٠٧‏/١٠‏/٢٠٠٨

عواطف إلكترونية


"لم يساهم الأنترنت برأيي 'المفشكل' الذي لا سند له ولا إثبات بانفتاح المجتمع العربي على بعضه البعض، بل العكس هو الصحيح، وأقول بل وأنا واعٍ للرأي الآخر الذي سيقول لي أن أسكت وأبلع رأيي وأقعد قدام الكمبيوتر ليلاً نهاراً لأمارس حياتي الإفتراضية التي ارتأى معظم الشباب العربي أنها حالة تطور وتقلط، فترى الولد جالساً أمام اللاب توب من الصبح يعني الساعة 'تلاتة الضهر' عنده إلى نصاص الليالي يعني 'سبعة الصبح' عنده وهو يتحدث مع صديقه الذي لا يعرفه، فيقول لي الرأي الآخر أنه

يتعرف عليه، وممكن يسأله وياخذ الجواب منه، فأقول أن معرفة الإنسان تكون بما تعرفه أنت بنفسك عنه، وليست بما يحب هو أن تعرف، يعني ممكن يقول عن نفسه أنه شخص مهم، وأنت عليك أن تقبل، وممكن يقلك أنه طيب، وأنت عليك أن تقبل، وممكن يقدم نفسه على أساس أنه بنت، ويضع لك صورة له خارقة الجمال كأنثى، ثم يأتي ويسألك، وأنت تحب أن يسألك أحد، ولمَ لا، فبالأجوبة ستحقق أحلامك بنفسك، وتخترع لنفسك ما لم تستطع أن تفعل 10 %منه في حياتك الواقعية من اللحظة التي توقظك فيها أمك كي تتناول طعام الغداء على الأقل مع العائلة، لكنك تفضل النوم وتستيقظ وأبوك في سابع قيلولة وبجانبه أمك، وأخواتك أحدهم يكتب وظايفه والباقي يلعب، وأنت مع قهوتك الصباحية امام الكمبيوتر تسعى، تفتح الماسنجر، وتدخل في أحاديث مع ناس في كندا وآخرين في الهند، تجتاز السهول والوديان، وتعبر السبع بحور، وتخترق الأجواء، وتصل إلى ما لن يصل إليه أخوك الصغير الذي يلعب بالطابة مع رفقاته ويتخانق مع الجار الشرير بسبب انشعار بللور سيارته مجرد شعر، بينما أنت تكتب الشعر، تكتب تغزلاً بعينيها اللتين اتفقتما أنت ومحدثك أو محدثتك على لونهما، فلقد أجبتها أنك تحب العيون السود، والشعر الغجري المسدول يسافر في كل الدنيا، والشفاه القانية المبتسمة عن معرفة، والقوام الممشوق اللي من نوع النخلة، ويا لهول المفاجأة، أرسلت لك صورتها فإذا بها كما تريد، وكما تحب، وكما تشاء، فتتابع إقتحام أدغالها الإلكترونية إلى ما لا نهاية، ولا تراها ولا تراك إلا في الأحلام النهارية، لأنك صرتَ كائناً ليلياً بامتياز، منعزلاً عن شمس النهار، عن النعمة الإلهية، عن الناس، وأنت تعرف أن في الناس المسرة، وتسأل فيأتيك الجواب، وتُسأل فترد بالجواب، لكن كيف يمكن لك أن تجيب بصدق على سؤال من شخص لا تعرفه، كيف يمكنك أن تبوح بآلامك لشخص لم تحدق في عيونه، كيف تحكي حقيقة أعماقك لشخص لا تعرف كيف يرتشف قهوته، كيف ينهض، كيف يجلس، كيف يتعامل مع الآخرين، كيف يبتسم وكيف يعبس؟!!!
إذاً ستكذب، أنت حر الآن فلا أحد يعرفك كي ينهرك بنظرة أو باحتجاج إذا ما كذبت، وستصبح كائناً افتراضياً شكَّلتَه من أحلامك العاجزة عن التحقق، واكتفيت من الحياة باللاب توب، وإنَّا لله وإنَّا إليه لراجعون."

ليست هناك تعليقات: