٢٥‏/٠١‏/٢٠٠٨

فوتبولجي

"أش بدي أقلك ؟!…. شايفني نجم بالفوتبول موهيك؟

تاريخ مو زيادة…… لا تطلع علي هيك وتفكرني محترم وقاعد قدامك؟!

ما مر يوم، إلا وأكلت فيه قتلة…. إما من أبوي … أو من أمي … وإذا نفدنا من هالاتنين بتعلق بالشارع مع شي واحد، وهي الشغلة متل ما بعرف حظ…. يا بنقتله.. يا بيقتلنا…. قصة حياتي بتضحك وبتبكي.. اسمع.


كنت أطلع ألعب فوتبول من الصبح للمسا، وماكنت أشبع، مشان هيك صرت أهرب من المدرسة وأروح ألعب. أرجع عند المغرب عالبيت، ثيابي موسخة وجسمي عرقان وسخن متل النار، بس ميّت من الرعبة. كل يوم نفس فيلم الرعب عند المغرب، وقت دخلتي عالبيت، أنا أفتح الباب شوي شوي مشان ما حدا ينتبه وأبوي يمسكني من رقبتي وينزل فيني ضرب، وبعد شوي تجي أمي، رح تتخيل متل مابيصير بالمسلسلات. لأ.. هون الوضع مختلف.. أول مابتجي أمي بتنزل فيني ضرب مباشرة مع أبوي، يعني بيصيروا اتنين عالبطل، وعلى هون بيوجعك وهون ما بيوجعك، وهنن عم بيصرخوا 'كم مرة قلنا لك ما بقا في لعب بالفوتبول .. آه ؟!'، تعال شوف على الخجلة، قدام أخواتي الصغار.. كل يوم عم باكل قتل قدامهم… نزلت من عينهم.

وبيوم من الأيام، أخذت أخوي الصغير معي على الملعب.. وعينك ما تشوف القتلة اللي أكلتها من أبوي وأمي 'ما بيكفي أنك صايع يا فوتبولجي … عم بتعلم أخوك عالصــــــياعة كمان؟!'.

وعلى كف من هون ورفسة من هون، على أساس أخوي، كان بده يطلع عالم ذرة لولاي، صرت أشوف القتلة أمامي، وصرت أفيق بنص الليل مرعوب من الكوابيس، بس أرجع أنام وأشوف حالي عم ألعب بفريق الحرية الحلبي واسم الله عليه أفيق من النوم وأقول لحالي 'العمى .. طلع منام'.

بس الحياة مابتضل منامات وبس، إلا ما بيتحقق شي منام. هيك كنت أقول لحالي دائماً، مع أنو منظري ما بيطمن، أنه أحلامي ومناماتي رح تتحقق، أنفي عم بيشرشر وتيابي مبهدلة.. وبوط رياضي بلاستيك يسميه بحلب 'أديداس أبو ريحة' لأنو بيعمل ريحة، وأحياناً بلعب حافي.. بس بصراحة.. كل اللاعبين بيتمنوا أني ألعب بفريقهم.. بيحسبوا لي حساب كبير، بغض النظر عن بوطي الأديداس أبو ريحة.

ومرة من المرات كنا عم نلعب من الصبح بكير بالملعب تبع كلية الأمريكان بحلب، قام أجا أبو أحمد مكتشف النجوم، ومتل ما بتعرف عنده محل موالح. كان يراقبني دائماً، وكل ما كنت أحط 'كول' كان يعطيني كيس فستق عبيد. المهم، مالك بالطويلة، أجا أبو أحمد قال لي أمشي معي لعند المصور.. ورحنا. قال أبو أحمد للمصور 'صورلي ياه صورة شخصية طالع ست نسخ عنها'. قام المصور قله 'هيك؟! بهاالمنظر؟!'، ورفض يصورني.. تخيل.. حتى المصور ما رضي يصورني. قام أخذني أبو أحمد على المغسلة. غسلت وجهي، وبللت شعري وسرحته. طلعت ع حالي بالمراية.. يا سلام .. وتصورت.

راحت القصة، بعد كم يوم رحت لعند المصور لآخذ الصور، قام قال لي أجا أبو أحمد وأخذهم '.. العمى. ما انبسطنا بالصورة ..'، قلته للمصور 'ما عندك نسخة لأشوفها'، قام قال قلي 'واش بدي أعمل فيها، مفكرني ده أبروظها وأعلقها بالواجهة' .. حملت حالي ومشيت وأنا عم فكر 'طيب ليش ما يبروظها ويحطها بالواجهة.. يعني اللي مبروظهم أحسن مني ؟!'.

بعد عشرة أيام وأنا وين؟!.. طبعاً عم ألعب فوتبول بملعب كلية الأمريكان، من الصبح قام أجا أبو أحمد وقال لي 'أمشي معي'. قلت له 'لوين ؟!'. قال لي 'عالملعب البلدي.. عندك مباراة.. رح تلعب مع شباب نادي الحرية ضدّ شباب نادي الاتحاد'، طار عقلي ما صدقت، حتى وصلنا عالملعب البلدي. فتنا عالمشالح، قام قلت له لأبو أحمد 'بس أنا ما عندي كشف بنادي الحرية .. شلون بدي ألعب ؟!'. قام ضحك أبو أحمد وقلي 'لكان ليش صورتك.. مو مشان أعمل لك كشف؟!'. العمى شلون ما فكرت.. أعطاني كنزة خضراء رقم 4 وشورت أبيض وجرابات، يا سلام.. هي أول مرة بلبس جرابات ولأ .. جرابات خضر كمان.. له كان.. حرية يا عم. قلي المدرب 'شقد نمرة رجلك ولك؟!' قلت له 'أربعين' قام أعطاني بوط أديداس أصلي.. له كان هادا فريق شباب الحرية.. مابيصير يلبسوا أديداس أبو ريحة، تطلعت ع اللاعبين زملائي بس ما عرفت حدا منهم غير عبد اللطيف.. وطلع أبو أحمد جايبه بنفس الطريقة، قال لي أبو أحمد 'أنت بدك تلعب قلب دفاع وعبد اللطيف قلب هجوم.. ديروا بالكم.. جمهور الاتحاد الكبير ديروا بالكم.. رح يسبوا على فريق الحرية أول ماتنزلوا.. لا تخافوا.. والعبوا منيح لأنو مدرب منتخب شباب سورية 'إبراهيموف' موجود بالمدرجات.. وبدو يختار لاعبين لمنتخب شباب سورية.. وإنشاء الله يختارك أنت وعبد اللطيف'. قلبي صار يدق.. نزلنا ع الملعب.. مع أنها مباراة شباب كان الملعب مليان.. أربعين ألف متفرج.. تلاتين ألف جمهور الاتحاد.. وعشرة آلاف حرية.. قلبي نزل لتحت.. صار ببوط الأديداس الأصلي طبعاً. العمى على هالعلقة.. شلون بدي ألعب وأنا ميت من الرعبة.. يا لطيف.. تلاتين ألف عم بيصيحوا بصوت واحد: 'أختك على أمك حرية بالطول بالعرض حرية تحت الأرض.. حرية وينو وينو .. الأهلي قالع عينه'.

بحياتي ما شفت جماهير عم بتسب بها التنظيم هاد.. يعني الكل بصوت واحد.. سيمفونية.. الأعصاب فلتت.. تلاتين ألف.. أختك على أمك حرية. أعلام حمر على طول الملعب وعرضه. مدرب المنتخب السيد إبراهيموف قاعد. ملعب حشيش.. شبك ورا الكول.. طابة أديداس.. بوط أديداس.. حكم للساحة… حكمين للتماس.. التسلل محسوب.. مو متل ملعب حارتنا.. 'فتّتْ لعبتْ'.. يعني على أبو جنب.. وصفر الحكم وبلشت اللعبة.

وأنا مابعرف حدا من فريقنا غير عبد اللطيف.. أنا قلب دفاع وهو قلب هجوم، وكنت أصرخ بزملائي مشان يرجعوا لي الطابة 'ارجع لورا أبو الشباب.. افتح باص معلم.. الحقه أستاذ.. اكسره روحي' ما بعرف أسماءهم.. دخل قلب هجومهم لمنطقتي.. تزحلقت عالطابة وأخدتها.. مشيت بالطابة وراوغت أول واحد.. والثاني.. تحمست.. ركضت بالطابة.. راوغت التالت ومرقت من الرابع .. وصحت بعبد اللطيف فوت ورا الطابة بسرعة.. ورميت الطابة بين اللاعبين، دخل عليها عبد اللطيف وأخدها.. وراوغ حارس المرمى.. كوووووول للحرية، ركض عبد اللطيف لعند جمهورنا وركضت وراه.. وركض زملاؤنا.. تعانقنا.. وكان زملاؤنا عم بيقولوا 'حلوة يا معلم .. برافو أبو الشباب..'، بعدين ونحنا وعم نتعانق قال لي قلب الدفاع السوبر زميلي بإعجاب 'ممكن نتعرف ؟!'، وكان جمهورنا عم بيصيح حرية حرية، لأول مرة سكت جمهور الاتحاد أو الأهلي متل مابيقولوا له.

بعد شوي بلش الضغط عالمرمى تبعنا، وصارت الطابات تجينا متل الكذب وأنا أبعدها.. برجلي براسي .. بصدري.. صرت فدائي استشرست.. لو كان في مذيع كان قال عني' صخرة الدفاع '.. شوطين كاملين وأنا عم أحمي منطقتنا لحالي وخلصت المباراة وربحنا ' 1-0 '. طبعاً في بعد مباراتنا مباراة الرجال، بس الإدارة ما خلونا نتفرج عليها مشان ماحدا يضربنا من الجمهور.. طلعنا بباص الفريق وتحت شعار 'يللي بيحب النبي يخلي' مشي الباص، وفجأة صارت الأحجار تجينا يمين شمال.. الشوفير صار يسرع.. والأحجار عم تكسر الشبابيك.. المدرب صاح: 'نزلوا رؤوسكم لتحت'.. قذائف.. مدافع.. رفعت راسي لشوف مين عم يضرب الحجر، قام أجت حجرة بنص راسي، وعلى المستشفى.. ربطوا لي راسي متل اللاعبين الأجانب، وأجا أبو أحمد.. عطاني ألف ليرة ألي وألف لعبد اللطيف مكافأة. رجعني ع البيت مشان أبوي ما يضربني.. وأول ما شافني أبوي طالعت الألف ليرة وأعطيته ياها، قام انبسط وقال لأمي 'شعلي له الحمام' وتحممت.. أول مرة بتحمم بعد المباراة. أجوا أخواتي وقالوا لي 'شفنا المباراة' وحكوا لأبوي وأمي شلون لعبت أحسن لعب، ونمت أحلى نومة وشفت حالي بالمنام عم ألعب مع منتخب شباب سورية، فقت الصبح قام شفت أمي جايبة الفطور لعندي، وقالت لي 'قوم افطر روحي'. بعد شوي أجا أبو أحمد وقال لي 'مبروك.. بدهم ياخدوك عالمنتخب'، ورحنا عالمنتخب أنا وعبد اللطيف، وحطوني قلب دفاع.. ليبرو.. يعني بالعربي لاعب حر، و بدعنا بالتصفيات، مع أننا ما كنا مزورين، ما عدا واحد قد أبوي عم بيلعب بجنبي ستوبر، وطلعنا على كأس العالم للشباب بالدمام سنة 1988 ولعبنا أحلى لعب ضد كوستاريكا والاتحاد السوفيتي قبل ما يحلوه، وكتبوا عنا الجرايد وعملوا معنا مقابلات على التليفزيون وأنا بالذات كتبوا فيني توصية مشان يديروا بالهم علي، وطبعاً جماعتنا توصوا.. ما بدهم مين يقلهم.. أي لو'مارادونا' بيجي لهون بيحطوه ع الاحتياط وبيربوه، لأنو عنا بيحبوا اللاعب المربى. رجعنا على سورية ونمنا بالفندق بالشام، وتاني يوم أخدونا قال في مسؤول كتير كبير بدوا يقابلنا، قعدنا حول المسؤول وبلش يمدحنا وأنا كنت عم بتذكر شلون أبوي كان يضربني وأمي بتنزل فيني بالشحاطة، وشلون كان أنفي عم بيشرشر وتيابي وسخة، وشلون كنت ألعب حافي وببوط الأديداس أبو ريحة.. فجأة سأل المسؤول عني.. العمى .. سأل عني.. خفت.. ليكون عملت شي بكأس العالم.. المدرب أشَّر علي .. قام المسؤول ومد إيدو.. فكرتوا بدو يضربني كف.. قام حط أيدو على كتفي وقال 'برافو عليك .. رفعت راس الوطن'. تنفست .. طلعت فيه وقلت لحالي .. آخ ..آخ .. آخ لو تعرف حقيقتي!!."

٠٣‏/٠١‏/٢٠٠٨

بالمعية ..


"إذا ما تسنى لكم أن تلمحوا باصاً سكانيا طاحشاً، وفي غمرة طحشه أو طحشانه سيجد الباص نفسه مضطراً للوقوف المفاجئ بسبب الإشارة البرتقالية فإنه سيقرر أن يتابع على الرغم من الأخطار المحدقة به من جهة اليسار لأن السيارات الواقفة لن تنتظر كي تمر، وفي هذه الأثناء ستلمح بضعة سيارات صغيرة تكسي وهوندا وما شابه تطحش مع الباص من جهة اليمين حيث لا خطر عليها، بينما جهة اليسار محمية بسبب وجود الباص القوي الذي سيتحمل كل الصدمات وحده، وعندما يجتاز الباص الشارع بنجاح سيجد أن هناك من سرق منه الإنجاز ووصل ربما قبله أيضاً أو بمعيّته على أحسن تقدير، وسيتابع الباص مغامرته بينما ستسير السيارات الصغيرة من تكسي وهوندا بفخر واعتزاز وخيلاء وكأنها صاحبة المغامرة.

وفي حياتنا كم من هؤلاء الصغار الذين يدخلون بالمعيّة، فلا هم يتحملون تكاليف المغامرة إن فشلت، ولا هم يقبلون بالاعتراف لصاحب المغامرة بشجاعته إن نجحت، تراهم يراقبونك من بعيد، ويمشون خلفك خطوة خطوة مع حفظ مسافات الأمان في حال توقفك المفاجئ كي لا يفوتوا فيك وينالوا صدمات غير متوقعة، وعندما يجدونك تتهيأ لنيل مرادك يطحشون معك ويدخلون إلى جنة الإنجازات والمكاسب معك، بل ربما لن تكسب شيئاً مقارنة بما سيكسبونه لأنهم يخططون أيضاً لمرحلة ما بعد النجاح على عكسك، لأنك مغامر ولا تفكر إلا بالتمتع بحجم الخطر الذي ستتجاوزه وأنت تغامر.

كم من الشعراء دخلوا بالمعيّة مع شاعر أبله مغامر، كم من المخرجين دخلوا بالمعيّة مع مخرج موهوب، كم من الصحفيين دخلوا بالمعيّة مع صحفي مصروع، كم من الأولاد هربوا بالمعيّة من المدرسة مع ولد جريء، كم من الفتيات دخلن بمعيّة فتاة جميلة ؟!

ذلك الشخص الحر الأساسي في حركات التقصي والتغيير والمغامرة، المتروك وحيداً لحظات انكساره وصمته، والمراقَب بدقة لحظات توثبه، الموهوب الذي يغير منطق الأشياء، والجريء لأنه يعرف حجم الخسارة وشدة ضخامتها، للأسف لن يفوز وحده بالإنجاز، سيكون واحداً من عدة أشخاص آخرين، سيصبحون زملاءه، فقط لأنهم عرفوا كيف يدخلون معه بالمعيّة.

وهناك من هم أقل تطلباً من جماعة الدخول بالمعية، فهم ينتظرونك حتى تصبح مهماً، فيتسابقون إلى الظهور معك في الأماكن العامة، وفي اليوم التالي يبيعون ويشترون فيك دون أن تدري، بل تكفيهم صورة مع رجل مهم حتى يعيشوا إلى زمن ليس بالقليل، ويتقصدون أثناء الجلوس مع شخص مهم أن يفتعلوا حركات توحي بالمونة بينهم وبين الشخص المهم، وقد تصل هذه الحركات إلى مدى أبعد مما تتوقع، مثل سلخ الرجل المهم طيارة على رقبته أمام الملأ دلالة على حالة الخوش بوش بينهما، والإيحاء للرجل المهم أنه يعانقه فهو لا يستطيع فعل ذلك بالتأكيد بصراحة لكن المهم ما يشاهده الناس، أو ضرب الكف بالكف والضحك بصوت عال ومعانقة الرجل المهم والالتصاق به، بل إنه قد يفعل العكس ويجعل الرجل المهم يسلخه طيارة ليتباهى بها أمام الآخرين .

مرة قال لي مدير عام متباهياً بصحبته مع أحد المسؤولين المرموقين ' والله امبارح المعلم بهدلني بالسهرة ومسّح فيني الأرض'، وظل يردد حادثة البهدلة التي أكلها طيلة فترة خدمته كمديرعام والتي دامت وتدوم أعواماً وأعوام.... وبالمعيّة طبعاً"