٠٣‏/٠٥‏/٢٠٠٨

الحمار ومشتقاته


"ليس هناك أجمل من البراري بالنسبة للحمير، فهناك الأكل والمرعى وقلة الصنعه، فيبدأ الكر الصغير حياته وهو يلعب ويتراقص بين السهول الخضراء، مطبقاً المثل إياه بحذافيره فالأكل موجود والمرعى على مد النظر أحلى سفرة للنظر. لكنه عندما يكبر ويصبح حماراً، يبدأ بأكل أي نبات، بما فيها الورود اللطيفة الجميلة، كما أنَّ الأهالي سيبدؤون بالتعتيل عليه واستخدامه فلا فائدة أخرى منه، فلا الزلمة بيتاكل على شان لحمه مر يا هريدي، ولا فيك تعمل فروة من جلد الحمار وتلبسها لسيدات المجتمع، قال شو لابسة جلد حمار، ولا حليبه حليب.. شو ما سمعانين بيلي شربان بصغره حليب الحمير. أنا شخصياً سمعان فيه وشايفه وياما متعانقين بحرارة، ربما لأن الحميرعلى أشكالها تقع. وبما أن البشر مصلحجية بالفطرة، فقد فلحوا عليهن وحرثوا عليه، وعتلوا عليه، وجروا عليه، بل وركبوا عليه أيضاً، ولم يتورعوا عن رفسه ولطِّه بالكرباج الشهير أو بالعصاية النجمة، كما أنهم لم يشفوا غليلهم من هذا الكائن، فمع أنه يخدمهم ليل نهار ويجر عرباتهم، بل ويحمل بيوتهم على ظهره؛ فقد ارتأوا أن هذا الحمار هو شتيمة بحد ذاته، فاستخدموا اسمه لوصف بعضهم البعض بالغباء أو الكسل أو الجحشنة، وهذه الأخيرة تذكرنا بكلمات أخرى هي من مشتقات الحمار، مثل الكرّ عندما يكون الحمار طفلا بريئاً يلعب بالمراعي كما أسلفنا، والجحش وهو الحمار المراهق الذي يتواجد في كل الأزقة بنفس الوقت باحثاً عن حبيبته الغالية وشريكته الأبدية. وهذا الجحش يقع في حفرة الحب الخالد ليس مرتين فحسب، بل عشرات المرات، فيصبح حماراً بعمره، ولكنه يبقى جحشاً في تصرفاته وحركاته. ويقول أبو صابر الجحشاوي في كتابه أصول التنظير في علم الجحاش والحمير إنَّ العجوز المتصابي هو الحمار المتجحشن، أما المجحش فهو الذي يعتقد بعد أن انتهت مدة صلاحيته أنه مازال جحشاً فتياً، فتراه يخبط في الأزقة والوادي، ويحتل المراعي من السهل إلى الجرد.
بينما الحمير الذين استخدمتهم البلدية، فقد اضطرت إلى تزيينها وتعليق الزهور عليها، كي تصبح مناظرها مقبولة في المجتمع. ومن سيرة الحمار أنه لم يكتفِ بما يملك من ميزات، بل سارع إلى التلاقح الثقافي والحضاري مع ممالك أخرى، نتج عنها أقوام سمي مفردهم بالبغل أو الكديش. وهذا الكديش ينظر إلى الحمار باستعلاء شديد، كما أنه لا يضع اسم الحمار في الـcv تبعه، مكتفياً بذكر أخواله من الأحصنة الرشيقة، ويكفي الحمار أن تطنبره حتى يقوم لك بأفعال خارقة، فيقول أبو صابر ادفشه وشوف ما أجحشه، أما إذا ركب رأسه وجحّش ثم تحمرن، فساعتها تبدأ العصي بأداء دورها المفضل، ألا وهو اللعب على أجنابه، فعلى أي جانبيك تميل.

أما إذا كان رائقاً وحباباً، فإنه ينهض إلى العمل، لكن مع ضرورة شعرية وقصائد تحفيزية، تبدأ بـ حا.. ودي.. وهششش.. وسق سق سق.. باللسان، وغيرها من الموشحات، التي يسلطن عليها الحمار، لتنتهي بالعصا لمن عصا، بعد أن أطال السلطنة. أما الحمار النظامي، فهو الذي يعمل في النهار، ويجلس في الليل متمتعاً بالسهول والأعشاب والنباتات والماء والخضرة والوجه الحسن.

وحاحا يا حماري حاحا.. لا تمشيني بالفلاحة.. وراح زمن الفلاحة.. والحمار أكل قرط التفاحة."

ليست هناك تعليقات: