٣٠‏/٠٥‏/٢٠٠٧

سهرة أدبية في اللاتيرنا

دخل أبو سعاد العراقي وهو شاعر بالضرورة إلى مطعم اللاتيرنا ولكن بصحبة امرأة هذه المرة , و لم يلتفت أبو سعاد لا يميناًَ و لا شمالا كي لا يضطر إلى الجلوس مع أحد بصحبة صيده النادر , إلا أن التفاتة لا إرادية بدرت منه إلى الطرف الأيمن سببت وقوف عشرين شاعراً من مختلف الجنسيات الشرق أوسطية احتراماً لأبي سعاد و " ضيوفه" ، وبادر الشعراء إلى الترحيب بصديقهم بحرارة لا متناهية , بل إن بعضهم هرع إليه وقبله ثم عانقه على الرغم من أنه كان يتمنى عدم حضوره قبل دقائق , وجلس أبو سعاد رغماً عنه بعد أن أجلس صديقته , و بلمح البصر كان " لورانس" قد أحضر كأسين فارغتين و صب بنفسه النبيذ الأبيض وقال : " أهلاًَ و سهلاًَ مدموزيل"، و انسحب ضاحكاَ بعد أن رأى الجميع سنه الذهبي ملتمعاً في فمه.

اتخذ أبو سعاد وضعية قائد الجلسة و رفع كأسه :" أصدقائي الأدباء جلستنا هذه ..... أدبية .... و معنا أختكم الآنسة ختام و هي شاعرة من القطر العربي السوري من الساحل الجميل" ، و قبل أن يتم جملته ارتطمت الكؤوس ببعضها البعض، و أحس أبو سعاد بانتصار جزئي كونه أكد أن الآنسة ختام هي " أختهم " مستثنياً نفسه من هذه الأخوة , ومع ذلك فقد تسابق الجالسون إلى الترحيب بأختهم الآنسة ختام التي انتشت، فأفرغت كأس النبيذ كاملاً في جوفها , و سرعان ما امتلأ الكأس من جديد، فافتر ثغر الآنسة ختام عن أسنان صفراء , و فجأة و دون سابق إنذار افتتح أحد الشعراء من الأشقاء السوريين الجلسة الأدبية قائلاًً" إن السياب كأحد الشعراء الرومانسيين ....

الشعر العربي بهذه الطريقة, معقولة تقول عنه رومانسي ... شنو هوة .. خََوَل ؟!!!"

و تبع الجميع أبا سعاد، و انهالوا بالشتائم على رأس السوري الشقيق بمن فيهم أشقاؤه السوريون , أما الفلسطينيون الجالسون على الطاولة، فلم يحركوا ساكناً لأن الموضوع لا يمس محمود درويش لا من قريب ولا من بعيد .

و بعد انهيار الشاعر السوري الشقيق انتشى أبو سعاد مما استدعى الجالسين أن يطلبوا منه قراءة قصيدة من تأليفه , ارتشف أبو سعاد قليلاً من النبيذ و تأمل الحاضرين ثم جاد : " لنخلة شاردة في غياهب السماء ... ", وتعالت الأصوات، و ارتطمت الكؤوس ببعضها البعض، و أجهش أحد العراقيين بالبكاء، و تحدث بشكل مبهم عن النخيل و الرمز الذي تحمله هذه الكلمة و هو يسترق النظر إلى الآنسة ختام , ثم أكمل أبو سعاد منتشياً : لنخلة شاردة في غياهب السماء/ لدماء دجلة وهي تتدفق عالياً ..." , هنا أجهش الجميع بالبكاء .بمن فيهم السوريون لأن دجلة يمر بالأراضي السورية أيضاً , أما الفلسطينيون، فلم تهتز شعرة في رؤوسهم لأن دجلة لا يصب في البحر الميت , ثم أكمل أبو سعاد واقفاً و بحماسة منقطعة النظير :" لدماء دجلة وهي تتدفق عالياً / تجش الحقيقة في صدري/و أجهش../ " و هنا أجهش الجميع بالبكاء بمن فيهم عمال المطعم الواقفين بعيداً , و تابع أبو سعاد : " وأجهش.. / لا مكان للجواسيس بيننا ..."

تبادل الجميع نظرات الشك و الريبة , تخيل كل منهم أن الأخر جاسوس يكتب فيه التقارير ليلاً ونهاراً , و لكن صوتاً مرتجفاً ظهر : " سنشرب حتى الثمالة يا أصدقاء على شرف هذه القصيدة العظيمة "، فانبرى أبو سعاد للموضوع مباشرة و صرخ : " لورانس... هات ثلاث زجاجات نبيذ أبيض ... و سجلها على البخاري ..." و البخاري ... , محمد ... موريتاني يعيش في دمشق منذ أكثر من عشرين عاماً , وهو يحاول قدر الأمكان عدم استفزاز أ؟حد لهول ما يشعر به من رعب العودة إلى نواكشوط , وهو_ أي محمد البخاري _ يتواجد في كل الأماكن العامة و الخاصة إلى درجة أنه كان جالساً معنا ذات يوم في اللاتيرنا و نهض الحلاج إلى التليفون وخابر كافيتريا الشام طالباً محمد البخاري، فرد عليه البخاري من هناك.

و دخل الحلاج و ناصر نعساني، و جلسا معي بالقرب من طاولة السهرة الأدبية، و سرعان ما انضم البخاري إلينا و هو يدخل مترنحاً من الخوف و ليس من السكر، و بدأنا بممارسة هواية شرب البيرة، و كان الحلاج يحدثني عن مغامرته في اليابان.

نظر أبو سعاد إلى طاولتنا، ورفع لنا كأسه ثم التفت إلى جلسائه، و طالبهم بالاستماع إلى قصيدة من تأليف الآنسة ختام و إلقائها , فساد صمت رهيب .

بدأت الآنسة ختام بالقراءة :" أيها الجسد المتعمشق / على حورة اللانهاية / تعملق / تجنس/ تناسل..."

ارتطمت الكؤوس ببعضها البعض، و طارت مفردات في الهواء واختلط بعضها ببعض مثل " جميل ... جرأة ضخمة ... شعر حقيقي ... تفجير لغوي هائل .. تجديد.. استخدام رائع للغة ... أحساس فريد بالجسد ... الخ...".

كادت الآنسة ختام أن تبكي لهذا النجاح الباهر، و تابعت :

"تعملق ... تجنس... تناسل/ أيها الجسد المتساقط / على هذايات الروح/ اضمر ... و اختبئ / في ركام اللغة اللازوردية / و في ثنايا ... الكلام"

وعلى الفور نهض الجميع و بحركة مسرحية موحدة رفعوا نخب الآنسة ختام : " ثورة على الجنس .. تحرر من التقاليد المجتمع ... تمرد على عبودية الجسد ... الخ"، وعندما سألوها أين كانت مختفية فيما مضى هي و شعرها بدأت الآنسة ختام بالحديث عن زوجها الظالم والتافه الذي كان يمنعها من كتابة الشعر و يحاصر أفكارها، فطلقته من أجل التفرغ للكتابة، و عندما عرف الجميع بأنها مطلقة وأن الآنسة ختام ليست بآنسة فعلاً دخل السرور إلى قلوبهم، وأصبحت محاولاتهم في التودد إليها أقوى وأكثر على الرغم من أن أبا سعاد كان قد حرمها عليهم جميعاً عندما اعتبرها " أختهم " و حللها لنفسه فقط.

وبطريقة عاصفة .. دخل الشاعر العراقي فايز العراقي وعرف عن نفسه للآنسة ختام، ووضع كيساً أسود على الطاولة وجلس , ثم بدأ يعدد دواوينه للآنسة ختام بما فيها التي لم تصدر بعد على اعتبار أن أجمل القصائد هي التي لم نكتبها بعد كما يقول ناظم حكمت , و فايز العراقي اسم مستعار كي لا يناله زبانية صدام حسين من الشاعر. وقد طبع ديوانه الأول بهذا الاسم المستعار، ووضع صورته على الغلاف الأول.

أخرج فايز العراقي ديوانه الجديد الذي خرج من المطبعة للتو وهو بعنوان " كريفونة الغياب"،و بدأ يقرأ منه بعض المختارات بشكل وقور، ثم بدأ يشرح للجالسين عن الكريفون :" الكريفون فاكهة جميلة تنبت على الساحل السوري الجميل وهي تنتمي إلى حزب الحمضيات و هي مرة وحامضة وحلوة في آن معاً ولها دور فعال في القضاء على أذناب وزرابية الكريب و الأنفلونزا"، و بعد أن انتهى من الشرح سحب الكيس الأسود، وأشار إلى فاكهة ضخمة هرت من تحته : " هذه هي كريفونة الغياب ".

لم يكمل جملته تماماً عندما دخل عنايت عطار، وجلس معنا , ولكن عنايت عطار نهض، و قال للجالسين مشيراً إلى الفاكهة التي على الطاولة :" هذه ليست كريفونة".

فامتقع وجه فايز العراقي صاحب ديوان " كريفونة الغياب"، وقال :" ماذا تقصد ؟" .ضحك عنايت عطار و قال له : " لاشيء .. فقط أحببت أن أبارك لك بصدور ديوانك كريفونة الغياب أولاً"، فنظر إليه فايز العراقي غاضباً وقال :" و ثانياً ؟! ".

أجاب عنايت عطار :" ثانياً هذه الفاكهة التي على الطاولة ليست " كر يفونا". هذه ... بوملي ".

بينما كان بقية الشعراء الشرق أوسطيين قد غرقوا في حالة سكر رومانسي على إيقاع قصائد الآنسة ختام التي طلّقت زوجها الحقير كي تتفرغ للأدب، حاول أبو سعاد أن يقرأ قصيدة جديدة بعد نجاح قصيدته الأولى، لكن الجالسين امتعضوا من الفكرة، وأصروا على أن تبقى الآنسة ختام وحدها شاعرة هذه السهرة على الرغم من كونها جاءت أصلاً مع أبي سعاد. تابع الجالسون تعليقاتهم المدائحية لكل قصيدة من قصائد الآنسة ختام، وتباروا في ابتكار المصطلحات ما بعد الحداثوية في توصيف قصائدها، وكان كل من يتحدث عن قصائدها ينظر إليها نظرات ثاقبة علّها تقع في غرامه، وتمضي من ثم معه إلى "مأواه". وهكذا فقد تحدث أحد الشعراء السوريين عن التحرر الجنسي في قصائدها، وتساءل عما إذا كانت صادقة أم أنه مجرد تأليف. ولم ينتظرها حتى تجيب، بل أجاب بنفسه معتبراً قصائدها صادقة وتحررها الجنسي في القصيدة يعبر عن أفكارها وممارساتها في الحياة، وقال في نفسه: إنها حتماً ستذهب معه رغماً عن أنف الجميع، أما الشاعر الفلسطيني، فقد ربط بين قصيدتها والقضية الفلسطينية وكيف أنها تحولت من الخاص إلى العام بسهولة لا متناهية وبطريقة رمزية شفافة، ولم ينس أن ينال من "أبي سعاد" ومحاولاته في الوصاية عليها على الرغم من كونها هاربة من وصاية الزوج السابق الحقير، وبعد ذلك نظر إلى الآنسة ختام، وحيّا فيها روح الحرية المتوثبة في أعماقها ثم حدّث نفسه بأن الآنسة ختام ستمضي معه إلى مخيم اليرموك في نهاية السهرة حتماً.

وما إن انتهى من مداخلته حتى أثنى عليها الشاعر اللبناني الذي سيعود إلى بيروت بعد يومين، وقال "برافو.. مش هي ختام تركت زوجها منشان تخلص من سماه وتصير حرّة؟!.. طيب ليش يا أبو سعاد عم تعمل وصي عليها؟!.. حلّ عنها يا خيّي.. اتركها تعيش لحالها بدون وصاية. يا خيّي أنتو السوريين كتير بتحبو الوصاية.. خلو العالم بحالها". هنا انقض عليه أبو سعاد قائلاً: "آني عراقي.. مين قلك إنّي سوري؟!". رد الشاعر اللبناني بهدوء: "مش مهم يا خيي.. المهم إنو شعرها كتير موديرن و بالتالي حياتها كمان موديرن.. مش هيك يا خيي أبو سعاد!". ثم صمت وهو يفكر في أعماقه أن الآنسة ختام ستمضي معه آخر السهرة إلى بيت عمه في باب توما غصباً عن اللي خلّف أبو سعاد.

وعندما لاحظ فايز العراقي أن الأجواء متوترة حمل كتبه وأوراقه ومضى إلى طاولة أخرى بعيدة، وقال لنا وهو يمر بجانبنا إن الجو مكهرب ولا علاقة له بالأدب على الإطلاق. وبالطبع لم نسأله شيئاً.

وقبل أن يستفيق أبو سعاد من صدمة الخيانات المتتالية، تدخل شاعر سوري، وحلّل قصائد الآنسة ختام بنيوياً، ثم حللها نفسياً، وخَلُص إلى أن عدم ارتوائها من الحب هو وراء الكآبة في قصائدها، وأنها الآن بحاجة إلى الحب كما تشي قصائدها الجريئة بذلك. وعقب بأن الرجل الذي تبحث عنه "ختام" متحرراً من الألقاب للمرة الأولى، ليس رجلاً عادياً، ولم ينسَ الشاعر السوري أن يفهمها في أثناء الحديث أنه يجلس في اللاتيرنا ظهراً ومساءً، وأنه يعيش وحيداً وحزيناً في منزل ذي إطلالة رائعة، وفكر بعد ذلك في أنها حتماً ستطلب منه المبيت عنده.

أشار أبو سعاد إلى لورانس أن يأتيه بزجاجتي نبيذ، وغمزه بعينه كي يسجلهما على الدفتر.

جاء النادل موسى بزجاجتين، وفتحهما ثم صب للآنسة ختام كأساً وقال: "أهلين بالأستاذة، شَعرك حلو كتير". ابتسمت الآنسة ختام، و رشفت رشفة من كأسها، وبدأت بقراءة قصيدة بعد أن استرقتْ نظرة وابتسامة إلى موسى:

"أخذتني أحزاني

إلى ما وراء اللغة

قذفتني الأعضاء

كنطفة وحيدة

تدور عمياء

في رحم الغياب.."

يا سلام.. ممتاز.. رائع.. قلق وجودي جميل.. ضياع الكائن.. إلخ. هتافات وكلمات من هنا وهناك حتى كادت الآنسة ختام أن تنفجر زهواً واعتزازاً.

نظر أبو سعاد إلى الآنسة ختام مبتسماً وفي عينيه حرمان أبدي، وطرق كأسه بكأسها وقال ملتفتاً إلى الآخرين: بصحة هذا الخراب الجميل، فرفع الآخرون الكؤوس، ووقف بعضهم الآخر، وفي هذه اللحظة مدّ أبو سعاد يده، ووضعها خلف ظهر الآنسة ختام من دون أن يلمسها إلا بمصادفات متعمدة.

قال شاعر: أنت جريئة في شعرك، فهل أنت كذلك في الحياة؟

ضحكت الآنسة ختام، وخفضت رأسها قليلاً دلالة الاستحياء، فقال الشاعر اللبناني: له شو مستحية يا ختام.. بحياتي ما شفت شاعر مستحي؟! أنتو السوريين شعب خجول.

ردّ عليه شاعر من طاولة أخرى يبدو أنه كان يستمع إلى الحديث: بلا تنظير على الشعوب يا أخي.

ردّ عليه الشاعر اللبناني بحنق: عم تتجسس على حديثنا يا أخ؟!

هنا انقض أبو سعاد عليه: تقول عن صديقي جاسوس.. ما أسمح لك.

هدّأت الآنسة ختام من روع أبي سعاد، ولكن شاعراً آخر تدخل، وبدأت الكلمات تتطاير من هنا وهناك إلى أن بدأت المعركة بصوت زجاجة انكسرت في الحال، فقلب أحدهم الطاولة مباشرة على اعتبار أنه لم يتحدث قط في هذه السهرة الأدبية. وجاء الجاسوس المفترض لحماية أبي سعاد، وتعالت القبضات وسط تدخل الناقمين بينما كنا نشرب البيرة بهدوء ونحن نستمع إلى إحدى مغامرات الفنان الحلاج في اليابان، صرخت الآنسة ختام وسمعناها تقول : "أوقفوا هذا الخراب الجميل". ثم اختفى صوتها وسط الأصوات المنددة، وارتفع عدد المتعاركين كما ازدادت مساحة أرض المعركة. تطايرت الكراسي في الهواء وصحون السجائر والملاعق بينما لم يمد أحد يديه إلى السكاكين، فكان المحارب يمد يده ليرمي شيئاً، فيجد سكيناً عندئذ يتركها ويأخذ ملعقة.. وهكذا.

وقف لورانس وسط المتعاركين وقال: جاءت الشرطة. فجلس الجميع كل في مكانه. ثياب الجميع ممزقة. وشعورهم مشعثة. طلب لورانس من عمّاله أن ينظفوا المكان بسرعة ثم رمى الفاتورة على الطاولة، ولكن أحداً لم يتصدَ للحساب. تبادل الجميع النظرات، ولاحظوا غياب الآنسة ختام، ولكنهم فكروا جميعاً في وقت واحد أنها بلا شك في الحمام..

وانتظروا، وانتظر لورانس أيضاً ريثما يحاسبه أحدهم.

أوقف النادل موسى سيارة أجرة، والتفت إلى الآنسة ختام، تفضلي، صعدت ختام، وصعد النادل موسى بجانبها، وقال للسائق: على دف الشوك لو سمحت.

٢٤‏/٠٥‏/٢٠٠٧

لبنان

"بدأت علاقتي بلبنان منذ أن كنت طفلاً يعبث قرب الحدود التركية ـ السورية في بلدة الدرباسية عندما شاهدت سيارة استطعت أن أهجّئ كلمة مكتوبة على لوحتها لـ بـ نـ ا ن، كلمة ستظل مرافقة لي فيما بعد وستكون اسماً لشخص غامض سيقف بجانبي ويساندني طيلة حياتي.. لبنان.

وعندما انتقلت إلى حلب بدأت أتعرف على لبنان أكثر، من القادمين السوريين والأساطير التي كانوا يحكونها لنا، ومن أحاديث صديقي محمد حنَّان الذي كان يكبرني بعامين. كان والد محمد يعيش في لبنان معظم الوقت، وقد عرف محمد عشقي للسينما فبدأ يحدثني عن دور السينما هناك. بعد ذلك بدأت المراهقة وبدأت مساندة لبنان لي تكبر شيئاً فشيئاً.


أخرجتْ ابنة عمي أمل صورة لها ملتقطة بالكاميرا الفورية (بولارويد) وهي طفلة ترقص على
الطاولة وبجانبها مطربي المفضل طوني حنا، فتحرك الدم في عروقي: من أين تعرفين طوني حنا وكيف وأين؟!.
كل شيء جميل يجب أن يحدث في لبنان، هذا ما فكرت به في تلك اللحظة، تشاجرت مع أهلي كعادة أي مراهق، فنصحني صديق لي بالهرب إلى لبنان. وهربنا. ودخلنا إلى بيروت، فشاهدنا الحلم بأعيننا، ولم تبق دار للسينما لم ندخل إليها. ثلاثة أيام نمنا فيها ببيوت عمال سوريين لا نعرفهم حيث أُرسلنا إليهم من طرف صديق لنا في حلب. وعُدنا، بدأنا نسرد رحلتنا لأصدقائنا بعد أن دفعنا ثمنها من الركلات والصفعات ما أعجز عن وصفه الآن.
وهكذا فإن لبنان كان ملاذاً لكل متمرد على أهله من أصدقائي. كنا نقول للهارب أين يذهب وأيّ شارع يمكنه إيجاد مطعم جيد ورخيص فيه؛ أسماء لدور السينما و.. و..، ثم بدأت لوثة الكتابة وبدأ فصل جديد من العلاقة مع لبنان: هذا مقال ممنوع.. أنشره في لبنان.. هذا كتاب ممنوع.. أنشره في لبنان.. لبنان، كنتُ أحب فتاة في حلب ولكننا كنا نلتقي في لبنان ، حتى في الحب وقف لبنان إلى جانبي.
في بداية التسعينات كنا نصدر مجلة 'ألف' من لبنان، مضينا أنا وسحبان السواح إلى بيروت وسلّمنا المطبعة 'بلاكات' العدد الأول، عاد سحبان بينما فضَّلتُ أن ألتقي بأصدقائي هناك، نمتُ ليلة عند يوسف وكان القصف شغالاً، قال لي يوسف: لا نستطيع النوم من دون قصف، وضحك..
كنا نذهب إلى مقهى ويمبي ثم إلى بار شيه أندريه. ؟!!
كنتُ أذهب مع عمي باستمرار إلى لبنان ودائماً هناك سبب، لتبديل إطارات السيارة.. لبنان، للدفع والقبض.. لبنان، للسهر والمرح.. لبنان، دائماً كنا نذهب إلى لبنان إلى أن كبرت وصار لي أصدقاء وشعراء في لبنان فتخليت عن عمي.
نمت عدة ليال عند الفنان السوري فصيح كيسو في الحمرا ببيروت. كانت المياه شبه منعدمة في الحنفيات ولكن الفضاء كان حرّاً وبهيجاً. لم أفكر بالإقامة في بيروت لأنني كنتُ وما زلتُ مدمناً على دمشق، ولكن الكثير من الكتّاب السوريين أقاموا هناك. وكان القادم من بيروت من الكتاب يحكي عن أسطورة العيش هناك، عن سهولة إيجاد الموهوب لمكان يعيش فيه من موهبته. ولكن الأمر لم يكن يخلو من الطرائف أيضاً، فقد ذهب شاعر سوري إلى لبنان من حلب مباشرة ثم عاد بعد ثلاثة أيام إلى دمشق واستغرب عدم وجود فتيات في مقهى الروضة الشعبي؟!! هلأ في بالروضة نسوان.
قلتُ إن هذا الشاعر يظن نفسه مستشرقاً، الفتيات في دمشق مقيمات في المقاهي ولكن هذا الشاعر لا يعرفها. ومرة جاء شاعر آخر بعد زيارة لمدة يومين إلى بيروت متحدثاً إلينا باللهجة اللبنانية علماً أنه حافظ على لهجة قريته لمدة عشرة أعوام من تاريخ إقامته في دمشق!!.. أي سحر إذن فيك يا لبنان؟!..
كل الشعب السوري له علاقة مع لبنان بشكل أو بآخر ، الطفل الرضيع جاءه حليب 'البيبيلاك' من لبنان، والذي يَحْبو جَاءه 'السيريلاك' من لبنان، والمراهق حصل على 'الأديداس' من لبنان، الطفل حصل على الموز من لبنان، وستّ البيت حصلت على المايونيز من لبنان، حتى المتدين حصل على البيرة بدون كحول من لبنان..

ـ أريد أن أتزوج ولكن هناك مشاكل مع الأهل ولا أحد موافق!!..
ـ اذهب إلى لبنان..
ـ أريد دخاناً أجنبياً..
ـ اجلبه من لبنان..
ـ دواء للصغير.
ـ أرسل أحداً إلى لبنان.
ـ كتاب جديد صدر أريد نسخة منه.
ـ اطلبه من لبنان.
ـ كتابي منع هنا، كيف سأطبعه.
ـ في لبنان..
ـ الديون تلاحقني والناس تحاصرني.
ـ اهرب إلى لبنان.
ـ الشرطة تسأل عني.
ـ اختف في لبنان.
ـ أحتاج إلى نقود وما من عمل هنا؟!..
ـ اعمل في لبنان.
ـ مقالي لم ينشر هنا..
ـ انشره في لبنان..
لبنان.. لبنان.. لبنان.. هذه الكلمة السحرية التي ظلت ملازمة لي منذ أن تهجأتُ اسم لبنان على لوحة سيارة، أعتقد ببساطة أن شخصاً ساندني طيلة حياتي وكان اسمه لبنان."

٢٣‏/٠٥‏/٢٠٠٧

الأطفال مرة أخرى


"الأطفال مصطلح يشمل حتى هؤلاء الذين نراهم في الشوارع حولنا كل يوم وهم يتمسحون بالناس كي يسلبطوا عليهم ببضع ليرات، نعم هؤلاء أيضاً أطفال، ولكن أطفال لا يمكنك التعاطف مع حالتهم سوى من منظور واحد هو أنهم أطفال، وبالتالي يكون الحساب مع أولياء أمرهم وليس معهم فهم مغلوبون على أمرهم، ولا يعرفون عن الحياة شيئاً منذ ولادتهم، وإليكم الرحلة العجيبة التي قام بها هذا الطفل الذي ترونه أمامكم كل يوم يرمي بنفسه على سيارتك حيناً أو يمسك بذراعك حيناً آخر أو يركع أمام قدمي صديقتك أو زوجتك أو خطيبتك حيناً آخر، هذا الذي يبتكر كلمات وأدعية بالتوفيق لك وهو في قرارة نفسه يشتمك ويتمنى أن تصدمك سيارة بلا نمرة، هذا الذي يحيط بك هو وزملائه ' الأطفال ' ويصنع دائرة حولك من التوسلات والتضرعات بدفع الخوة التي لا بد منها في غالب الأحيان .
بدأ هذا الطفل رحلته مع الحياة عندما وهبه الله حق الخروج دون غيره من الشباب المتدافعة،
فكان محظوظاً وجلس في بطن أمه سبعة شهور فقط على الأرجح بسبب أن أمه كثيرة الحركة، فهي تتجول في شوارع دمشق كل يوم ولمدة أقلها ثماني ساعات كأي موظف لتمارس وظيفتها في مدح المارة والدعاء لهم بالجاه والثروة من أجل حفنة من الدولارات، وما إن يكبر في بطن أمه قليلاً ويصبح أمر مجيئه مثبتاً للعيان حتى تبادر أمه إلى الإعلان عن مجيئه بقولها ودمع العين يسبقها طبعاً 'من مال الله لخاطر هاليتيم الي جاييكن بعد شهرين'، فيسمع طفل المستقبل المعلومة ويعرف سلفاً أنه يتيم فيتدرب على البكاء والنق والعنعنة وهو في بطن أمه، ولو ما الولد يتيم !!
ثم يطل بدر الدجى باكياً وهو يمد كفه الصغيرة للدكتور كي يناوله اللي فيه النصيب، وبعد يوم من النقاهة يخرج الطفل مع أمه ليلقي نظرته الأولى على المدينة ويقوم بوظيفته الأولى كوسيلة إيضاح للفقر والتعتير، ثم يكبر قليلاً فيبدأ بالمشي بجانب أمه وتقليدها بمد الكف والنق والبكاء، وما أن يبلغ سن الرشد أي في الثالثة من عمره حتى يستقل بأعماله عن أمه ويلتحق برفاق جدد منهم أغرار مثله ومنهم المحترفون الذين صار لهم سنوات بهالكار، ويبدأ الطفل بالتمتع بهذا الكار بل ويبدع فيه أحياناً نظراً لاحتكاكه بالخبرات العالية في هذا المجال، وبعد أن يصبح في سن النضوج الاقتصادي أي في الخامسة حتى يشكل شلة خاصة به ويبدأ بإعطاء الدروس للأغرار، وفي سن العاشرة يكون قد أصبح معلماً في كاره، وفي الثانية عشر يختم الكار ويصبح شيخ الكار وفي الرابعة عشر ينتهي الأمر به في سجن الأحداث وتنتهي حياته التي لم تبدأ أصلاً، فهل من أحد هنا مشان هالموضوع ؟!!!"

٢٢‏/٠٥‏/٢٠٠٧

الزوج والشاعر والحمار


"كنت في شبابي متهوراً، ومن المؤكد أن هناك الكثير من الأصدقاء سيقولون (كنت؟!.. طيب لا تزعلوا)، كنت وما زلت متهوّراً، وفي إحدى غزواتي الخاسرة دخلت إلى مقهى القصر في حلب حيث يجتمع الأدباء والمثقفون والفنانون، ووقفت في باب المقهى وكان ممتلئاً على آخره وناديت بأعلى صوتي: (صمت.. صمت.. أنا تزوَّجت) نظر الجميع إلى شكلي الفوضوي الذي ما زال على ما كان عليه منذ ذلك الوقت أي بعد مرور عشرين عاماً بالتمام والكمال وساد صمت رهيب لم يكسره سوى صوت الأديب 'وليد إخلاصي' ونظرات الدكتور 'أحمد برقاوي' المندهشة مني ومن الفعل الذي قمت به، فقد كانت المرة الأولى التي يلمحني فيها على اعتبار أنه من مثقفي العاصمة بينما كنا نحن من أدباء الأقاليم، وثغره الباسم كالعادة وغليونه الضاحك في يده (أنت شاعر أم حمار)؟!.. فقهقه الدكتور 'البرقاوي' وقهقه المقهى خلفه، قال 'وليد إخلاصي' بوجهه الوضَّاح
نظرت إلى أستاذي الأنيق 'وليد إخلاصي' (أنا شاعر وحمار.. شو ممنوع الجمع بيناتهن)؟!..
وبعد أن عدت إلى دمشق لأسكن إلى زوجتي الأولى اكتشفت أنني لا أستطيع أن أجمع بين الشاعر والحمار، وقرَّرت أن أبقى شاعراً فقط واخترت كما نادى بي معلمي 'نزار قباني' (إني خيرتك فاختاري ما بين الشاعر والحمار) واخترت الشعر لأنني لا أملك شيئاً من صفات الحمير سوى الكسل والغباء، فأنا لست من الصبورين ولا من الذين يمكن أن تعتل عليهم ليلاً نهاراً، كما أنني لست وديعاً مع أنني من محبي 'وديع الصافي' و'أبو وديع الوسوف'، وما كان اختياري للشعر مفاجئاً لأحد، ولكنني نسيت نصيحة وليد إخلاصي الذهبية ووقعت في الحفرة مرة أخرى مع أن الحمير لا تسقط في الحفرة ذاتها مرتين، وعُدت حماراً من جديد مع أنني خالفت قوانين الحمير، (يعني بصراحة صرت حماراً بالواسطة)، لأن ما من أحد قبل بطلب زواجي، لا أهلها ولا أهلي، ولكنني أصررتُ إصراراً وألححتُ إلحاحاً حتى كان لي ما أردت، فعادت أذناي الجميلتان إلى النهوض من نومهما الطويل وخرجت شامخة أبية من تحت ياقة القميص إلى الأعالي، فقرَّرت أن أطيل شعري كي أخفي أذني الحمار وبقيت على هذا المنوال ردحاً من الزمن.
غير أن المقرَّبين من أمثال الدكتور 'برقاوي' نصحوا زوجتي لأن تنتبه إلى أنني شاعر ولست حماراً فقط، فكادت أن تندم لأنها عتلّت علي قليلاً في اليوم الذي مضى، وبكت قليلاً لأنها لم تقدر الشاعر ومزاجه وحريته ونمنا سعداء مسرورين، وفي الصباح 'الماكر' سمعت صوتها وهي تناديني (قوم يا حمار جيب البقدونس والكوسا، ناقصنا شعراء بالبيت صارت الساعة سبعة)، وفي المساء نعود ونجتمع فيعود أحد البرقاويين ويفهمها بأنني شاعر عظيم، فتندم على إرسالها لي من الصباح الماكر قاطعة عليَّ أحلامي الشعرية وتبكي فأمسح دموعها بشمم الشعراء وإبائهم وننام سعداء ومسرورين، وفي الصباح الماكر جداً أعود وأسمع صوتها وهي تنادي (قوم يا حمار شوف أبو الصحيَّة شو بدك النسوان تشوفه)؟!..
وعدت من جديد شاعراً فلتاناً في شوارع دمشق أي مطلَّقاً.
لكن الزوجة ليست سيئة، فهي التي تنظف البيت كي تكتب شعراً جميلاً وهي التي تناديك (تعا حبيبي صار وقت الغدا)، وهي التي تُركِّب قنينة الغاز بيدها، ويمكنها أن تضرب الجيران إذ سوَّلت لهم أنفسهم بأن يزعجوك، وهي التي ترسل أطفالك إلى المدرسة وتكوي لهم قمصانهم التي تحبُّ أن تراها مكوية، وتسرح لهم شعرهم فيسقط قلبك إلى أسفل من شدة جمالهم ونظافتهم، نعم العائلة رائعة جداً ولكنها كي تزداد روعة تحتاج إلى حمار صبور وقوي ومطيع كي تعتّل العائلة عليه كلَّ همومها، لذلك ناضلتُ كي أتحدى أستاذي وليد إخلاصي بأن أكون شاعراً وحماراً في نفس الوقت، فخرجت من منزلي إلى الفضاء الحر الشاسع وأنا طالق، وفي غمرة انهماكي في الشعر لم أنس أبداً أنني أيضاً حمار، فكنت أعود إلى المنزل قليلاً وآخذ الهموم المتراكمة في البيت وأحملها على ظهري وأعدو سعيداً في الشوارع وأنا أصرخ، نعم... أنا شاعر وحمار في وقت واحد."

٢٠‏/٠٥‏/٢٠٠٧

فيجة


"في كل بلاد الدنيا يشربون المياه المعدنية، زجاجات وعلب وعبوات بأشكال مختلفة باستثناء دمشق فما زال أهاليها المحظوظون يشربون من حنفية المياه والتي يسميها الدمشقيون بالفيجة تيمناً بمعمل المياه الطبيعي نبع الفيجة العجيب.لا توجد لدي معلومات عن نبع الفيجة بالشكل الكافي كي أكتبها لكم فأنا كنت من أشد الطلاب كسلاً في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم، لذلك قيموا من بالكم أن تسمعوا مني قائمة بمكونات مياه عين الفيجة السحرية من هيدروجين وأشياء أخرى لا أفهم فيها، ولكنني أستطيع أن أتحدث عن علاقتي بها، وقد استندت في أقوالي على جملة شهيرة سمعتها مراراً ولم أفهم معناها، ولكنني الآن فهمت تماماً شيئاً من معناها، هذه الجملة تقول ' اللي بيشرب من مية الشام بيرجع لها '.
كنت في طفولتي ومراهقتي أقوم بغزوات طويلة المدى من حلب الى الدرباسية أو من حلب إلى دمشق، '. وفي إحدى المرات كنت في بيت عم من أعمامي الكثر المنتشرين في العاصمة وفتحت البراد لأشرب الماء ولكنني لم أجد زجاجات الماء فيه، قال لي ابن عمي أن أشرب من الفيجة فقلت بأنني أريد ماءً بارداً فضحك وفتح الحنفية وطلب مني أن ألمس المياه بيدي ففعلت، كان الماء بارداً بشكل سحري، انحنيت وشربت بكفي حتى ارتويت، ثم مضيت إلى أهلي في حلب، وبقيت مداوماً ومواظباً على غزواتي إلى دمشق دون أن أعرف السبب، وعندما كبرت تحينت أول فرصة وجئت إلى دمشق طالباً ومكثت فيها إلى الآن، كما أنني أعرف أناساً لي جاؤوا لقضاء يوم أو يومين هنا في دمشق ولكنهم ماتوا فيها ودفنوا فيها، وكان سبب بقائهم هو أنهم شربوا من ' مياه الشام '، تماماً كما حدث معي، وأعرف صديقاً لي جاء من قريته مع سيارة بطيخ كي يساعد في إنزال البطيخات وما زال هنا إلى الآن بينما سيارة البطيخ جاءت وراحت مئات المرات وفي كل مرة كان يهبط منها شخص جاء للمساعدة بإنزال البطيخ وبسَّط في الشام ومات فيها بعد عمر طويل، كما عرفت الكثير من الأصدقاء العرب والأجانب رمتهم الصدفة إلى دمشق ولكن مياه الفيجة اضطرتهم إلى المكوث والبقاء في الشام، وكم من المرات حدثني أناس من خارج الشام عن مياه الشام بحنين بحجم عذوبتها، ومع ذلك فإن مياه الفيجة لا تصل إلى كل مناطق دمشق بعد توسعها الرهيب، فانتشر بائعو مياه الفيجة فيها وهم يدندنون ' إديني منك طراوة.. إديني حب .. أديك فيجة يا عطشان'.
فلا تنسوا مياه الفيجة من ثقافة دمشق، لأنها الجاذب الأول في دمشق والسحر الأول والقصة التي تضطرك إلى البقاء لفك لغزها، لكنها عصية، عذبة .. عذبة .. لكن عصية .
لا أنحني لأحد .. إنما أنحني أمام حنفيتك المقدسة التي يسمونها فيجة .. وأشرب وأشرب حتى أرتوي ."

١٩‏/٠٥‏/٢٠٠٧

علماء بهيئة سائقين


"لم أجد في العالم كله من يشبه سائق التاكسي السوري، فهو كل شيء.. بروفيسور.. دكتور.. أستاذ.. باستثناء “شوفير”. فما أن تطأ مقعدتك مقعدَ التاكسي حتى يبادرك “الشوفير” بالقول “الله وكيلك ما بعرف الطريق.. دلني” وهو ينتظر مني أن أسأله “ليش ما بتعرف الطريق؟” ليجيب قبل أن تنهي سؤالك بتنهيدة وجملة حزينة “أنا مو شغلتي شوفير.. أنا أستاذ جامعة.. بس الظروف والرواتب.. أنت بتعرف”. وهكذا صعدت مع مهندسين وأطباء وأساتذة وعلماء ذرة ولكن بهيئة “شوفيرية”، ولكن سيكولوجيا
الشوفير تفوق ما ذكرت هولاً، فالشوفير يعتبر نفسه من أفهم الناس وأكثرهم فهلوية وذكاء، وهو يعتبر كلَّ رجل يصعد معه مشبوهاً حتى يثبت العكس، وكل امرأة مشبوهة حتى لو أثبتت العكس، كما أنه يصرُّ على سماع المسجلة بصوت عالٍ، فإذا أبديت إعجابك بالشريط الموسيقي هزَّ رأسه إعجاباً باختلافه عن عامة الشعب وذوقهم المنحط، وحدَّثك طوال المشوار عن علاقته القديمة بالموسيقا. أما إذا تجرَّأت وطلبت منه تغيير الشريط، فإنه يبادر مباشرة إلى اتهام شريكه في الوردية الأخرى للتاكسي “الله وكيلك ما بعرف من وين يبجيب هالأغاني”، ثم يتابع فصلاً من النميمة ضدَّ شريكه “عالم الذرة” السائق الآخر حتى تصل إلى مشوارك ورأسك مليء بسيرة حياة سائق لا تعرف حتى شكله.
مرة صعدنا مع سائق فهلوي، وكان شعري طويلاً جداً، فما كان من الشوفير إلا وأن أدخل أنفه وسأل أصدقائي عني: “شو.. الأخ أجنبي؟”. تغامزنا وأجابوه: “نعم.. إيطالي.. بس الله وكيلك هلكنا.. ما في أغلظ منه”. هنا ابتسم الشوفير خبير اللغات بتعالٍ، وسألهم إذا كنتُ أعرف العربية، فأجابوه: “جحش.. ما بيعرف ولا كلمة”، ابتسم الشوفير ابتسامة أعرض وقال: “شوفوا شو بدي أعمل لكم فيه لها الإيطالي”. وبدأت ملحمة من الذكاء وخفة الدم والشطارة من الصعب نسيانها.
التفت السائق خبير اللغات وقال لي: “هاو آر يو؟!”، فقلت له: “غود.. فيري غود”.. ابتسم وقال لأصدقائي: “لسّه ما شفتوا شي”، ثم التفت إلي وقال: “سيريا غود يا جحش؟”. فابتسمت وقلت: “غود.. فيري نايس”، ضحك أصدقائي بعنف، فتحمَّس الخبير السياحي 'السائق' وقال لي: “يو آر هابي يا حيوان؟!”. قلت: “يس”، وسالت الدموع من أعين الشباب من الضحك بينما كان السائق مبتسماً ومزهواً بخفة دمه وذكائه، وتابع مشيراً بيده وفمه دلائل امتداحي: “يو أر كديش.. بغل.. فيري غود”، فقلت له: “تانك يو”. وانفجرت السيارة من الضحك، ازدادت حماسة الوزير السائق فقال لي: “يو آر فيري نايس.. يو آر.. حمار معبَّى ببنطلون”، ولم يمنع نفسه من الضحك في نهاية الجملة بينما كان الشباب قد أضحوا في غيبوبة من القهقهة، ووصلنا.. فصمت الجميع مانعين أنفسهم من الضحك بينما كان الشوفير يتابع مآثره الكوميدية، فبادرته وبالعربية: “أديش بدّك يا جحش يا زبالة يا بلّوعة؟!”، امتقع وجه الشوفير كأنه وزير قد خُلع من منصبه للتو، فتابعتُ بسادية: “ما قلت يا ألف حمار عم بيعلفوا سوا أديش بدك؟!”، نظر الوزير المخلوع إلى الكتلة الشبابية الجالسة في سيارته وقال بصوت مخنوق: “ما بدي شي.. بخعتوني”. ولم تمضِ أيام حتى صعدنا أنا وصديقي الفنان التشكيلي “أحمد معلا” في تاكسي أخرى، ولكن بعد معاناة، فالتكاسي لا تتوقف إلا للخليجيين في فصل الصيف، لذلك وقفنا عند إشارة المرور وبمجرد وقوف السيارات حدثت سائقاً باللهجة الخليجية، فبشّ في وجهي بعد أن كان متجِّهماً وصعدنا. جلست في الأمام وجلس “أحمد” في الخلف، وقلت للسائق: “نبغي نروح على دمّر ياخوي”، قال السائق المحبِّ للوحدة العربية: “أهلين بإخواننا العرب..من وين حضرتكم بلا صغرة؟!”، قلت: “من الكويت يا خوي”، فانفرجت أساريره وهو يتخيَّل الدينار الكويتي الذي يساوي 170 ليرة عداً ونقداً. نظر “أحمد” إلى العداد وقال لي بلهجة كويتية: “شنو هذا؟!”، فقلت له: “هاذا عدَّاد.. كلما تمشي السيارة يزيد عدد الفلوس اللي لازم ندفعها”. وبالطبع فإن العداد يظهر المبلغ المطلوب بالقروش، فالـ 400 قرش تصبح بعد قليل 500 قرش، أي خمس ليرات، وهكذا حتى نصل إلى دمر، فيكون المبلغ حوالي 2700 قرش، أي 27 ليرة، ولكني شرحت لـ”أحمد” باللهجة الكويتية عن العداد وأنا أقلب القروش إلى ليرات، وقلت له: “شوف.. هالسّع المبلغ 400 ليرة.. هاه هالسع قلَبْ وصار 500 ليرة”. وما إ ن سمع الشوفير عاشق الوحدة العربية جملتي الرهيبة التي قلبت القروش إلى ليرات ببلاهة حتى قال لي: “أهلين.. الكويت وطننا الثاني”، وتابع “أحمد” فرجته إلى العداد وبدأ يعدُّ الأرقام كلما تغيَّرت وازدادت “هاه.. صار المبلغ 700 ليرة”.
وبدأ كيان عاشق الوحدة العربية يهتزُّ طرباً لانقلاب القروش إلى ليرات، صحت بأحمد: “شوف يا خوي صار العداد 1200 ليرة”. وكانت دموع الفرح تهطل من عينيَّ صنَّاجة العرب الذي قال: “يا أخي الكويتيين قبضايات”. وتذكرت غزو الكويت دون أن أعرف لماذا. وصلنا وكان “أحمد” يقول: “هاه.. صار العداد 2700 ليرة..” قلت لصناجة العرب أن يتوقف فتوقف وسألته: “كم تريد؟!”، فقال لي بعد أن ألقى خطبة عصماء عن الكويت وطنه الثاني: “ع العداد أخي.. أنتو إخواننا العرب ما بناخد منكم أكتر من العداد”، قلت: “لا.. نحن نريد ننطيك على كيفك.. اللي تبغيه لأنك آدمي وتحب الوحدة العربية”، فقال وهو يحلف بأغلظ الأيمان: “وحياة مين حرَّر الكويت ما باخد أكتر من العداد”.. فقال أحمد: “لأ.. نريد ننطيك اللي تبغيه”، فقال وقد نفد صبره: “أخي ع العداد.. اقرأ الرقم وادفع.. صار لكم ساعة عم تقروا”، فأصرَّينا على أن يقول الرقم، فقال مستسلماً: “أخي ع العداد 2700 ليرة بس”. نظرنا إليه بسادية وحقارة لا مثيل لهما أنا و”أحمد”، فأعاد الرقم: “2700 ليرة بس.. ع العداد”، تابعنا نظراتنا السادية والحقيرة، وقلت له بلهجة مغرقة في المحلية على اعتبار أن المحلية هي الطريق إلى العالمية: “2700 ليرة أجرة توصيلة من قلب الشام لدمّر.. شو مفكرنا حمير ولاه؟!”، وتابع أحمد: “العمى بعيونك شو نصَّاب، 2700 ليرة ولاه؟!”. زمَّ صناجة العرب سابقاً شفتيه وقال: “انزلوا.. بخعتوني.. ما بدي مصاري”، نزلنا ولم ندفع، وكان السائق يدور بالسيارة بعنف وهو يبرطم بجمل غير مفهومة عن الكويت وغزو العراق لها، بينما كنت أقول لـ”أحمد” أن يستأجر لنا منزلاً في بناء ممره قصير كي لا نضطرَّ إلى البقاء تحت أنظار العلماء لفترة طويلة ونحن نسمع شتائمهم العلمية."

١٨‏/٠٥‏/٢٠٠٧

على كل الأرصفة أسمع طرقات حذائك


"ها أنذا عجوزكِ
تجاعيدُ وجهكِ
وارتجاف الكف
ما تبقى في القلب
وما سَلِمَ من العطب
عجوزكِ المستوحش
السائر وحيداً
دون عكازٍ في هذا الشارع الطويل ودونكِ


أعمى أهوائك
الذي تقودينه مع كل طائرة إليكِ
عارفاً أنكِ لست لي مجدداً
وأن الشارع الذي تعبرين يجهلني
أعمى أمام جسدكِ
خائبٌ في المطار
والصديق الذي يسألني عنكِ.. يؤلمني..


أعرف من يعانقكِ الآن
وأعرف كيف يستغرب عرق كفيكِ الغزير
عرق المودة الذي بلل كفي في الصالحية
وباب توما
وشعركِ الذي بكل الصفات
فمكِ البريء والشهواني
ساقاكِ وصدركِ
كم كان علي أن أعلّمكِ كي يحبكِ الآخرون
كم كان عليَّ وأنا ألمس كفكِ أن أعرف
أن خاتمي ـ منذ زمن بعيد ـ قد خرج من إصبعكِ


في أي وقتٍ تستطيعين الدخول إلى البيت
لأن الباب يحنّ إليكِ
والجرس يشتاق لأصابعكِ
وفي أي وقتٍ تستطيعين
الجدران تحبكِ
والممر والكراسي
مقبض باب الغرفة سعيد وأنتِ تديرينه
والغرفة أيضاً
الشبّاك يحبكِ والخزانة والكتاب المفتوح
بجانب السرير
ومن الزاوية سأنهض للقائكِ
ومن أجلهم جميعاً سأقبلكِ
ولكنني.. يا الله.. كم أكرهكِ


عادتهُ الانتظار
وعادتها أن لا تجيء
عادته كرسي وعيون على الباب
وعادتها أن لا تدق
مرة جاءت، دقت الباب
لكنه بقي على الكرسي
وبقيت عيونه على الباب


فرح بك
كتمثال عثرَ عليه للتو
في الشارع أخاف عليك
وعلى الرصيف أحبكِ
وعندما تندلع الحروب
أقف مدافعاً عن شارع بيتكم
على كل الأرصفة أسمع طرقات حذائك
وعلى كل العيون ألمح نظارتكِ
أمسحُ عن زجاجها صور كل الرجال
وعندما أعود إلى غرفتي
لا يفزعني سوى غيابك
في الليل الموحش
وحيداً
حزيناً
كتمثال عثر عليه للتو



كما لو أنني ماء
أعيد الحصى للشواطئ
وألاعب الريح
تمر السفن محملة بالقراصنة فأهدأ
وعندما يمر زورقك الصغير أتبخر
كما لو أنني ماء
أموت فرحاً عندما ألامس قدميك في مدي
وأموت حزناًحين أنحسر عنكِ في جزري
أنتظركِ
وعندما لا تأتين
أسدلُ أمواجي علي وأجف
كما لو أنني ماء


من الذي سيأتي الآن
تفوح منه العطور
وفي يده ورد
من الذي سيأتي
في خطواته لهفة
وفي طرْقته على الباب ارتجاف
من الذي سيأتي
من الذي سيفتح الباب ويعانقه
ومن الذي سيرقب المشهد
ويتكسَّر من الإهمال


أول من يأتي إلى موعدنا أنتَ
ودائماً أتأخر
تعرف أي ورد أحب وتحضره
وتعرف أي الألوان
تنشر حولك الظلال وأنت تنتظر
فتحبكَ الظلال
وتحبك ألوان ملابسكَ
الورد في يدك يحبكَ
والمارة أيضاً وهم يرونك تنتظر
تحبك المباني حولك والسيارات العابرة
والناس الداخلون إلى مبنى البريد والخارجون
أحبكَ أيضاً وأنا أتخيلكَ تنتظرني
أحبكَ وأنا أفكر
مرة أخرى لن أستطيع المضي إليك


بعد الحب
ما جدوى ما بيننا
فلست سوى جسرٍ يقودكِ إلى الهاوية
وروحي أشد ظلاماً
أقول الآن:
أستطيع أن أطرد الجميع من بالي وأطردكِ
ولكنك تستطيعين البقاء أكثر
أرجوك.. تستطيعين"

١٧‏/٠٥‏/٢٠٠٧

فوتوكوبي


"منذ الأزل والإنسان يتساءل عن جدوى وجوده، ومن هذا التساؤل ظهرت الأساطير التي تحكي عن تعاسة رحلة الإنسان في الحياة، ومن أشهر هذه الأساطير أسطورة 'سيزيف' الذي عاقبته الآلهة بأن يحمل صخرة ويصعد بها إلى أعلى قمة في الجبل ويضعها هناك فتتدحرج فينزل ويعود ويصعد بها من جديد وهكذا إلى نهاية حياته، ثم برز الفلاسفة العدميون وأدب اللامعقول وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث وقف الإنسان الأوروبي مذهولاً من حجم الخسارة الإنسانية الكبيرة التي لحقت به، وبرز الأدب الوجودي فكتب ألبير كامو ' الغريب ' و'الطاعون' كما كتب سارتر كتابه الشهير ' الوجود والعدم ' وبدأ بالتنظير للفكرة الوجودية عبر ...
قصصه ومسرحياته ورواياته وأشهرها ' الغثيان '، أما التيار الفني الأكثر شهرة فقد كان مسرح العبث، وقد ظلت مسرحيات 'صموئيل بيكيت' و'يوجين يونسكو' و'أداموف'
وطفرناندو أرابال' مثار إعجاب إلى الآن، وجميع هؤلاء حكوا عن موضوع واحد هو عبثية الوجود، وقد صرخ 'يونسكو' في مسرحيته العظيمة 'الملك يموت ' إن الإنسان الذي صنع كل هذه الأشياء العظيمة من برق وهاتف وسيارات وموسيقا ومسرح وشعر وأسلحة وطائرات ومصانع هو الملك ولكنه الآن يموت، بينما مضى 'بيكيت' إلى الحديث عن تعاسة الإنسان الذي لا حيلة بيده سوى الانتظار في مسرحيته الأشهر 'بانتظار غودو'.
ولا تحيد مسرحية الكاتب الأمريكي 'موري شيزجال' 'الطابعان' عن مجمل هذه الأفكار، فهي تحكي عن عبثية الأيام وهي تتكرَّر يوماً بعد يوم وعن تعاسة الإنسان وهو يحلم ولكنه دائماً يسير بجانب حلمه دون أن يقدّم له شيئاً، فيعيش حياة خادعة كاذبة مملة متكررة، وقد تمَّ تقديمها على خشبات المسرح السوري بعرض من إخراج 'محمد قارصلي' وتمثيل 'ندى حمصي' و'ماهر صليبي' قبل أكثر من عقد من السنوات، وها هو 'ماهر صليبي' يعود مع هذا العرض من بوابة المسرح القومي ولكن مخرجاً، وقد سماه ' فوتوكوبي' وبتمثيل 'يارا صبري' و'محمد حداقي' و'منصور نصر'.
على مسرح القباني الصغير والدافئ تقدم عروض 'فوتوكوبي' حالياً، وحالما تخرج من العرض تشعر أنه هزَّك من الداخل ولامس وجدانك وحرَّك بعض التساؤلات النائمة في زحمة تراكضك اليومي لإتمام رتابة حياتك على أكمل وجه، عاد هذا العرض بالمسرح إلى منطقة كان قد تناساها الكثيرون فظنوا أن الفن ما هو إلا تعالٍ على الهموم البشرية، وكان تفاعل الجمهور مع الممثلين كبيراً وفيه بعض الخجل من الذات بسبب هذا التفاعل، فلطالما كان الإنسان في بلادنا قد وصل إلى مرحلة تعالى فيها هو أيضاً على تساؤلاته الطفيلية. وفي عرض ' فوتوكوبي' تمتع الجمهور بأداء 'يارا صبري' و'محمد حداقي'، وتمتعت أنا شخصياً برقصة 'منصور نصر' المقتضبة على أنغام 'وركبنا عالحصان' للمطرب الراحل الكبير'فهد بلان'، وأكد 'ماهر صليبي' أن المسرح فكرة تتسع لكل الألوان، وأن الفن لا يمكن له أن يبتعد عن الأسئلة البشرية البديهية مهما كانت بديهية."

١٦‏/٠٥‏/٢٠٠٧

ناس وناس


"منذ زمن قديم والحكومة السورية ترفض أن يتساوى الناس في التمتع بالسيارات، حتى بعد اختراع السيارة الوطنية ' شام ' ما زال من غير الممكن أن يتمتع الجميع بهذه الميزة، ميزة أن تكون لديك سيارة، والسبب كما تعرفون هو تلك الضريبة العجيبة المعروفة بالنمرة السورية، والتي يكون ثمنها أضعاف ثمن السيارة ذاتها، حتى أن شركات السيارات دهشت من حكومتنا التي تربح أكثر منها، فالشركة تتعب نفسها كي تصنع سيارة منافسة بميزاتها وسعرها وتربح بضعة ألوف من الدولارات من السيارة الواحدة بعد جهد جهيد وعمل كثير وإبداع أكيد، ثم تأتي حكومتنا العتيدة
وتربح من نفس السيارة دون أن تفعل شيئاً أضعاف ما تربحه الشركة!!!!! لكن دهشة الشركات الكبرى زالت بعدما عرفت أن حكومتنا إنما تربح كل هذه الأموال من شعبها حصراً، أي أنها وبحكم تحكمها وحكمها وإحكام قبضتها على حياتنا تستطيع أن تفعل بنا
ما تشاء، وأن تجعلنا ندفع ما تشاء على طريقة السلطان العثماني الذي نسيه الناس في الآستانة أو استانبول بينما ذكراه تتجدد كل يوم في بلادنا العلية.
ولأن خطر ببالي أن امدح الحكومة على ورشاتها المتسارعة في بناء الجسور والأنفاق وشق الطرقات الجديدة في هذه الأوقات فإنني أتحسر على هذه الطرقات التي لن تسير عليها سيارة إلا ويكون صاحبها قد دفع ما فوقه وما تحت أهله وجيرانه كي يحس أنه يشبه الناس في كل أنحاء العالم ، ما الفائدة من الطرقات إذا لم نمشِ بسياراتنا عليها ؟!
وبالطبع أخوكم المواطن السوري يجد حلاً لكل معضلة، فها هي السيارات ذات النمر اللبنانية تتمشى في شوارعنا بسائقين سوريين سعداء، وها هي سيارات بنمر سعودية وكويتية تتمشى على أوتوستراداتنا بسائقين سوريين مغتربين يعيشون في جحيم الغربة من أجل أن يأتوا إلى بلدهم ويسيروا بهذه السيارة في شوارع الوطن الحبيب بفخر واعتزاز ، هل كان عليه أن يدفع كل هذه الأثمان من أجل هذه اللحظة ؟!
الحكومة ترى أن الناس مقامات، ومو كل مين خطر على باله يشتري سيارة لازم تكون عنده تاني يوم، فهل من المعقول أن نرى النجار والسمكري والطالب وبائع اليانصيب والنادل والموظف وأستاذ المدرسة راكبين سيارات ؟!!! .. إي هزُلَتْ .
الناس مقامات، ومن طلب العلا سهر الليالي، ومعك قرش تسوى قرش، واللي بده يشتغل جمَّال بده يعلّي باب داره، وياراكب الهمرا قناطير سلم على أحباب قلبي قناطير.
ومع ذلك الشعب لا يذوق، فها هو نجار بيتون يضع أمامه بجانب كاسة الشاي الأكرك عجم جهاز موبايل ' دمعة ' مع كاميرا وهو ذات الجهاز الذي يضعه أمامه المتعهد المليونير الذي يعمل عنده، برأيكم مو شي مزعج ووقح ، كيف سنفرق بين المليونير والأندبوري إذن ؟!!
الحل بسيط .... أرجو أن تضعوا نمراً للموبايلات وضريبة جمركية عالية مثلها مثل السيارات لكي نميز ما بين أبناء الشعب .
لكن الشعب عجيب غريب لأننا سنشاهد فيما بعد هذا القرار موبايلات بنمر لبنانية وأخرى بنمر خليجية ، وسنرى أحدهم يحمل موبايلاً مكتوب على نمرته ' إدخال إصطياف ' .. بتصير وحياتكم رح تصير!!!!!!!!!!!!!!"

١٥‏/٠٥‏/٢٠٠٧

فريقي وصديقي برشلونة


"يعتقد فريقي برشلونة الذي أحبَّ أنه يستطيع الحفاظ على صداقتي له مهما كان الثمن، ويعتقد صديقي برشلونة أن صداقتي له هي تحصيل حاصل، وأنني سأبقى مثابراً على حبي الجارف له وإعطائه الأولوية أمام أصدقاء آخرين من مناطق أخرى مثل 'مانشستر يونايتد' و'آ إس روما' و'الحرية' الحلبي، ويعتقد صديقي برشلونة أنه الأوحد والوحيد في حياتي، وأنه علي طيلة الوقت أن أمتدح كلَّ ما يقدمه من مباريات، ولكنه لا يقدم شيئاً فيخسر هناك ويتعادل في 'الكامب نيو' ملعبنا، وعدَنا ببداية الموسم أن يفوز بست بطولات بعدين راحت البطولة ورا التانية لحتى صفيلنا التلاتة الأساسيات، يعني الدوري والشامبيونزليغ والكأس، وفي عز لهيب الدوري ومطاردة العدو التقليدي ريال مدريد لنا يمضي البارسا -وهذا اسم الدلع لصديقي برشلونة- إلى القاهرة .. قال شو رايح يشارك النادي الأهلي المصري أفراحه،

ومع ذلك شفناها للمباراة وربح صاحبنا البارسا أربعة -صفر ورجع على برشلونة نافش ريشه،
لا وبدو ياني أحكي عن فوزه الأسطوري، وزعل مني وقت اللي قلت له: عم تخسر قدام ليفربول بأرضنا بالشامبيونز ليغ وهلأ جايي تستقوي على فريق عربي! لا حول له ولا قوة، قام راح بيضها وربح على ليفربول بأرضه بس للأسف طلع الفوز ما بيكفي وقحطنا برا الشامبيونزليغ غير مأسوف على نجومنا المبروظين، قلنا ياالله بيكفي نأخذ ثنائية الدوري والكأس، وقام راح بيَّضها وسلخه لريال ساراغوسا بأرضه وتأهَّل لنصف النهائي، ولعب مع خيتافي الدرويش اللي ما بيطلع حق فريقهم كله قد نص حقه لرونالدينيو وربح خمسة- اتنين، وأحرز ميسي هدفاً أسطورياً وقلنا: ها قد عاد صديقنا البارسا إلى الفورمة ولكنه في مباراة الإياب خسر بمعجزة أربعة- صفر، وخرج من الكأس ذليلاً ورجع إلى برشلونة زحفاً لأنو ما لو وش يشوف حدا، ومع ذلك بقي يطالبني شخصياً بتعظيمه والتذكير بالبطولات السابقة التي أحرزها وبالفنيَّات الجميلة التي كان يقدِّمها ، قلت له حسناً لكن على شرط أن تفوز على ريال بيتيس الضعيف في برشلونة وتحافظ على فارق النقطتين بيننا وبين العدو الغاشم المتغطرس ريال مدريد خاصة وأن صوته بدا يعلو قليلاً، وبالفعل لعبنا المباراة وأحرزنا هدفاً بالزور في الشوط الأول، وضيع إيتو ' أبو السودة ' لوحده شي خمس أكوال، أما أبو الجدايل رونالدينيو فاكتفى بتمرير شي باصين خطيرين، بينما الأخ ميسي يحاول أن يحرز هدفاً كالذي أحرزه على خيتافي وما كانت له قيمة على أرض الواقع لأنو الجماعة حطوا علينا أربع أهداف وحلقوا لنا برا الكاس، قلنا ماشي الحال بنربح لعبة بيتيس وبنضل على فارق نقطتين مع العدو المدريدي الغاشم، ومع مرور دقائق من الشوط الثاني قام العندليب الأسمر مدربنا ريكارد بإخراج رونالدينيو وأتبعه بميسي وأنزل سافيولا وإدميلسون، قلنا تكتيك، وقبل نهاية المباراة بدقيقتين أحرز بيتيس هدفا بعد أن أنقذ فالديز هدفين قبله من أخطاء عجيبة لتورام ' أبو سمرة '، وصار ريال مدريد الأول ونحنا التاني، وصديقي بارسا يريدني أن أتابع تعظيمي له وهو لا يقدِّم لي شيئاً سوى وجع القلب والراس وحرق الأعصاب، قلت لبارسا ' لا يوجد شيء لا بديل له '، لن أصادق الأعداء من بعدك، ولن أجلب من يأخذ مكانك في قلبي، ولكنني سأطردك فقط خارج حدود القلب لأنو ما بيجي منك غير وجع القلب، أما البديل عنك فهو فكرة الصداقة، وفكرة الصداقة لا تموت بموتك يا بارسا، فإلى اللقاء فأنا ذاهب لألتقي بأصدقائي مانشستر يونايتد وآ إس روما والحرية الحلبي فقد زعلوا مني لشدة ما ضيَّعت وقتي كله معك، باي باي بارسا ؟!!"