوا هالاختراعات، يا أخي الجو بيساعدهم، بس عنا شوب، الواحد منا عايف خلقه من طلعة الشمس لطلعة الشمس، لأنو الشوب يا حبيبي بيشلّ، بيخلي الواحد منا لا من تمه ولا من كمه، بالشغل بتلاقيه فاتح تمّه ومرتخي كأنو خرقة يبسانة، وبتلاقيه رايح جاي عالحمام وهو عم يغسِّل وجهه الوضاح، ويغب بهالمي الباردة بفمه الباسمِ، وبعد ما يطلع من الشغل رح تشتغل فيه الشمس عالأربعة وعشرين وترجعه خالص على بيته، هذا إذا كان في عنده بيت، وأول ما يوصل رح ينزل تحت الدوش ويتنعم بالمياه الباردة، لكنها يا حبيبي ستنزل متل النار عليه لأنو الشمس فاتت بكل الخزانات وخلت المي اللي جواتها تغلي غلي، وتعا بقى دبر صيدلي، ودبر دوا ألها ودبر دوا ألي، من نوع المراهم المضادة لحروق الدرجة الثالثة، لأننا حتى بالحروق ما قدرنا نطلع الأول، وبس يجي بدو ينام الضهر على أنغام المروحة قبل أن يصبح الكونديشن شعبياً رح يشوف عشر بنيات وأولاد كزغب القطا يردّدن بعضهن إلى بعضِ، وعلى سوء تفاهمات بين زغبات القطايات رح تحصل خناقات وتطلع الأصوات، وبدك تنط من أربعتك وتصرِّخ بما معناه أنو اقعد ولاه واخرسي وليه في الحالات الراقية، أو ممارسة هواية الضرب الحلال بدءاً من أكبر زغبوبة ألا وهي الأم وانتهاء بآخر زغبوبة ألا وهي الببو الذي يبكي على الأرضِ، ولا تنام، ولا تمضي في أحلامك النهارية التي تتضمَّن عادة جنة من الثلوج تصطكُّ فيها أسنانك من البرد وليس من الغيظ أو القيظ، ويأتي المساء، وأنت ومحمد عبد الوهاب فقط تعرفان ماذا يحدث عندما يأتي المساء، فالهواء لا يتحرك عندما يأتي المساء، وإذا تحرك فهو ساخن متل النار بيشوي خاروف وبيسلخ حمار، فتعود للتمجلس تحت الدوش أو الشاور، على أمل أن تكون حرارة الماء قد خفت في المساء، لكن صنبور الدوش ذي البخوش يصرخ فيك بصوت مبخوخ بخخخخخخخخخخخخخخخ، فاضي، ما في مياه، وليييييييييييييييييييي، وتبكي وتبكي، ولن تنسى أن تضع طاسة الحمام تحت عينيك اللتين لن يسترضي الدود أن يأكلهما، وتملأ الطاسة من دموعك الساخنة وتتحمم، تصب الدموع وتتحمم، طاسة تلو الطاسة، حتى تنشف عيناك، وفي الليل تنام بألف يا ويل، وتستيقظ في الصباح لتجد موظف شركة الدموع أمام الباب ودمع العين يسبقه، وفي يده فاتورة، وفاتورتك كبيرة، كبيرة جداً، فلقد استهلكت الكثير الكثير من الدموع، ولم تراعِ الإرشادات، لم تلتزم بحملة ترشيد الدموع، فادفع الفواتير، وانطر مع الناطرين هطول المطر أو تساقط الثلوج"

١٣‏/٠٧‏/٢٠٠٨

مطر مطر


"طيلة الأيام الستة التي قضيناها بين ليدبوري ولندن لم يتوقف المطر عن الهطول، وين ما رحت مطر يا معلم، وأكلناها، على اعتبار أنو كنا محضرين حالنا عالصيف والضيف وغدرات الزمان، لكننا لم نشاهد الصيف، كما أننا لم نُصدم بضيف، فقد كنا نحن الضيوف، ولكننا مع ذلك انغدرنا لأنو بصراحة نحنا ضابين الشتوي من زمان، ضابينه من شهر شباط، دافنينه سوا شو بكم، وقلت لحالي أنو لو شي مزارع من عنا من الجزيرة شهد على العصر في لندن، وشاف المطر شلون عم يكت كت بعز دين أربعينية الصيف،

لقال بانو في مؤامرة ضدنا، أش معنى نحنا تحديداً ما عم تكبس عنا، لك بعز أربعينية الشتاء عنا بتلاقينا لا بسين نص كم واسم الله علينا، شتويتنا نص كم، وعيشتنا نص كم، ومسرحنا نص كم، وسينمانا نص كم، وأدبنا ربع كم، بس اللي عم ناكله كم كامل، الله يرحم ترابك يا أم كامل، وتذكرت لكم أنو شفنا بنته لأم كامل أنور البابا الله يرحم والدينا ووالديك، عايشة بليدبوري، وعندها بنت الله يحرسها ما زالت بتعرف عربي، والست مها البابا عاملة ميكس بين عماتها سعاد حسني ونجاة الصغيرة ما شاء الله عليها، بينما ابنتها سارة عاملة ميكس بينا وبين الإنكليز ومو نسيانة العربي بنوب، وطبعاً حضروا أمسياتنا بليدبوري، وشجَّعونا سواسية مع أنو مها بالأصل رفيقة رشا عمران، المهم ما لكم بالطويلة، دايماً بنكون بش وبعدين بنصير بش تاني، خلونا بسياحتنا النص كم، ومرافقنا النص كم، وثقافتنا الربع كم، وفوق اللي منها ما في مطر، يا أخي مؤامرة، لو كان في مطر كنت شفت عنا أحلى مسارح، وأحلى مطارح، وأنظف شوارع، وأجمل سينما، وأحلى بساتين طبعاً، مو صحراء بين حلب والشام ما بتغير شكل بمنظرها غير لما بتمرق بجيرود وبتشوف بدل التراب ملح، السبخة عنا تغيير شكل، والخضار عنا حرام، فزرع الأشجار حرام، وقطعها حلال باسم الجمعيات السكنية المخالفة والنظامية، والرمل يا شيخ ما يطلب المطر، والمطر إذا ما طلبه الشجر ما ينزل، ما يحب يخفف حاله ويجي لحاله بدون عزيمة، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، بس عنا ما حدا عم يعزمه للمطر، ما في شجر، والرمل ما ينعجن، والشوك ما ينداس، وطيارة طارت بالسما، بيضا ودرجها نحاس، والعلة اللي بالقلب، ما تنقال للناس يا يابا، والمتاحف الوطنية هناك ببلاش، بس الخاصة بمصاري، وبين المتحف والمتحف بتلاقي بيت على شكل متحف، والشوارع متاحف، والدكاكين متاحف، والسواقة فن وذوق وأخلاق عن جد، مو حكي فاضي معلق على هالطرقات ولا مين شاف ولا مين قرا ولا مين دري، أذن من طين وأخرى من عجين، وفالج لا تعالج، وكل الحق عالمطر، بس الله يبعت المطر شوفنا شلون رح نعجبك، بعدين صرعتنا ها، ما عاد نبعتك على لندن، من هلأ ورايح رح نبعتك عالسودان واليمن وجزر القمر، ونخليك تترحَّم على أيامك في دمشق وليالينا."

١٠‏/٠٧‏/٢٠٠٨

شعر في مكتبة لندن


"وقرأنا أشعارنا في مكتبة لندن الشهيرة، وكان الجمهور قد حجز بطاقات الأمسية كاملة، حتى إنني شاهدتُ بعضاً من الجمهور واقفين أمام باب المكتبة، لم يدخلوا، ثم فهمت أنهم ينتظرون تخلف أحدهم عن المجيء كي يدخلوا، يعني كانوا على قائمة الانتظار، أو بالعربي على الويتينغ ليست، يا عيني، ناس على الويتينغ ليس في أمسية شعرية وليس في مطار من مطارات الوطن العربي،

وكان هناك بعض الأصدقاء من الكتاب والشعراء العرب والسوريين، ولكن الجميع دفعوا هداك المبلغ المجقوم، 12 جنيهاً استرلينياً، يعني شي ألف ليرة عالسوري، وذلك في عادة أصيلة فينا عندما نسافر وهي أننا نقرِّش أي حاجة على السوري، وكنتُ قد صادفتُ فتاة خارقة الجمال تعامل معها كل المارة بشكل اعتيادي، فتخيلتها بالسوري يا شباب، وتخيلتُ المظاهرات التي كانت ستسير وراءها في أحد تجليات تقديراتنا للجمال، وأعجبتُ بنا كيف نلطِّش، واستغربتُ عدم وجود طبقة الملطِّشين في لندن، فنظرتُ إلى الفتاة ودمع العين يسبقني ولطَّشتها، وهذه أول تلطيشة لي بعد تلطيشتي الشهيرة للمرأة ذات الحجاب الأسودِ(تحت الملاحف متاحف)، وقتها رفعت الملحفة عن وجهها وسلختني هديك البزقة بنص وجهي يا شباب خلتني حرِّم التلطيش على نفسي منذ ذلك الوقت، المهم لطَّشنا البنت، وقلنا لها بالإنكليزي( يو لوك واندرفورل) فنظرت إلي بتعجب وقالت بالعربية (اخرس .. تضرب بها الموديل)، فعملت نفسي ما فهمت شي وقلت لها(وات؟!) ومشيت تحت شعار الفريكة تلتين المرجلة، وأمام المكتبة شاهدتُ ليبياً يعيش في مانشستر اسمه محمد المصراتي، وهو كاتب قصص ورواية، وعمره 18 عاماً، يعاني عندما يدخل إلى البارات كي يشرب بيرة شعيرية من سوء معاملة البارمانات له، فهم يطلبون منه إبراز بطاقته الشخصية، كي يتأكدوا من أنه فوق السن القانونية لشراء الكحول، وكان أن المصراتي كاتب ذو مزاج يحتاج إلى القليل من البيرة مما دعاه لتزوير هويته، فأصبح عمره في الهوية الجديدة فوق العشرين سنة، لكن لا أحد يصدقه بسبب وجهه الطفولي، أو البيبي فاس، فتراه متورطاً في البارات ومراكز الشرطة، وكأن بريطانيا كلها ساهرة على صحة وأخلاق هذا الفتى الكاتب، المهم جاءنا المصراتي ودخل إلى المكتبة، ودفع للفتاة فقط جنيهين، ولكنني شاهدته يشير إلي، وسألت الفتاة عنه، فقالت لي متعجبة إن هذا الفتى قال لها بأنه ابني فلم تأخذ منه سوى جنيهين، فضحكتُ وقلتُ إن هذا الولد النصاب يحتاج إلى أب فاضل مثلي، وقرأنا في المكتبة، وتناقشنا مع الجمهور، وسهرنا معهم أيضاً في حديقة المكتبة، وكان اسم سورية هو القاسم المشترك في أحاديث الجميع، وجاييكم بكرة إن شاء الله."

ليدبوري يا ابن الحلال


"فتنا بالحيط بعد ما رجعنا إلى لندن قادمين من ليدبوري، إلى درجة أنَّنا كتبنا اسمها لوندبوري كدليل على أنَّ لندن كان لها الحضور القوي في زيارتنا الشعرية تلك، ومشيتُ في سوهو على أمل أن أضيع كما ضاع فيها كولن ولسن من قبلي، ولكنني لم أضِع، كانت شوارع لندن مليئة بالإشارات التي تأخذك من عنوان إلى عنوان .
بسلاسة متناهية النظير، بل وإنك إذا قرَّرت أن لا تعذِّب حالك وتقرأ اللافتات فما عليك سوى أن تطلب من أيِّ شخص تصادفه أن يدلَّك على الطريق، عندها لن يفلتك حتى يتأكَّد مئة في المئة أنك فهمت عليه، وأنك بالتالي ستصل إلى جغرافيتك المنشودة ومكانك المقصود، يفعلون ذلك مع كل الغرباء، يفعلون ذلك بلطف وبكل سرور، وعندما تشكرهم فإنهم يردُّون لك الشكر بابتسامة خجولة لا يمكن تفسيرها في كثير من الأحيان بغير أنَّ البريطانيين شربوا فنَّ التعامل مع الآخر مع حليب أمهاتهم الله يحفظهن لهم ويطول بأعمارهن، لأنك لن تشاهد أجمل من الأمهات والجدات البريطانيات، لطيفات، وِنسات، ومحبّات للمعرفة، ومحترمات للثقافة، ومشجّعات للشلاليف الصغار على الإبداع، وكان أن حضر الكثير منهن أمسياتنا في ليدبوري ولندن، وكم كان ساحراً تفاعلهن معنا، كم كان مدهشاً حبهن للاطلاع على ثقافتنا ومجتمعنا، ولا يختلف الجدُّو البريطاني عن التيتا البريطانية، بل إنَّ جدُّو يصطحب حفيده معه إلى الأمسية مطرنباً على تيتا في حبها للثقافة، لكن تيتا لا تمرِّق له هذه الحركات وتأمره أن يترك الحفيد في البيت لأنو بكير عليه السهر، وما بين جدُّو وتيتا ترى الحفيد وهو يتعلَّم منهما العادات البريطانية العريقة، ويحافظ على فنون النبلاء في التعامل مع الأقارب والأصدقاء والجيران والغرباء، تعامل يقول لك إنك في بريطانيا الحرية، بريطانيا التي نصبت تمثالاً للمناضل الجنوب أفريقي نلسون مانديلا في إحدى أهم ساحات لندن على الرغم من أنه كان مناضلاً ضدَّها في استعمارها لبلاده، لم تتوانَ الرفعة البريطانية عن ردِّ الجميل لمانديلا الذي دخل إلى لندن لا فاتحاً ولا غازياً، دخلها مسامحاً، ومادَّاً كفه لمصافحة بريطانيا بعد زوال استعمارها عن بلاده، وبعد هزيمة العنصرية بالسلم فيما عجزت عنه مئات الحروب، وكأنك تستعيد ذكرى غاندي أبي السلام ورمزه، وللمصادفة أنه كان مناضلاً ضدَّ الاستعمار البريطاني للهند أيضاً، وللمصادفة أنه اختار درب السلام وانتصر، وللمصادفة أنه كسب احترام الشعب البريطاني، وللمصادفة أنه شأنه شأن مانديلا رمز من رموز بريطانيا، فيا للغرابة، ويا لقوة المجتمع عندما يريد أن يعطي رأيه، ويا للرقي عندما تنسى الشعوب الماضي البغيض وتلتفت إلى الحاضر وتتواصل مع المستقبل عبر ثقافة السلام، لا.. لم تكن تلك البلاد لتذكِّرني بالاستعمار البريطاني، فالمجتمع البريطاني الأصيل استطاع أن يجعل من الماضي الاستعماري مجرَّد كلمات في كتب لمحبي الاطلاع، وحافظ على ما جعل من بريطانيا بلاد شكسبير وكيتس وييتس ومانشستر يونايتد وليفربول وعد إذا بدَّك تعد من هون للصبح. ما شاء الله. ليدبوري .. اسمها ليدبوري .. تلك المدينة الصغيرة التي تعلَّمت منها أكبر الأشياء"

طريق عودة منسي


"أيها القبلة المستحيلة
أيها الرسالة التي لا تصل
عندي كلام ضدَّكَ.

منْ أحبكَ سقط عند حدودك لاهثاً، من كرهكَ أفلَ عند مشارفك، وأنا.. كم تعذبت فيك وأنت تضمد موتاكَ كما لو أنهم جرحى.
لأجل من سأقف في الظهيرة الحارة، لأجل من سأرحب بالذباب والرطوبة والضيوف العابرين، بالماء البارد والأجساد المستلقية على الإسمنت العاري، بالخناجر العالية والأواني الصدئة في الباحات.
بالنصال الدامية وصوت السيارات العابرة وطنين الدراجات النارية من بعيد، بطلقات حرس الحدود في عزّ الظهيرة، بالرطوبة وصرير الأبواب، بالرجال المكشوفين تحت الظهيرة، بالرجال المقتولين في غفلة من الشمس.
منذ زمن وأنا أعدّ النبيذ
أعد كلامي المنتشي
منذ زمن وأنا أبتكر خساراتي
وأسوق الريح ضدي
دون شباك أعبر البحر، أودعُ روحي في جميع الأسماك ودون سمكٍ أعود، وعليَّ أن أدقَّ جميع الأبواب كي أستردَّ قتلاي، كي أتذكر ظلي وهو يسبقني إلى الأرض، قليلاً من الوقت إذن أيها الموت كي أخمد عصيان قلبي، قليلاً أيها الغريم الصامت، فماذا بعد أن شردت أبقار القرى إلى المدن المجاورة، ماذا بعد أن صدمتها الشاحنات العابرة، ماذا بعد النجوم التي حطت على أكتاف الضباط كاعتراف من الله.. ماذا؟.. وبماذا ستكمل المهزلة أيها الغريم؟..
ضدَّ كل شيء من أجل لا شيء يا جليس الساعة الأخيرة، يا سليل الشر وجاني أوراق البشر من السماء، دع لي أن أكرهك قليلاً، أن أسابقك حتى آخر المسافة المفضية إليك.
أيها القبلة الأخيرة
أيها الرسالة التي دائماً أصل أنا إليها
ليس الهواء ما يوصل صوتي، ولا البناؤون من يعيدون ترتيب جسدي، ليس خراباً ما يعتريني وليست المتعة ما يؤخرني عنك، لقد اقتربت منك أيها الموت فدع لروحي أن تصفر قليلاً كما لو أنها تصلُ على مهل، دعها ترقص قليلاً كما لو أنها غير آبهة بكَ، دعها تستعيد ألق السنين الغابرة كما لو أنها تصلُ سعيدة.
منافسي الأوحد وغريمي الأخير، آخر الذين يصلون إلي، أجملهم وأقساهم الموت.. شريك الأرواح، عشيق أهوائي ومدمر حالي، دع لي أن أترنح في طريقي إليك كما سكير لن يصل.
وهل أصل؟
إلى اللحظة الأخيرة، لحظة اعترافي بكل أخطائي، وهل سيرافقني أحد؟
ـ لا أحد يرافق الريح إلى الخراب سوى ما تعصف به
اعصفْ بي إذن، معي الجميع وانتقيني، فأنا الذي ضدك من أجل أن أموت، ضدك من التراب إلى التراب ومن الدودة إلى الدودة كي تقول إنكَّ تنتفض لأجلي الآن، وإني الأوحد الذي قدمَ إليكِ بحياة كاملة أقدمها لكَ كما لو أننا صديقان، أيها الغريم الأخير فليكن للريح مكان بيننا وليكن لي أدفنَ تحت هذا المكان.
غير أني لا أعرف أين أمضي بكل هذه الأخطاء
لا أعرف من يمتلك الحب العظيم كي يصفح عنها جميعاً، ولا أعرف كيف ارتكبتها في هذا العمر القليل وحدي، أرتجف بجانبك وفي غيابك أرتجف وفي غفلة من أصابعك أرفع كفاً من الخواتم وأهتف:
بصحة الموت هذا الخراب
هذه الأسوار والخناجر الملتمعة
كسرد ممكن لهذا المستحيل، كأن أصفكَ وأتركك سراً ينخر في فمي
أيها الموت هل أستطيع أن أحصيك، هل أستطيع أن أملأ بالنشوة وحدي؟..
أتقوقع داخل روحي فيفضحني الجسد، أخبئك في جسدي فتفضحك الرائحة، ماض عنك.. لك أن تشيعني فأنا أنسى الحكاية، كلما ابتعدتُ عنها وأنسى زبيبي يابساً على الأسطحة
أنسى غسيلي
تحت المطر
وأنسى طريق العودة إذا ما عنَّ لك أن تناديني
ملك مخلوع وعرشي أسنان مخلوعة مثلي، عندما أمضي ناسياً أوراقي الخاسرة في الكتب المقدسة أظن نفسي من قتلَ المسيح..
كسرد ممكن، كأعجوبة أفلتت منك بأعجوبة
ناسياً غريمي خلف الطريق، ناسياً هاويتي"

٠٨‏/٠٧‏/٢٠٠٨

لوندبوري وهيلينز


"لوندبوري مدينة صغيرة تبعد مسافة 123 ميلاً عن لندن، يعني إذا صرّفناها عالسوري بتطلع شي 200 كيلومتر، ونحن كنا مشاركين في مهرجانها الفني الأدبي السنوي، وكما أسلفنا فقد أقمنا في قصر هيلينز، وكانت مجلة بانيبال المختصَّة بنقل الأدب العربي وترجمته إلى الإنكليزية، وكان توري مونثي قد درس العربية في الشام، وكان هو

من قرأ شعرنا بالإنكليزية، هو استلم القسم الرجالي يعني منذر مصري وأنا، بينما استلمت القسم النسواني يعني هالا محمد ورشا عمران رئيسة تحرير بانيبال السيدة مارغريت أوبانك التي سمَّاها الأدباء العرب بوزيرة الثقافة العربية، وكنا نقرأ شعرنا بالعربية كي يسمع البريطانيون موسيقا اللغة العربية وإيقاعات حروفها الساحرة، وبعد القراءة الأولى أصبحنا معروفين في البلدة، وصار الترحيب فينا من ضرورات إقامتنا، وكانوا مثلنا يتمنُّون أن نزورهم في بيوتهم، لطفاء ومبتسمين، وتوَّاقين للمعرفة حتى وهم في السبعين والثمانين والتسعين من أعمارهم، وكنتُ قد أصبحت معروفاً من قبل توماس الذي يعمل في دائرة كنتُ أستخدم إنترنتها لإرسال هذه الكلمات لكم، ومساء شاهدتُه يحضر الأمسية فتبادلنا التحية، وشاهدتُ شاعراً ليتوانياً كبيراً، وآخر كبيراً أيضاً من لاتفيا، وآخر من لندن، وتعرَّفنا إلى أرواح الشعراء وملامحهم، ثم دخل جميع المدعوِّين إلى القصر تلبية لدعوة العشاء الضخمة التي وجَّهها لهم آدم مونثي صاحب قصر هيلينز على شرفنا أو على شرف الشعر السوري، وكان أنَّ الشيف نيك وليس رمزي قد صنع أطباقه من وحي المطبخ السوري إمعاناً في التناغم مع قراءاتنا، وعرفتُ أنَّ الأمر لم يكن اعتباطياً، فلقد قدَّموا الموسيقا العربية مع قصائدنا، وبعدها قدَّموا العشاء السوري، مما جعل اللوحة السورية أكثر تكاملاً، ولمَ لا .. فالطعام وأنواعه ثقافة، وليس بالشعر وحده يحيا الإنسان، وكان الشيف نيك قد طلب مني أن أدّعي أنَّ الطعام الذي صنعه هو لذيذ تماماً ومتقن أكثر حتى مما قد يطبخه الشيوف السوريون، وبالطبع فلقد لبَّيتُ نداءه، وقلتُ الحقيقة قبل أن أذوق الطعام، وقلتُ بأنه ألذُّ طعام سوري ذقته، فانبسط الشيف نيك من نزاهتي وإنصافي، خاصة أنني لم أكن قد ذقت الطعام بعد، لكنني كنتُ راضياً عن كذبتي، لأنَّ ما فعله نيك كان يدلُّ على أنَّ الثقافة جزء من حياة كل إنسان، وأنَّ البشر يستخدمونها في حياتهم اليومية، وأنه ولمجرد معرفته بأنواع الطعام السوري فقد أجاد وأطرب وألهم، وألهم هنا آتية من الالتهام وليس من الإلهام، فقد التهم المدعوُّون الطعام وهم ينظرون إلينا بإعجاب وكأننا نحن الذين طبخناه، فقلتُ أن يشكروا نيك الطباخ، فقالوا إنهم يشكروننا لأننا من سورية بلد هذه الأكلات، فهززتُ رأسي من جديد معجباً بهم، وقلتُ كم أنَّ آدم كريم وقد دعا كل هؤلاء الناس، وقلتُ أيضاً كم أنهم كرماء ولكنهم لايكتبون القصائد عن ذلك، ولا يدوِّنون ذلك في أدبياتهم، ولا يتغنُّون به في مواويلهم، فهناك لن تجد أحداً يذبح لك خروفاً أمام باب بيته معلناً للبلدة كلها أنه عزمك، لا.. هناك ستدخل إلى البيوت كما لو أنك واحد منها، وستخرج منها كذلك، دون أن يعرف أحد خارجاً ما إذا كنت قد أكلت خاروفاً أو ديكاً رومياً أو دجاجة، تدخل وتخرج والابتسامات المحبة تحيط بك، والمودَّة تحملك على كفوفها الناعمة."

٠٧‏/٠٧‏/٢٠٠٨

هنا لندن


"هبطنا في مطار هيثرو ويا ليتنا ما هبطنا يا معلم، ما عاد فيك تدخن، وين ما رحت ممنوع التدخين، في المترو ممنوع، في المدرسة ممنوع، في الجامعة ممنوع، في المطعم ممنوع، في البارات حتى ممنوع، وفي الفنادق ممنوع، بل وممنوع في الغرف أيضاً، لم يعد هناك مكان تحت السقف في بريطانيا يمكنك أن تدخن فيه، ممنوع، !!
وتدمَّرت طبعاً، وتذكرتُ صديقي العراقي الذي قال لي إنه مُدَمَّر في المنفى، وعرفتُ الآن لماذا هومدمَّر، فهو يبحث عن مكان يدخن فيه بالتأكيد، وبالتأكيد إنه لم ولن يعثر على ذلك المكان، بل وإن ما دمّرني أكتر الشي هو أنني لن استطيع أن أضع سيكارتي بين أصابعي وآخذ هديك السحبة، وأنفخ هديك النفخة في وجه محدّثي قبل أن أنطق جواهري، لا .. ليس بإمكاني ممارسة هذا الطقس، كما أنه ليس بإمكاني أن أضيِّف محدثي سيكارة في عزّ حديثه مشتتاً انتباهه، ومنفّساً لحماسه، كما فعل الأشقاء الإماراتيون بمنتخبنا عندما قطعوا عليه الكهربا، وقالوا له يا مرحبا، وهو ربحان بهدفين، وطاحش ليحط التالت، المهم مالنا بهداك الحديث اللي بيهز البدن، وخلونا بموضوعنا، فالجماعة كافحوا التدخين وقدروا ينزّلوا من حجم استهلاكه في بلادهم، وعلى الرغم من أنني مدخن عجيب، فلقد لم أنزعج، ولقد لم أتضايق، ولقد ذكرتكِ والرماح نواهل مني، وتذكرتُ أيامنا في الأندلس وليالينا، وتذكرتُ مسك دارينا، ولكن أحد من الإنكليز لم يدارينا، وبقيت ممنوعاً من التدخين، وصارت حياتنا نحن المدخنين صعبة، وأصبحنا نستأذن لنطلع ندخن سيكارة برة بعز الحديث، وخاصة إذا ما كان عاجبنا، كما أننا حتى لو كنا معجبين بالحديث وبالمحدثين فلا بدَّ من التدخين، سوسة يا أخي سوسة، لكن بيني وبينكم فلقد تعوَّدنا، وفي السيارات جلسنا دون تدخين، وفي المطاعم أكلنا دون تدخين، وتحت السقوف حتى التوتياء منها جلسنا دون تدخين، وشاهدنا المدخنين أمام أبواب المطاعم يدخنون، وأمام أبواب الفنادق يدخنون، وأمام أبواب الجيران يدخنون، وأمام أبواب السفارات يدخنون، ثم يعودون إلى أماكنهم، هادئين وادعين طيّبين وغير مدخنين، وللجو غير ملوّثين، ولرئات الآخرين غير منتهكين، ولعيونهم غير عامين، ولأنفاسهم غير حارقين، فالتدخين السلبي أثبت أنه موجود، وأن الزلمة اللي قاعد مع مدخن بيدخن معه بكل تأكيد، وبالتالي وبكل تأكيد سيمرض بالأمراض إياها تبع الدخان والتلوُّث والمازوت والبنزين، صحيح بالمناسبة وعلى اعتبار أنو أنا بالغربة بلندن شو أخبار المازوت، إن شاء الله ما يكون غلي كمان، وشو مشان البنزين، إن شاء الله ما يكون علي بهاليومين، وشو مشان الدخان، وشو مشان حزام الأمان، وأمان يا لاللي أمان.
وخرجنا من لندن إلى الأرياف، وشاهدنا على مرامي الأنظار، ذلك الخَضار، وتلك الأشجار، وتذكرتُ عيد الشجرة، وتذكرتُ كم واحدة زرعتُ بيدي، وتذكرتُ أنني لم أسأل عن تلك الشجرات من تلك الأيام، لأنو السؤال لغير الله مذلة، وبالشكر تدوم النعم، فهل نحن من الشاكرين، ومن المفيد أن نقول إن الشكر ليس بالقول، وإنما بالفعل، فهل نحن كذلك حقاً"

مبارح العصر بالقصر


"على طريقة أمور لا تصدَّق فلقد استضافنا قصر هيلينز ليومين وليلتين في رحابه، وأول مبارح العصر تحديداً وصلنا للقصر، وهو قصر أخَّاذ تسكنه عائلة مونثي، وهكذا فلقد فرزوا لأختكم رشا عمران مخدعاً ملكياً أخَّاذاً يطلُّ على حديقة أخاذة تطلُّ بدورها على غابة أخاذة أكثر، بينما فرزوا لأختكم هالا محمد جناحاً ملكياً مزوَّداً بالخدمات
والعنايات الفائقة، وكذلك قدَّموا لمنذر مصري غرفة أسطورية إلا قليلاً في حين يا شباب أعزُّوني وأكرموني وأعطوني الغرفة الخاصة، مكتوب عليها هذا، فسررتُ أيما سرور، ودخلتُ إليها وكأنني صاحبها – للغرفة لا يروح مخكم لبعيد- فوجدتها عادية، لا لوحات ضخمة كباقي الغرف، لا سرير ضخم ولا سقف للسرير كباقي الأصدقاء الشعراء، مجرد سرير صغير، وطاولة صغيرة، ومرآة قديمة طبعاً، وسجادة سورية ذكّرتني فيكم، ومكتبة، كانت خصوصية هذه الغرفة أنها تحتوي على المكتبة، فتخيَّلوا، وهكذا نمت على تختي الصغير شايفاً نفسي على أصدقائي الشعراء أنو قاعد بالغرفة البرايفيت الخاصة، بينما هم في نعيم الفخامة نائمين، ولجسد التاريخ معانقين.

عدد اللوحات في القصر كبير جداً، وكلها لوحات أصلية، لرسامين كبار أمثال فان ديكي، أو عبر تلاميذ ومدارس هؤلاء الرسامين، كما أنَّ هناك لوحات لأفراد من العائلة صاحبة القصر، وقد عشنا معهم ليومين، في ضيافتهم، وقرأنا الشعر في القصر، وحضر الأمسية تبعنا شي مئتي شخص دفع كل منهم حوالي 15 دولاراً كي يكحِّلوا عيونهم بمرآنا، وكان أنهم أحبُّوا أشعارنا، وسألونا عن أحوالنا، عن أهلنا، عن بلادنا، وحكينا اللي فيه النصيب، وتعرَّفنا على حياتهم، ولمسنا حبهم للشعر والفن، ورأينا تواضعهم، ونظرتهم الجميلة إلى الآخر، وأحسسنا بجديتهم في التعامل مع المهرجان، ودعمهم الدائم له وذلك عبر دفع أثمان البطاقات، كأضعف الإيمان، لكن ماذا أقول عن أصحاب هذا القصر الذين استضافونا، آدم ونيللي وتوري وآكسل .. ماذا أقول عن هذه العائلة العريقة القديمة التي لم أشاهد سيرلانكية واحدة في أرجاء قصرهم، ماذا أقول عن حمل آدم لحقائبنا ومساعدتنا في وضعها في السيارة، ماذا أقول عن لهفتهم للمعرفة، ورغبتهم في التواصل، واحترامهم للإنسان، وابتعادهم عن الكذب، وحتى عن المجاملات، ماذا أقول عن هؤلاء الناس الذين كانوا أكثر من أهل في تلك الليالي، وكانوا أكثر من كرماء في تلك الأيام، لكنهم لا يصرعون سماك بعبارات الترحيب على الرايحة والجاية وعلى بطعمة وبلا طعمة ويا هلا بالضيف وآنستونا وشرَّفتونا وحللتم أهلا ونزلتم سهلا، بينما لم أوفِّر فرصة إلقاء كلمة الضيوف ومفادها أنو عذبناكم، ولقد أعجبتهم كلمتنا فتعلموها، ربما لأننا فعلاً عذبناهم.. بس بلطفنا وأكابريتنا، وللكلام بقية فابقوا معنا. مراسلنا في ليدبوري ولندن وسائر أراضي الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، بالمناسبة لهلأ ما شفنا الشمس، مطر مطر والله كريم. وغداً موعدكم من قصر هيللينز مع لقمان السادس عشر."

٠٦‏/٠٧‏/٢٠٠٨

قطارات


"ا أخفيكم أن القطار هو وسيلة التنقل لديَّ لأسباب كثيرة أهمها رهابي الدائم من ركوب السيارات والطيارات بالإضافة إلى هلعي من السفن والعواصف رغم عدم وجود مانع لديَّ للحلم بأن أكون أحد ركاب سفينة الحب ولو لحلقة واحدة من ذاك المسلسل الشهير، القطار يبهجني منذ طفولتي عندما كنت أركب 'الأوتوماتريس'

من حلب إلى بلدتي البهية 'الدرباسية' على الحدود السورية التركية في أقصى الجزيرة السورية، وكان الأوتوماتريس يكمل طريقه بعد أن يرميني في محطة الدرباسية إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، وقد حدث أن كنت نائماً ذات مرة وأنا في الثانية عشرة من عمري واستيقظت فوجدت نفسي في نصيبين وبكيت، كنت أستحقُّ أن أدخل موسوعة غينيس على اعتبار أنني الإنسان الأول الذي بكى عندما رأى نصيبين، وما أن فهم الناس مشكلتي حتى أخذني البوليس واتصلوا بحلب وأعادوني إلى الدرباسية في أوتوماتريس قادم في اليوم التالي بعد أن فسَّحوني ودللوني وأطلعوني على الإنجازات الحضارية في مدينتهم كما لو أنني وفد، عدت إلى محطة الدرباسية وسط استقبال جماهيري بعد أن سلموني إلى أولاد عمَّتي الكبار الذين عنفوني بينما اكتفى الصغار منهم برمقي بنظرات الحسد.
ومنذ أن اختفى الأوتوماتريس من حياتنا وأنا أبحث عن قطار أحبُّه هنا ولكن عبثاً، فما أن تأتي الدولة بقافلة مريحة من القطارات حتى يبدأ أبناء الشعب بالعبث بها وتحويلها إلى مركز للنفايات النووية من قشر بزر وريحة جرابات ودهادير وما أدراكم ما الدهادير بينما يكمل الموظفون في الأرض النقل بالإهمال والزعرور، ولكنني اليوم أكتب لكم من قطار دمشق ـ حلب السريع، يا الله ما أروعه، تصوَّروا عربة نظيفة وكراسي مريحة وتكييف عن جد مو هواء ساخن صحراوي، جاءت فتاتان عاملتان سوريَّتان أنيقتان ولطيفتان وناولتانا البون بون وأكلت واحدة فتدمَّر ضرس العقل الغبي الذي عندي من الألم، ولكنني لم أشتم القطار لأن المشكلة من ضرسي مو من الغسالة، ثم جاء عامل آخر بلباسه الرسمي وناولنا سماعات لسماع الموسيقا، وبعده جاء آخر بلباسه غير الرسمي وهذا شر لا بدَّ منه وناولنا أكياساً لمراجعة الذات ورمي النفايات، وقبل انطلاق القطار صدح صوت أحد الكباتنة وذكّر الركاب بأن الرحلة متجهة إلى حمص وحماه وحلب، فتذكرت هؤلاء الذين صعدوا في باص إلى دير الزور ووجدوا أنفسهم في طرطوس وقلت في نفسي برافو عليه كمان هي ضرورية، بصراحة أنا ما عم أعمل دعاية للقطار بس قلت لحالي طالما هو للدولة رح أعمل له دعاية لأن ما تملكه الدولة هو ملكنا نحن الشعب، وعلى الرغم من منع التدخين في هذا القطار فقد أعجبني، فأرجوكم يا أبناء جلدتي من موظفين وركاب ومدراء وعاديين ديروا بالكم على هالقطار .. والله حضارة، وما في داعي نطلع بالقطار ونتمنى أن ننام فنجد أنفسنا في أوروبا، في هذا القطار أنت في أوروبا فكن مثل الأوربيين على الأقل. ألم تسمعوا بالمثل الذي يقول إن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأضيف: إن هذه الخطوة تحتاج إلى قطار."

٠٤‏/٠٧‏/٢٠٠٨

حلب


"حلب ثاني مدن سورية، ولكنها تعتبر نفسها الأولى، ويعرف أصغر حلبي أنَّ حلب أقدم مدينة مأهولة في التاريخ ويجيب عندما ينبري الدمشقي بقول إنَّ دمشق هي كذلك, بأنَّ دمشق هي أقدم عاصمة وعمرها بأراضي الألفين وأربعمية سنة وشحطة بينما عمر حلب بأراضي الألفين وسبعمية وشحطة، وهي الفوارق النسبية ذاتها

التي يجدها الحلبيون في باقي الأشياء، فحلب هي أم الدنيا غير أنهم لا يقولونها بالحالة المصرية بل يقولونها بعفوية حلبية تكاد تكون سمتهم وهويتهم، وبما أنني حلبي أيضاً بالإضافة لكوني جزراوي المولد والطفولة ودمشقي الهوى والإقامة، فقد عشت طفولتي ومراهقتي وشبابي الضائع في حلب، ومن حلب انطلقتُ على اعتبار أنَّ حلب هي كراج انطلاق الشعراء والفنانين، ولاسيما الموسيقيين منهم، فمن منكم لا يعرف بطل العالم بالغناء أبو محمد.. صباح فخري، ومن منكم لم يسمع بمحمد خيري أبو هيثم الذي مات على خشبة المسرح وهو يغنِّي، ومن منكم لم يسمع بشيخ الطرب الراحل الكبير صبري مدلل، ولا يقتصر أداء حلب الراقي على الموسيقا، بل يتعدَّى ذلك إلى الفوتبول والباسكيت عبر نوادي الاتحاد والحرية والجلاء واليرموك والعروبة، وعلى الرغم من عدم وجود بحر في حلب وهذا ما يعترف به الحلبيون فيقولون ' آخ لو كان في بحر بحلب ' فقد برع الحلبيون بالسباحة وقدَّموا أبطالاً في السباحة على مستوى العالم مثل هشام المصري وباقي آل المصري، وبالطبع فإنَّ اللغز الحلبي الذي لم يستطع علماء الآثار حلَّه هو لغز الكباب الحلبي وعائلته، ولغز الكبب بأنواعها السماقية واللبنية والسفرجلية والمشوية والمقلية والصاجية والنية والإيج، ولا تخرج المحاشي عن الموضوع، كما يمكننا التغزُّل بالحلويات العجيبة من المبرومة إلى البلورية مروراً بسوار الست وأنواع البقلاوة، ولا ننسى اللوزيات والمجففات، وتكتمل الأسرار الحلبية بأحيائها القديمة المتصلة عبر قنوات وأنفاق أندر غراوندية بالقلعة لتحطم أساطير الميترو في باريس ولندن وسان بيترسبورغ، تلك الأنفاق التي نحتاج إلى آلاف الاجتماعات الآن في وقتنا الحالي لنفكِّر بالتخطيط لها، ولا يتوقَّف سحر حلب هنا ولكن أتى من استطاع إيقاف هذا السحر، فمنذ العام 1990 بدا أنَّ حلب تعاني من الإهمال بسبب تمركز الأعمال والأشغال في دمشق، فبات ألقها يخبو، وبات صوتها العالي يخفت، وأضحت مدينة خجولة، وصارت حلب مو حلب منذ أن بدأ مطربوها بالغناء عنها والتغزُّل بها بكلمات ما أنزل الله بها من سلطان في آخر محاولة منهم لشحذ الهمم كي لا تسقط هذه الحضارة العريقة التي يمكنك تلمُّسها وشمَّ رائحة عبقها الغابر في سوق المدينة وأحياء ما تحت القلعة، نعم لم تعد حلب حلباً وأصبح الطريق إليها مقفراً والطريق منها إلى أرض الله الواسعة مزدحماً، فهل نعيد حلب إلى حلب ؟!"

٠٣‏/٠٧‏/٢٠٠٨

المفتاح


"وهو ليس كباقي المفاتيح، فهو مفتاح المسؤول، هو الشيفرة التي تفكُّ جميع الأسرار، والعتبة الأساسية والأخيرة للوصول إلى المسؤول، على اعتبار أنَّ الوصول إلى المسؤول في بلادنا هو من أصعب الأمور وأعقدها؛ فإذا وضعوا شخصاً في منصب معين يتحمل فيه مسؤولية كذا وكذا وكذا وكذا.. فإنه بالتالي سيصبح مسؤولاً عن هذه الكذا والكذا والكذا..

وعلى اعتبار أنه أصبح مسؤولاً عن هذه الأشياء الكذايات فلابدَّ من أنَّ هناك أحداً ما يسأله، والأسئلة التي ستوجه له ستكون شديدة الأنواع؛ فمنهم من سيسأله على شكل استفسار، ومنهم من سيسأله على شكل استجداء، ومنهم من سيسأله على شكل طلب للمساندة، ومنهم من سيسأله الرحمة به والرأفة بعياله، ومنهم سيسأله منتظراً الجواب.. أي جواب مو مشكلة، ومنهم من سينتظر جواباً مقنعاً، فإذا لم يسمعه من هذا المسؤول فإنه بالتالي سيحمله المسؤولية عن فشل كذا وكذا وكذا.. وباقي الكذايات الفاشلة التي تغصُّ بها حياتنا السعيدة، ولعلنا باستنتاجنا وذكائنا سنعرف أنَّ المسؤول شخصٌ عليه عجقة كتير، وبالتالي فمن الطبيعي أن يسارع إلى وضع حاجز بينه وبين الناس اسمه مدير المكتب، وهذا المدير على الرغم من أنه حاجز أو حاجب فإنه بنفس الوقت مفتاح، فهو الداء والدواء، تماماً كما تفعل شركات الأدوية الكبرى في العالم بأن تخترع دواءً ثم تضطر لأن تخترع له داءً كي يتمَّ تسويق هذا الدواء، ومدير المكتب في بلادنا هو دواء صنع لداء لا وجود له مما اضطره لأن يكون هو الداء. وهذا التوضيح هو فقط لمجرد الطلب منكم بأن لا تظلموا مفاتيح المسؤولين، فهذه هي وظيفتهم وهذه هي مهمتهم، فترى مفتاح المسؤول يوصل كلّ أفكاره إلى المسؤول على أنها أفكار الناس ومطالب الناس، بينما هي أفكار ناس يخصون المفتاح من أقارب وعقارب وأصدقاء وجيران وأشخاص مهمين، على اعتبار أنَّ الأشخاص المهمين يستطيعون أن يكونوا بقواهم المتنوعة أقرباء لكل الناس، وتفشل المشاريع لكن المسؤول لن يعرف أنها فاشلة بل سيعتقد أنها حازت على إعجاب الناس كما قال له مدير مكتبه، فإذا سمع كلمة انتقاد من أحد ما اعتبرها مذمة من ناقص لا أكثر ولا أقل، وتمضي الأيام وتأتي الأيام فتقول إنَّ المشاريع التي أقيمت في عهد المسؤول فلان كذا وكذا وكذا، بينما الأصح أن تقول إنَّ المشاريع التي أقيمت في عهد مدير مكتب المسؤول الفلاني كانت كذا وكذا. وهنا يتضح أنَّ مفتاح المسؤول جندي مجهول أيضاً ومأكول حقه إلى أن يطير المسؤول ويبقى هو حاجزاً ومفتاحاً لمسؤولٍ جديد سيهرع إليه بداية استلام منصبه ويفهم منه الأوضاع فيفهمه إياها ويتابعان على نفس المنوال فيندهش الناس ويقولون في قلوبهم سبحانك يا رب تغيَّر المسؤول بس ما تغير شي؟!.. وكان الأجدر بها أن تسأل هل تغير مفتاحه معه، فإذا لم يتغيَّر مفتاحه لن يتغيَّر شيء، لأنو السر بالمفتاح وليس في الباب، وبالطبع فإنَّ المفتاح سيدهلز للمسؤول ويدخل عليه بنعومة وسلاسة ويطرقه عبارات مديح لم يسمع ببراعتها من قبل، كما سيطرب للتعظيمات التي ستطال شخصه من قبل مفتاحه وحاجبه بآن معاً، عندها تمضي الأمور على هوى الأمورة أو الأمور لأنو من الممكن أن يكون مفتاح المسؤول سكرتيرة حسناء، فتراها تقسم وتجمع وتطرح.. وتضرب إذا لزم الأمر يميناً وشمالاً غير آبهة بشيء، بل وتفرض على الناس الهدايا أو المقايضات أو المبادلات عبر أوراق تتحدث بكل اللغات، فترى يا صاحبي المسؤول ومفتاحه يعيشان في القصور والفيلات ويتسوحان في أوروبا الغربية للنساء، والشرقية للرجال، والسكي والديزني لاند للأولاد، والكازينوهات لمحبي الميسر وباقي أرجاس الشيطان. أما نحن فنتحوَّل إلى أصحاب كلمات، أقلّ ما يقال عنها إنها فارغة وأكثر ما يقال عنها.. أنو.. علاك بعلاك، وطبعاً بنستاهل لأنني شخصياً من محبي ومريدي أبو علاك، لأنَّ في أبو علاك الممنوع من الصرف من الصفات ما هو أحمد من المفتاح ومسؤوله في هذه الحالات، عن جد إنني في هذا الزمن أميل إلى تمجيد أبو علاك."

دون بصيص أمل


"كل الطيور التي أحببتُها
هوَتْ
وكان صوت ارتطامها بالأرض يقتلن
إلهي.. لا تجعلني طيراً
لا تجعلني من يعلو عن الأرض
وهو يعرف بأنه يوماً ما.. سيقعْ

*********************************************
هناك خمسة سطور تبقّت
على هذه الورقة
أفكر بقصيدة من هذا القياس
خمسة سطور كاملة
ضيعتها وأنا أفكِّر بمَ سأكتب

***********************************************
كنت بحاجة لأسألَكْ عن هاد الشي اللي كتير بيشبهَكْ
وبعد ما رحتْ وتركتني وحدي.. شفتُه
كتير بيشبهَكْ.. روحه متل روحك
مشان هيك حسيته ميّت متلك
وخفت أني أضلّ عم أحبّه وبعدين ما أشوفه قدَّامي
كتير هلأ بحاجة لألَكْ وبحاجة لألُه
بحاجة لألُه لأنو بيشبهكْ
وبحاجة لألَكْ مشان تخلّصني منّه

***********************************************
في تلك الأروقة
دائماً
كان بيني وبينك نقطة بيضاء أيها الليل
تعال
دون مصابيحكَ
دون شمع
تعال أيها الليل
بكل سوادك
دون بصيص أمل
*************************************************
ليكن أنَّ ما كان بيننا
مجرد هوى
ولكن..
أما كان يستحق منكِ
ولو لحظة تذكّر
ولو ارتعاشة ارتباك عند اللقاء بي؟؟

*************************************************
في بارٍ لا يشبه أيامنا
التقينا.. وتحدَّثنا كثيراً
بحماس.. كما لو أننا نلتقي لأول مرة
في ذات البار
بعد زمن
التقينا
لم نحيّ بعضنا البعض
ولم نتبادل النظرات أو نتحدَّث
كما لو أننا نلتقي لأول مرة

***************************************************
على كل الأحجار
سأرى حروف اسمكِ
وعلى كل الوجوه
سأرى ملامحكِ
بعدكِ
سأحبُّ الجدران والأشجار وإشارات المرور
بعدكِ
سأحبُّ أيَّ شيء
لا يخفقُ له قلبٌ
وساعة يشاءُ
يتوقف عن الخفقانْ
*********************************************
هذا الشتاء
بلا مطر
أو ثلوج
مجرد شمس باردة
وصقيع في الليل
هذا الشتاء
أيضا.. دونكِ

*********************************************
سأبقى كعادتي
أكتبُ القصائد عنكِ
وسوف تسرني آهات إعجاب الآخرين
سأبقى كعادتي
رغم أنني أعرف
أنك لا تذكرين حرفاً واحداً منها

*********************************************
دائماً هناك من يقتلني
ودائماً للأسف
لا يكون أنتِ

**************************************
كنا دائماً ثلاثة
أنتِ والحب وأنا
بين جدرانِ رطبة
وتحت سقوف واطئة
وكنا دائماً نهمس
خوفاً من الذين في الخارج
كانت القبلة ممزوجة بالخوف والأسى
وكان العناق راجفاً
دائماً كنا ثلاثة
تحت سقوف واطئة
وبين جدران رطبة
أنتِ والكراهية وأنا
****************************************
وحيثما تمضين
سأكون خلفكِ
حارسكِ
بقية الحب التي تحمي نقاط ضعفكِ

*************************************في كل مكان
وخلف كل الستائر
ستجدينني
تمثالاً من الألم والخيبة
حجراً حزيناً من كثرة الإهمال

**********************************************
على هذا الكرسي
كانت تجلسُ
أيها الشاب الذي يراقبني باستغراب
على هذا الكرسي كانت.
وكنتُ أعانقها وأمرّ بيدي على شعرها
وأحياناً أقبّلها
أيها الشاب المندهش
على هذا الكرسي
الذي تجلسُ عليه الآن
دون أن تنتابكَ أية مشاعر"