"كنا في الصف الثامن في مدرسة اسمها القنيطرة وبجانبها مدرسة ابتدائية، اسمها جبل الشيخ، بينما كانت الأحداث تجري في حلب، والحدث كان أن امرأة جميلة دخلت إلى مدرستنا، بل كانت فائقة الجمال، بشعر مسبل أشقر، وعيون بين الزرقة والخضرة، وابتسامة عميقة خلفها ما خلفها من حيثيات لا نعرفها، ودخلت إلى صفنا، ثم قالت لنا إنها آنسة الفرنسي تبعنا،
وبُهتنا.. ثم دُهشنا..ثم انفلجنا..ثم شعرنا بما يسمونه بالحبور.. عرفناه.. تعرفنا عليه هو وشقيقه الكبير سرور وشقيقته الصغرى فرح،
وكان اسمها فاديا ملحيس. كانت آنستنا هذه أول امرأة تدخل إلى مدرستنا الإعدادية باستثناء أمهاتنا اللواتي كن يدخلن بصفتهن أولياء أمورنا مسلحات بشحاطات سريعة الشلح واللطش على ظهورنا وأقفيتنا حال تلاوة الموجِّه لتقريره الموجَّه ضدنا، فالولد عم يتأخر على الدروس، وهذه عيارها كف عالماشي على الخلقة بشكل مفاجئ، والولد عم يقلل أدب مع أساتذته، وهذه عيارها طيارة مع شدة أذن قوية يتدخل على أثرها الأستاذ ويفك الطفل الجاني ولكنه الآن بين براثن والدته مجني عليه،
أما لمّا الولد عم يهرب من المدرسة وعم يشرب سيكارات فهذه تستدعي استخدام السلاح الأبيض وأداة التعذيب الأولى الشحاطة، ونولول تحت الضربات المهينة التي نتلقاها والقتلة التي نأكلها مع مازواتها من وحول عالقة في قفا شحاطة الوالدة يحفظها ويديمها على راس كل مرضي وكل مغضوب.
المهم مالكم بالطويلة هيك كان الوضع بالمدرسة الثانوية تبعنا، ومع أن كل الطلاب كانوا مؤدبين، فإن هذا لم يكن يمنعهم من الوقوف أمام باب المدرسة لوداع الآنسة فاديا وهي تمضي تماماً كما كانوا يستقبلونها عند مجيئها أمام نفس الباب،
وكنا نؤلف حلقة حولها من طلابها التوامن كي نمنع أياً كان من الاقتراب منها، لكنهم لم يكونوا ليزعجوها، وإنما كنا نفعل ذلك لنتباهى بأننا حراسها الشخصيون، ما كانت كلمة بادي غارد معروفة وقتها، وكنا نتشاجر مع كل من تسول له نفسه أن يتفوه بتعليق متهكم أو سخيف في اعتباراتنا، وكان الشجار ينتهي بهزيمتنا الفادحة كون العدو بكالوريا بينما نحن شقفة توامن، ولكن كرامتنا كانت تشدنا إلى القتال، على الرغم من أننا بالنتيجة المخزية عارفين،
وكنا نجلس مقابل الآنسة فاديا في الصف فخورين، وكانت تقول لي نقمان.. أنت نقمان.. نقمة على المجتمع.. وتضحك ويضحك الطلاب ثم ينادونني في الفرصة بنقمان ومنهم من كان يقول لي سقمان بسبب سقمي.. فكنتُ أقول : صحتي هي العجَبُ. وبصدفة عجائبية لمحتُ معلمتي،
هرعتُ إليها بفرح وحبور وسرور ولكنها لم تتذكرني، قلتُ لها اسمي وأنني كنتُ طالبها في الصف الثامن في مدرسة القنيطرة، فتذكرت المدرسة ولم تتذكرني، قلتُ لها أنو أنا نقمة.. نقمان.. ضحكت .. ولم تتذكرني..
عدتُ أدراجي خائباً، يا إلهي .. لم أكن مميزاً وقتها إذن.. فهي لم تتذكرني..
غير أن صرخة منها باسمي استوقفتني.. بس انا بعرفك هلأ.. بقرالك بالجريدة.. كل يوم..وبعرف أنك رح تكتب عني.. لأنك إذا تفركشت بالشارع بتكتب عن فركشتك، وإذا انكسر معك كاسة وأنت وعم تشرب بتعمل منها قضية،
بس أوعك تقول أديش عمري.. أوعك..
وتعانقنا وتعاهدنا على عدم ذكر عمرها لأنها غالية علي وسعرها بسعر أمي ."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق