"على اعتبار أن مكتبتي معرضة للغزوات الثقافية من قبل أصدقائي على الدوام فإن ما يتبقى دائماً منها هو تلك الكتب الكاسدة التي لم يقبل أحد حتى بسرقتها، لم يتنازل أحد وطلب استعارتها، باستثناء كتاب واحد ضخم طلب مني العديد استعارته ولكني لسبب غامض كنت أرفض، هو كتاب ( مجمع العمرين) للشاعر والكاتب السوري الحلبي سمير طحان، كان هناك وعد لنفسي بقراءة هذا الكتاب في يوم من الأيام،
كان الفضول ينتابني لأعرف مالذي يكتبه هذا الرجل المبعَد بقدرة قادر عن الأوساط الثقافية، ما حدا بيجيب سيرته.. لا بحق ولا بباطل، ويعني وإذا أجت سيرته بتنقضى مع اللي عم يحكوا بكلمتين تلاتة، أو بحديث قصير عن حادثة بتر يديه وفقدانه للبصر بسبب انفجار لغم كان يركبه على الجبهة في يوم من أيام 1970وخلص.. بس .. انتهى الموضوع، ولم يكن لدي ما أضيفه حقاً سوى إحترامي الشديد لقوة ضربات قلب هذا الرجل، بل إنني كنتُ في بداية الثمانينات في حالة جفاء تجاهه بسبب طنطنة الإعلام بالحديث عن سيدة أحبت هذا الرجل الأديب المحتاج إلى رعاية خاصة بسبب وضعه الجسدي الخاص، بل ووجد الإعلام في زواجها منه قمة التضحية، المهم مالكم بالطويلة فإن المخلوقة ما طلعت ملاك، وطلعت كل مقالات الصحفيين عنها علاك بعلاك، فلقد شفطت كل ما يملك سمير من بيت في حلب وشاليه عالبحر والأهم من ذلك أخذت معها مخطوطات لسمير نتمنى أن تعيدها ومسامحة بالبيت والشاليه يا أختي، اختفت..واختفى اسم سمير طحان أيضاً بعد أن كان نجماً أدبياً نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، بقيتُ اسمع أغانيه التي يلحنها سمير كويفاتي وتغنيها ميادة بسيليس، وكنت قد قرأت تجاربه الشعرية الخاصة، وبعض الحكايات الشعبية الحلبية التي كان يحررها، لكن وقبل كم يوم أحسستُ بحاجة إلى قراءة كتاب ما، مو شعر ولا قصة ولا رواية ولا فلسفة ولا صحافة حتى..ما بعرف شو بدي أقرا، أمسكتُ بكتاب مجمع العمرين على مضض بغاية تصفحه، وفتنا بالحيط يا شباب وما طلعنا منه ألا وأنا وخالص من الكتاب، 670 صفحة بالتمام والكمال من التمتع بفن الكتابة.. نص مفتوح على كل الإحتمالات.. رواية حديثة تماماً.. سيرة موضوعية كما سماها.. وهذه عكس السيرة الذاتية، وفي الرواية كل ما شاهد سمير وأحس، كل ما تعلَّم وعلَّم، مكتبة في كتاب كما قال ناقد فرنسي عنه، فيه الشعر..فيه القصة..فيه السيناريو السينمائي واللقطة التلفزيونية والوقفة الفوتوغرافية والألوان التشكيلية، فيه الحداثة إلى أبعد مراميها..والتراث إلى أعمق أغواره..وتتعلم وتتعرف على بلدك سوريا كما لم تتعرف عليها من قبل، وتتمتع بالتراث الشفوي الحلبي أيما متعة، فسمير ليس كاتباً روائياً عظيماً فحسب، وليس من كتّاب السيرة رفيعي المستوى كبروست أو أنطون دو سانت أكزوبري فقط، بل هو باحث إجتماعي وعالم شعبي شاءت له الظروف أن يبقى حياً فشكر الله على هذه النعمة بالكتابة، كتابته فعل شكر عميق للحياة التي يعيشها، لا فعل تذمر وشكوى، فعل إرتقاء إجتماعي بنَّاء لا فعل إنتقامي هدّام، في كل صفحة هناك درر شفوية شعبية مصاغة بمهارة شديدة وحساسية خاصة، واللغة.. لا تحدث..شيء يشبه السحر لروعتها وسلاستها وغناها وعراقتها وجدتها وحداثتها، ولن أحدثكم أكثر عن هذا الكتاب الصادر عن دار كنعان بدمشق، لكنني سأحدث أولي الأمر في حلب عاصمة للثقافة الإسلامية، وفي دمشق عاصمة للثقافة العربية، لماذا لم تنتبهوا إلى كنوز سمير طحان؟!! وأسأل من جديد هل هناك من أمل في مؤسسة لحفظ التراث ونشره اسمها سمير طحان؟!!! قولوا انشالله!!"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق