٠٣‏/٠٩‏/٢٠٠٧

صبايا الوطن الحرّات


"إنه الضرورة القصوى في المجتمعات الذكورية، إنه المولود الذكَر الذي سيخلِّف الوالد في مهنته وفي بيته، إنه حامي الحمى وحامل الراية والشخص الذي سيكمل المسيرة الذهبية؛ لذلك نجد الذكور عندنا بالأكوام، لا أحد منَّا يوافق على إكمال حياته دون أن ينجب الولد المدلل، فترى زوجته تنجب البنت تلو البنت وهو يصر على الولد.

يصبح عدد سكان البيت الصغير ست بنات وما زال المعمل شغَّالاً، على أمل أن يأتي الصبي. يصبحن سبع وثماني بنات، ما حدا طايقهم سوى أبناء الجيران الصبيان، وما زال المعمل شغَّالاً؛ وهنا يطفح الكيل بالزوج فيتزوج فوق مرته بحجة أنها لا تنجب الذكور، ويبدأ المعمل الجديد بالإنتاج عالسريع دون الأخذ بعين الاعتبار شهر العسل وما شابه ذلك من أفعال ترفيهية، فالمهم هنا هو الإنتاج، وإذا ما سألت رجلاً عن عدد أولاده فإنه يرتبك إذا كانت خلفته بناتاً على الحل، فلا يحدد النوع بل يكتفي بالرقم، وإذا تمادى السائل، وهو غير المتسول، وسأله: 'صبيان أم بنات؟'، فإنَّ الأب يجيب بانكسار وصوت ضعيف 'بنات'، فيقول له السائل مطيباً خاطره: 'بتضل البنت أحنّ'، ويهز الأب رأسه موافقاً على مضض لأنه لم يسمح لبناته أصلاً بممارسة الحنان حتى؛ كان منهمكاً بإنجاب الصبي، لم يكن يلمسهن أو يلاعبهن، كان بكل بساطة يمارس عليهن فعل الوأد الجاهلي ولكن بشكل معاصر، فيبدأ بوأد صوتها 'اخرسي.. وطّي صوتِك' ثم يئد ضحكتها 'لا تضحكي.. عيب.. أنت بنت'، وبعد ذلك يئِد عقلها عندما يحس ببوادر تجليه، وبالنتيجة يئِد شخصيتها، أوببساطة أكثر يئِدها؛ تماماً كما كان يفعل الرجل في الجاهلية، فقط ينقص رجلنا المعاصر الرفش والكريك كي يرتاح ويدفن ابنته تحت التراب.
ثم يأتيك من يقول بأنَّ المرأة نصف المجتمع، طيب كيف!!!!!!
نعم نصف المجتمع.. هذا صحيح.. لكن نصف مجتمع موؤود، نصف مجتمع مقهور، نصف مجتمع إذا سمحت واحدة منهن لنفسها بالتمرد حوَّلوها إلى سلعة، لقد حوَّل مجتمعنا العظيم المرأة إلى عبدة في حالتها الطبيعية وإلى سلعة في حالات تمردها، حتى إذا تمردت داخل تمردها الأولاني ورفضت التحول إلى سلعة فعينك تشوف يا معلم، المدير يريد أن يطبّقها في العمل ويعرض عليها سيارة توصلها إلى البيت من مال أمه طبعاً مو من مال الدولة، والموظف الزميل يرد تطبيقها، والآذن شخصياً يريد تطبيقها، وإذا فشل كل هؤلاء في مسعاهم الجليل فإنهم يبدؤون بتقييمها، وأنتم تعرفون كيف يقيِّمون المرأة الحرة عندنا، يشلُّون عرضها، ويبدأ الآذن بمضايقتها إذا تأخرت ثانية على الدوام، ويرفض الزميل الموظف التعاون معها لأنها غير متعاونة برأيه، فالتعاون عنده شيء آخر غير التعاون اللي بنعرفه، وبالطبع فإن سمعتها لن تكون طيبة بالتأكيد، فهي الفلتانة والنمرودة والـ.
كل صباح وأنا أمشي في شوارع دمشق ألمح الصبايا وهن يركبن باصات النقل الداخلي في طريقهن إلى المدرسة أو الجامعة أو العمل، بأناقة ولا أروع، فأقول في نفسي كم أتمنى أن أتجرأ وأطرق على نوافذ الباصات وأصرخ: 'كم أنا فخور بكن وبحريتكن التي لم تستطع سيارات المدراء وتسهيلات الرفاهية المخصصة للجواري ومضايقات المتخلفين البشعين أن تسلبكم إياها'، وأريد أن أضيف: أنتن جميلات بشعركن المسترسل أو بإشارباتكن الحلوة، إلى درجة أرغب فيها بتقبيل دواليب باصات النقل الداخلي التي تحملكن يا صبايا وطني الحرَّات."

أوطان


"فعلى الرغم من أن معظم أبناء ' الشعب ' لا يملكون بيوتاً تؤويهم وتمنحهم الاستقرار بالتالي، وبالتالي فنحن شعب غير مستقر، وعلى الرغم من أن معظم أبناء شعبنا لا يملكون السيارات كي يهجُّوا أو يهاجروا أو يتغربوا ويغتربوا لا فرق، وبالتالي فنحن شعب مستقر بس رغماً عنَّا، وعلى الرغم من غياب الفروق الطبقية بين أبناء وبنات الشعب فالكل باستثناء طبقة صغيرة جداً نكاد لا نلمحها أندبورية وعايفين التنكة، وبالتالي فنحن شعب منسجم مع بعضه البعض، وعلى الرغم من التعامل اليومي بيننا نحن أبناء الشعب من جهة، وبيننا نحن باقي الشعب مع الفئة الصغيرة التي لا نكاد نراها ولكن من طرف واحد، يعني من طرفنا، لأن شعار تلك الفئة هو عجبك عجبك ما عجبك الله معك، بس الله معك على وين؟!
السفارات توقفنا على الدور انتقاماً منَّا لأننا لا نقف على الدور في وطننا أمام الأفران والمؤسسات الاجتماعية، والسفارات تعيد لنا جوازاتنا دون أن تعطينا الفيزا بعد لطش المئة دولار منا وإرسالها إلى المواطنين المتحضرين في الدول المتحضرة، ونذهب إلى حكومتنا لنستجير بها فتقول لنا ' خرجكن بتستاهلوا كل شي عم يصير لكم .. بدكن تهاجروا ها ؟!'.
شبابنا يعملون ليلاً ويدرسون نهاراً، 'حنظلة' عامل في بوب ليلي يعطيني طلبي ويقول لي ' أهلاً زميل ' فأتساءل عن أية زمالة يتحدث فيجيب بأنه يدرس الصحافة، وعمار الذي كان يدهن لي بيتي قال لي 'مرحبا زميل ' ثم اكتشفت أنه يدرس التمثيل شتاءً ويعمل دهاناً صيفاً وكذلك يفعل وسيم زميله في الدفعة، وتعمل أريج في نادي رياضي صيفاً وتداوم في معهد التمثيل شتاءً، بينما صديقي الذي يشطف الدرج عندنا 'حسن' فهو زميلي أيضاً في كلية الصحافة، وعادة ما يأتي ليشطف الدرج ونحن نتناقش في أمور 'مهنة المتاعب'، وتختلط الأمور علي فاساعده في شطف الدرج لأنني أعرف أنه زميلي ولكنني أخربط أحياناً .. هل نحن زملاء في الصحافة أم في شطف الأدراج، بل إنني اعتقدت أثناء حديثه عن مهنة المتاعب أنه يتحدث عن مهنة شطف الأدراج !!
إلى أين سيمضي الشاب السوري ؟!
الأبواب مغلقة، لا السفارات تحترمه، ولا الوطن يقدم له الدعم الكافي، ولكن يبقى أن هؤلاء الشباب سوريون ويحبون بلدهم لكثرة ما سمعوا عنها في كتاب القراءة، ولكثرة ما قرؤوا اللافتة التي تقول ' لكل إنسان في العالم وطنان .. وطنه الأصلي وسورية '، ومن شدة ولعهم بهذه الفكرة، وبعد أن يئسوا من كل السفارات اللئيمة، قاموا بالسؤال عن السفارة السورية في دمشق، وبالطبع فقد دلّهم عمو الشرطي قائلاً ' السفارة السورية .. تالت دخلة عاليمين '، وبحثوا وبحثوا عن السفارة السورية في دمشق ولم يجدوها فجلسوا يفكرون بحزن :
لكل إنسان في العالم وطنان .. وطنه الأصلي وسورية .. إلا السوري فلا وطن له"