١٨‏/١٠‏/٢٠٠٨

الغرور


"دائماً تدخل إلى مكان فخم مطعم مثلاً أو مقهى فتجد شخصاً واحداً على الأقل محيطاً نفسه بهالة من الغرور دون أن تعرف سببها، لأنك أصلاً لا تعرفه ولا تعرف من يكون.
هذا الشخص الذي يبث طاقة سلبية في المكان، وظلاً ثقيلاً يخيم حتى على أحاديث الآخرين، فترى أصواتهم خفتت، وإيماءاتهم قلت، وضحكاتهم انعدمت.

وإذا ما حدث بينك وبينه أي احتكاك فهو ينظر إليك من تحت نظاراته السوداء الشمسية بغرور لا يوصف كي يثبت لك أنه من طينة مختلفة عنك ومن طبقة اجتماعية 'أرقى' وأعلى من طبقتك بالتأكيد وبكثير أيضاً.
ويجلس هذا الثقيل الظل مكانه ويرمق الداخلين والخارجين بقرف، فيقول عبر نظراته للخارج من المكان'أنت لن تعود إلى هنا إطلاقاً فهذا المكان ليس لك ولأمثالك'، بينما يقول لعبد الرحمن الداخل'مالذي أتى بك إلى هنا .. مكانك ليس هنا'، ويريد أن يقول للجميع إنهم طارئون على المكان فهو الذي يملك المال وهو يريد أن يثبت للجميع أهمية المال وخاصة لمن نسوا ذلك واكتفوا بالقليل، إنه يريد أن يشتري ويشتري ليثبت أنه الأفضل والأروع، بس ما بعرف لمين؟.

لقد نسي بعض الأغنياء أو المتنفذين أن بداية الرقي هو التواضع، وأن فن الإتيكيت ليس بتعلم الأكل بالشوكة والسكين، أو الأكل بالعصي الصينية بطلاقة، أو ارتداء أفضل الملابس وأكثرها أناقة وعصرية، نسوا أن هناك في فن العلاقات مع الآخر بنداً أساسياً وهو الانحناء للآخر، الانحناء المتواضع، وكيف لا يعرفون ذلك وهم الذين قضوا حياتهم ينحنون للمال وللنفوذ ولمراكز القوى بذل وليس بالتواضع الذي كنا نتحدث عنه، لأن هذا الانحناء المتواضع الصادق غير معروف عندهم ولم يجربوه، وهم ليسوا بحاجة لتجريبه، فهم أناس يحملون أقنعة كثيرة معهم، فتجد هذا المغرورالذي عوَّف المكان حياته بظله الثقيل وغروره قد قفز من أربعته عند دخول شخص ذي نفوذ أكبر، وأصبح ممسحة أمام كل الجالسين وهو ينافق ويتذلل، بل إنه نسي كل اعتداده بنفسه، لأن اعتداده كان كاذباً أيضاً وكان مجرد قناع من الأقنعة الكثيرة التي يضطر لاستخدامها في اليوم الواحد، إنه شخص غير عزيز بالأصل، إنه شخص من هؤلاء الأشخاص المزيفين الذين يبدلون جلد وجوههم كما يبدلون أحذيتهم، تتصارع على جلودهم كافة أنواع البارفانات، وعلى قوامهم كافة ماركات الأزياء، وعلى أقدامهم كافة أنواع الأحذية، وتتصارع داخل بطونهم الوجبات، أما في أدمغتهم فهناك سلام، سلام ... سلام.

لهؤلاء الذين هناك سلام في أدمغتهم لن أقول شيئاً فقط سأدعهم بسلام . ."

ليست هناك تعليقات: