١٢‏/٠١‏/٢٠٠٩

عصفور طيار

يحدث أن ترى في الحياة من غرائب العلاقات ما لا يدخل لك في مخ، ولا يستلقي بجانبك على العرزال، كأن ترى عصفورة جميلة متزوجة من واحد ليس من مقاسها، ليست راكبة معه بتحس، أو إنك تشوف عصفور حليوة وأفندي مرافق عصفورة ليست من مستواه، ليست ولا بد، لكن ليس من تلك العلاقات التي تراها مشحونة بطاقةحب كبيرة كما يحدث أحياناً، لا .. شغلة مو راكبة أبداً مع بعضها، لكن لو بحثت في جذور شخصية العصفورة لرأيتها تلك المسترخية بحنان واقتدار بريشها فوق البيوض لحتى تفقس، وأنت تعرف أن المسألة لا تصح بدون أن يكون للبيوض مكان، وبالتالي يصبح العش من ضرورات العصفورة ، أما العصفور.. فهو طيار، عصفور طيار "صايع" ضائع فلتان.. من شجرة لشجرة ومن غصن إلى غصن، ومن فنن إلى فنن، وهكذا حتى يخلص النهار، وتبعث وراءه "أم العيال" كي يرجع إلى عشه و"ينضبَّ"، ويعلِّم الأولاد الزقزقة بعد أن يسكِّت زقزقة عصافير بطنهم بوجباتهم المفضلة من محلات "ماك دود" الشهيرة، ويجلس العصفور كم دقيقة ثم يعود إلى الطيران بحثاً عن الخلان من رفاق السوء للسهر مع كم عصفورة ليست من مستواه، لكن بصراحة مل قلبهم من أم العيال، وهكذا تكتشف في عالم العصافير، أن العصفور يحب المرافقة، والعصفورة تحب الزواج، لذلك فإن العصفورة ممكن تتزوج أياً كان، والعصفور ممكن يرافق أياً كانت.. ولهنا هانت.. لكن الذي لا يهون هو ما الحل من أجل تنحل المعادلة مع أم العيال ويصير العصفور قاعد في العش مبسوط وسعيد وليس طيار، وصورته تضحك مع العائلة داخل الإطار!!

٠٥‏/٠١‏/٢٠٠٩

أسطورة أبو شاكر

ليس أبو شاكر الشهير سوى محلّ صغير للعصير، في الصالحية، هو نقطة العلام، الناس بالعشرات يقفون أمامه وكلٌّ كوبه في يمينه، الشارع مقطوع، والسيارة التي ستمر ستأخذ بعين الاعتبار الزحام الذي يسببه أبو شاكر، وهو واحد من عدة نقاط علام في دمشق، مثل دامر للبوظة، وأبي العبد للشاورما، فخر الصناعة الوطنية إذا شئت، وفي صدر الشارع هناك لوحة رُسم عليها لاعب كمال أجسام، وبقليل من الذكاء ستعرف أنك ستصبح مثله إذا واظبت على شرب الكوكتيلات والعصائر من عند عمّك أبي شاكر، وأبو شاكر وأولاده وعمّاله وأقرباؤه جميعاً عائلة واحدة متفاهمة متناغمة منسجمة، والجميع يرحبون بالضيف مين ما كان، فقط اعبر وستسمع الترحيبات الحارة، والمرحبون عادة يقفون في الشارع مع الزبائن يمارسون بالإضافة إلى الترحيب جمع الفوارغ وإعادتها إلى الدكان الصغير المترين بمتر، وإذا ركزتَ عزيزي قليلاً في الحشد الواقف المرتشف للعصير فستكتشف أنك واقف وسط حفل كوكتيل أخو أخته، حفل كوكتيل مفتوح من الصباح حتى آخر الليل، حتى أن هناك من يتواعد مع الآخر عند أبي شاكر، وفي حال مر بعض الزبائن المرموقين فإن التحية تأتي من الداخل، من عند أبي شاكر شخصياً، خاصة أنه مركب مرايا يرى فيها القادمين من بوابة الصالحية، والآتين من زواريب 29 أيار، فيصدح صوته (أهلاً بالأستاذ حكيم مرزوقي، رئيس اتحاد الكتاب العرب).. هو يعتقد حقاً أن حكيم هو رئيس الاتحاد، وليش لأ.. طالما الرجل كاتب ومعه شنطة وألو سكسوكة أيام زمان، ومن الإخوة العرب .. يعني تونسي .. ولا مجال لأن تعين شخصاً آخر في هذا المنصب مهما تناقشت مع أبي شاكر، كما أنه يعتقد أن أدهم مرشد هو نقيب الفنانين، قلنا له طيب نقيب فناني فرع السويداء على الأقل، لكنه لم يقبل، أما آخر نجم وقعت عليه عيناه فهو جلال شموط، لا يمكن أن يكون هناك نجم تلفزيوني سواه عند أبي شاكر، له مقاييسه، وعليك احترامها، فهو صاحب أكبر شعبية في عالم العصير، من حمص يأتون إليه تحديداً، يتواعدون عنده، من حلب يتصلون بي .. جماعتي .. لاعبو فريق الحرية، بنشوفك عند أبو شاكر ولك لقمان، كلنا هنيك، حتى المدربين الأجانب يعرفون أبو شاكر، وتبدأ الأسطورة، هناك من يقول أنه يصنع خلطة سحرية لا تستطيع مقاومتها، وهناك من يدَّعي أن أبو شاكر يضع مادة يدمن الشريبة عليها، وهناك من يقول حظ ونصيب، وهناك من يطلب كوكتيل فواكه ويسحب بطاقة يانصيب، عسى ولعل تنقش معه هالمرة، وإلى هنا يحلو التفسير، لكن أن يأتيك شخص من عالم الغيب، ويفتح بجانب أبي شاكر محل عصير، فهذه والله قمّة الأعاجيب، وفتح، وظبط أموره، وعلَّق لوحاته، وموزاته وبرتقالاته وتفاحاته، بل إنه جاء بالكيوي والأناناس، وأجلس أمامه بعض الحراس لينادوا عليه، قال لحاله هلأ الزبونات بتستصعب الانتظار وبتطلب من عندنا، لكن هيهات، العجقة عند أبي شاكر وصلانة للبرلمان، واللي فتح بجنبه عم بيكش بهالدبّان، لحتى ملّ بعد سنة وباع المحل، ونقى لحاله غير كار، وظل أبو شاكر بابتسامته المعهودة وأولاده اللطيفين يقدم العصير، وأنا أتساءل إلى الآن عن الفكرة التي جعلت صاحبنا الذكي يفتح بجانب أبي شاكر محل عصير؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

٠٤‏/٠١‏/٢٠٠٩

فناجين بدون قارئات


"لدي وعطفاً على حديث البارحة ثلاثة فناجين محببة لم تمسسها أيدي قارئات الفنجان، وعلى اعتبار أنني من زبونات القهوة المميزين، فإن خلقتي بخلقة هالفناجين الثلاثة طول النهار تقريباً، ولأنني لستُ من هواة المقتنيات، بل حتى أنني بلا عادات تقريباً اللهم إلا إذا اعتبرنا روتين حياتنا اليومي عادات، كما أنني في المقهى لا أقول للنادل : هات قهوتي. بمعنى أنه بيعرف كيف بشربها بالعادة، لكن ما يحدث هو العكس، فسمير ومعين واسماعيل في مقهى الروضة ينزلون القهوة الوسط لي دون أن يسألوني حتى، وأنا أيام بكون شربان دولة قهوة بالبيت وجاي على بالي أشرب شاي، بس لما بتنزل قهوتي من دون طلب بحس حالي شخصية مهمة، وبشربها بالتالي بنكهة البصل، يعني وأنا وكاسر على أنفي بصلة. ياالله أديش أنا مهم، تخيلوا حتى كراسين القهوة اللي بقعد فيها من عشرين سنة بيعرفوا قهوتي، وبيعرفوا طباعي كمان، وبيعرفوا إيمتى بكون رايق وإيمتى بكون متضايق، وبيعرفوا أني ما بأركل، بس جماعة الأركيلة أصحابي، وخاصة أبو علي اللي حدثتكم عنه ذات يوم شتوي، لأنو الجمر بيدفّي، وبونات المازوت ما بتكفي، والشودير عطلان، وأجا أبو بهاء ليصلحه، الله يصلحه، قال بدُّه تبديل مضخة، كربجت، والعيلة عم تكتك من التكتكة مو من التكتيك، البرد سليماني، الدفا عفا والبرد قاتولي والشوب ما بينطاق والخريف بايخ والربيع ما عاد أله لون، لا الأوراق الصفراء تقرمش تحت قدميك وانت تمشي مشيتك الرومانسية إياها في الخريف، لأنو ما عاد في شجر على مرمى النظر، فما بالك بمرمى القدم، حيث لا مكان لتحط أجرك إلا ما تدفع، منيح ما عنا سيارة، الحمد لله، صاروا رفقاتي أصحاب السيارات محرقصين بالقعدات، والله بدي أمشي، هلأ بيصير عداد الصفّة تبعي بلاوي، والمراقب اللي حاطينه ما بيرحم، إي شرطة المرور بيطلعوا قدامهم دح، إييييه تعيش وتترحم، وين أيام الخمسة وعشرين اللي كنت تناولها لصاحب النصيب، ودايماً كانت بتصيب، إيييييييه تعيش وتترحم، وين أيام الصوبيا الحطب ودولة القهوة النحاس اللي قاعدة عليها وهي وعم تغلي على مههههههههههههههههل، كانت الحياة كلها على مههههل، لأنو كان عنا أهل، واللي ببيت أهله على مهله، بس هلأ ما عاد في وقت للأهل، صار فراقهم سهل، ولقاءهم صعب، صار الوقت كله عداد، كل لحظة عم بتمرك عليك يا معلم، وكل شفة من الفنجان محسوبة عليك، وكان عندك تلات فناجين، واحد عليه صورة موزارت الموسيقي، والتاني عليه صورة صاحبه بيتهوفن، والتالت عليه كتابات بالأجنبي ما فهمت منها غير كلمة hope يعني أمل، ولأنو كتير حلو وطاير عقلنا كلنا فيه قمنا كسرناه لفنجان موزارت، وصفي بيتهوفن والأمل، أنا بصراحة بحب الأمل أكثر، قياسه جايي ستاندر، بينما قياس بيتهوفن جايي ملليمتر زيادة إمعاناً في التفنن، ونسيت بيتهوفن، سألت عنه بعد ما بحبشت بالمجلى وعالرف وما لقيته فقالوا لي أنه في البراد وقد حمل معه عصير ليمون حامض زاد من وليمة الفول الجمعة الماضية، يا حوينتك يا بيتهوفن تقعد بالبراد، خفت ما يزعل .. طالعته من البراد.. دلقت حامض الليمون في جوفي عالريق، حممته لبيتهوفن بالشامبو المفضل تبعه لودالين بنكهة الموسيقا، لأنو ما بيطيق الليمون، ونشفته، وصبيت فيه القهوة، بس يا خسارة ما في سكر، التفتت لادوّرعليه قام شفت فنجان الأمل ينظر إلي بلوم وحزن وعتب."

طفران يا سيداتي طفران


"ربما تكون منهم وربما لستَ منهم.. هؤلاء الذين لديهم قلمهم الخاص وطاولتهم الخاصة وصحنهم الخاص ودفترهم الخاص، لكن مع الأيام تبدأ بعض الأشياء بتخصيص نفسها بك، فتكتشف أنك تملك ركناً خاصاً وطاولة خاصة وكرسياً مفضلاً وصحناً أثيراً وملعقة عزيزة وشوكة غالية وصديقاً مميزاً وصديقة نفيسة وحبيبة مدللة وأكباداً تمشي على الأرضِ، هذه أملاكك، عوالمك، شئتَ أم أبيتَ،

وما بينكَ وبين حبيبتكَ أو صديقكَ بلا شك أقوى مما بينك وبين فنجانكَ، مهما ادَّعيتَ وأسهبتَ وأطنبتَ في أنسنة الأشياء، لكن في لحظات ما، وخاصة عندما تأكل الطعنة النجلاء في ظهركَ من الحبيب أو الصديق أو الأخ أو القريب، تستنجد بكلبك وتفضِّله على البشر على طريقة سارتر الوجودي الشهير الذي قال 'كلما تعرَّفتُ على البشر أكثر ازدادت محبتي لكلبي'، لكن عندنا من الممكن أن تضرب كلبك في حالات الحنق الشديد، وعلى اعتبار أنو عنا هون ما كل العالم عندها كلاب، فإننا في لحظات الحنق الشديد نضرب زوجاتنا، مطبِّقين المثل الروسي الذي يقول إنَّ 'خير صديق للإنسان هو المرأة!!' يخرب بيتهم على هالمثل اللئيم، ما لي علاقة، مو من عندي، لكن ما عندي هو أننا يمكن أن نقلب مقولة سارتر أيضاً كي تناسبنا، فتصبح 'كلما تعرَّفتُ على البشر أكثر ازدادت محبتي لزوجتي'، خاصة وأنَّ علماء البيولوجيا شرَّحوا انخفاض مستوى حالات الطلاق عندنا بأنَّ الجو العام خارج المنزل مقت بمقت، وما عاد في فرفشة وبسط ألا لبني ريشمان وبني طكعان وبني مليان، ما عاد في بهجة ببلاش، ومالكم مكان بين الفرسان يا بني تعبان وبني هفتان وبني طفران وبني عيفان... وما لكم شغل مع النسوان، لأنَّ المرأة يا عزيزي في زمن الحرية والمساواة تحوَّلت إلى سلعة متلها متل غيرها من المقتنيات التي تُصمَد في الصالونات أو المُستعملات التي ترمى في النهاية في سلة المهملات، لم يمر زمن حرية المرأة عندنا بالاستقلالية والمشاركة والإنتاج وبالتالي الحب الحلال، لأنو لو المخلوقة كانت مبدعة ومستقلة وعندها إضافات رح تقعد ببيتها، مو بإيدها، هيك فرضت آلية الأشغال العامة عندنا، المرأة الحلوة عندها امتياز، الجمال الأنثوي بالنسبة إلى مديري شركاتنا هو دكتوراه تؤخذ بعين الارتياح، أما شو الشهادة وشو الاختصاص وشو مدى الشطارة ومستوى الموهبة فهذا ما له حتى ولو طرف نظرة اعتبار، هذا إذا لم أقل إنَّ كفاءات المرأة في مجتمعنا لا يُنظَر إليها باحترامْ، ومع ذلك فإنَّ حالات الطلاق عنا عم تخف، لأنو المواطن الأندبوري ما عاد شاف شي برات البيت من الحياة، كله بيع وشراء وآجار واستثمار، ومرتك حلوة متل البدر يا سبحان اللي خالقها وحلفت لها بليلة القدر لا بخونها ولا بطلقها، صدق ملحم بركات لكن نسي أن يقول لها إنه لما غنَّى هالأغنية كان طفران..... وطفران يا سيداتي طفران.."

٠٣‏/٠١‏/٢٠٠٩

ريد واين.. الخل الأحمر


"مبروك.. صار عنا قنوات خاصة بالطبخ، وقنوات الطبخ هذه ما بدها كتير موافقات، ولا بدها كتير رقابة، يعني الموضوع عن الطبخ، الأكل، والأكل تقريباً مسموح فيه إلا فيما ندر بسبب معتقد أو أسطورة أو تطير، وقلنا لعقولنا الذكية أن نعلم المتفرج تبعنا على الأكلات الغربية، عسى ولعل نصير متلهم، على مبدأ من عاشر قوماً أربعين يوماً صارمنهم، أو عسى ولعل تهدأ الأحوال بيننا وبينهم وتزول التوترات والمقارنات على مبدأ أنو صار بيناتنا خبز وملح، مع أنو الجماعة ما بيكتروا ملح متلنا، ولا بيقرق لهم الخبز مخهم متلنا، وبدأت هالبرامج في فنون الطبخ والنفخ بالظهور، شي من الهند وشي من الصين، وشي من الكاريبي، وشي من المحيط المتجمد الشمالي، اللي بلش يوزع الحصص على البشرية من الماء في بونات تاريخية، وبالطبع فإن ستات البيوت عندنا باشرن بالتدرب على هذه الطبخات عملياً، لكن دائماً كانت هناك مشكلة، ما عم تظبط معي يا أخي، عم سجّل الحلقة عالفيديو وآخد المقادير صح، وأسماء النبتات العجيبة صح، بس ما عم تظبط الطبخة معي يا أخي، عم حطّ سمك السلمون بالفرن بعد ما أنقعه بالريد واين ..يعني الخل الأحمر.. ورشّ عليه الفلفل الأسود والملح الأبيض بدون نتيجة.. أسود.. كل شي أسود.. عم تحترق الطبخة يا أخي، رجعت جربت أطبخ شغلة تانية.. حطينا الزهرة مع الكرفس الإسكندينافي والليمون الإستوائي ورشينا عليه شوية وايت واين.. قصدي خل أبيض.. وما ظبطت معي، بقى مشان هيك أريد حلاً!!!!!
في الحقيقة يا أختي فلقد حدث معكِ ما حدث مع الكثيرات من ربات منازلنا بسبب جهلهن باللغة الإنكليزية لا أكثر ولا أقل، وستقولين لي يا أختي أنو الطبخ نَفَس مو معهد اللغات، لكن لو عرفتِ سيدتي أن الترجمة الصحيحة للريد واين هي النبيذ الأحمر وليست الخل الأحمر لأدركتِ فداحة فعلتكِ عندما أنزلت سمك السلمون المحترم في طنجرة الخل، وإذا عرفتِ سيدتي أنهم يترجمون الوايت واين أو النبيذ الأبيض إلى خل أبيض فاعرفي مدى ضخامة الخطأ الذي ارتكبتيه عندما خلطت الخل بالزيتِ كما فعلت قبلكِ جدتكِ رباب ربة البيت، فنصيحتي أن تغيري القنال، اقلبي، الكونترول ملك يديكِ، تمطعزي على كنبتكِ، واكبسي الزر إلى قناة أفضل، وانتبهي من أن تأكل القنوات الأخرى رأسكِ بقصة النبيذ الأحمر فتترجمه إلى عصير أحمر فتذهبين وتضعين ديك الحبش في حلة من شراب التوت تم شراؤها من على بسطة متنقلة بواسطة العربانة في البحصة، لأ..ولا تصدقي أن العصير الأبيض الذي كتبوه أمامكِ على الشاشة كترجمة هو شراب اللوز كما فسرتِ.. لا .. إنه نبيذ أبيض.. وايت واين.. وحاولي أن تأخذي المكونات من فم الطباخ لا من الترجمة.. حتى إذا قطشوا الصوت عند بعض الكلمات فحاولي أن تقرأي الشفاه أيضاً.. على فكرة ضروري كتير بالإضافة للغة الإنكليزية أن تتعلمي لغة الشفاه، فإذا وضعوا خطاً أسود على شفايف الشيف مايكل فما عليكِ إلا بلغة العيون، وهذه أنت معلمة فيها سيدتي"

٠٢‏/٠١‏/٢٠٠٩

كيف ما فتلتها

"كيف ما فتلتها وأنا أجلس أمام لابِ توبي لا فُضَّ لكم توبُ لأخطَّ لكم ما تيسَّر من روزنامة المرحوم 2008 وجدتُ شبح الحرب مخيِّماً على راسي، صوت الأخبار عالٍ، وصور الدمار هي الأكثر ظهوراً وبروزاً، وتنتظر مع المنتظرين، وتقول في نفسك إنَّ الحرب الكونية قادمة ولاشك، ثم تضحك من نفسك لأنه لم يعد لك الحق في الضحك إلا من نفسك، وتفكِّر.. ألستَ تعيش الحرب الكونية الآن؟!.. وهل هناك حرب كونية أكثر من هذه الحرب الدائرة بشكل يومي كل يوم،

يومي وكل يوم إي، يومي وكل دقيقة، يومي وكل لحظة، إي رقّاصة وبترقص كمان، متل ما عم قلك، صارت الحرب شقفة من يومك، إذا ما عشتها شخصي بتعيش تداعياتها، وإذا ما عشت تداعياتها بتشوف صورها، وإذا ما شفت صورها بتسمع صوتها، لحتى تبلَّدت أحاسيسك، وصارت الحرب فايتة فيك من كلِّ جوانبك، حتى ما عاد فيك تميلُ، أين ما ملتَ بينتزع مراقك، فالحربُ صارت في طعامك، في منامك، في كلامك، في أحلامك، في مناسباتك، في أعيادك، حتى إنها دخلت في مآتمك، ما عاد حدا عنا تهنَّى بشي العمى، العيد ونزعوه، الفرح وسرقوه، العرس وخوزقوه، وصرت بدك قبل ما تبلش مناسبات الفرح تعتذر من نفسك ومن رفقاتك لأنك بعد شوي بدك تفرح، صرت بدك تعتذر من القتلى، من أمهات القتلى، من أخوات القتلى، من أبناء القتلى، صرت بدك تعتذر من الدماء، من الشهداء، من الشهود، ولك حتى بالموت ما عدنا تهنِّينا، صرنا نفتح العزا وقبل ما نترحَّم عالمرحوم نترحَّم عاللي عم بيموتوا كل يوم، حتى إنَّ المرحوم ما عاد نابه بهاليومين من الترحمات قد ربع اللي كان ينوبه بالأحوال العادية، بتدخل عالعزا وكلك وجوم، بس بتدخل على مضض لأنو مراقك منزوع، يعني بتحسَّه للعزا تبع قرايبك أو صاحبك ما له طعمة، شي منه كتير، متله متايل، ما عاد العزا عزا يا زلمة، ما عاد في أله هديك الرهجة والبهجة والهيبة، نزعوه، إي صرنا نفوت بالحديث عن غزة بنص العزا وننسى المرحوم وفضايله وجمايله، وندخل بالعراق ونطلع من العزا بدون ما نذكر محاسن المرحوم، ولك ما عاد خلُّونا نعرف نقوم بالواجب، بقى يا أخي العدو الغاشم.. مين ما كنت تكون.. عالشمال أو عاليمين، هدِّينا شوي بقى، العمى بعيونك العمى، خلِّصنا بقى، فهمنا احتلِّيت أرضنا واحتلِّيت سمانا، كمان بدك تحتل التلفزيون، شوبه العكيد.. والله شوفته عندي أحسن من شوفتك، اتركني أتفرَّج عالمسلسلات، ما عاد هنِّيتنا بشي ها أنت، بنفتح عالكوسوفي ونيرمين من هون بتطلع لي بخبر عاجل من هون، شي انفجار شي تفجير، شي إبادة شي تهجير، شي قصف شي تدمير، إي هلكتنا، فتت بفطورنا وبغدانا وعشانا، فتت بعيون أطفالنا، صرنا نتصبَّح بعمايلك، ونتمسَّى بفعايلك، ونتناقل أخبارك، ونعد ضحاياك، ونوثق أخبارك، ما بدنا شي غير أنو تخلِّينا نشوف توم وجيري بدون ما تمد راسك، يا عزيزي يا أيها العدو الغاشم المتسلبط المتفرعن مين فرعنك، حل عن سمانا بقى.. ....أخت هالسيران معك."